الاحتقان الاجتماعي .. مسئولية النظام!
ضغوط واحتقان وثورات مكتومة في صدور المواطنين .. لعلها رواسب نفسية تراكمت عبر الثلاثين عاما الماضية، نتيجة الاستحواذ السياسي للحزب الوطني وحكوماته المتعاقبة..
والظلم الاجتماعي الذي طال عموم الشعب المصري. ودليل هذا الاحتقان ، ماشهدته البلاد الفترات الماضية ، من اعتصامات واحتجاجات عمالية ومختلف فئات الموظفين للمطالبة بأبسط حقوقهم في الرواتب والعمل.
وأيضا نتيجة لزيادة معدلات الفقر والمعدمين والانتحار وجرائم القتل والسرقة وكذلك موجات الارتفاع الجنوني لاسعار كافة السلع والخدمات، دون ان تقدم الحكومة أي بديل للغلابة وعنف أسري ومجتمعي، بلغت ردود أفعاله إلي حد المواجهات.
كذلك ارتفاع معدلات الفساد والرشوة التي أصبحت قاسماً مشتركاً بين كل قطاعات الدولة.. فضلا عن السياسات الفاشلة لجميع القطاعات الخدمية مثل الصحة والتعليم والأجهزة المحلية وحكومات متعاقبة سخرت مقدرات البلاد ومواردها لصالح رجال المال والأعمال، وعلي حساب الفقراء ومحدودي الدخل وسكان المقابر والعشوائيات التي تعج بالعاطلين والمهمشين وهذه كلها مناخات وأوضاع تنتهي إلي إفراز أجيال تعتنق التطرف الديني والفكري والسلوكي، ما يهدد أمن وسلامة المجتمع .. لأنها في مجملها، ترسخ حالة من الاحتقان نجحت حكومات الحزب الوطني في توسيع دائرتها، حتي عمت مدن ومحافظات الجمهورية، ما جعل بعض الصحف الأجنبية تصفها بثورة اجتماعية تهدد مصر ، خاصة بعد أن استولي الحزب الوطني علي مقاعد مجلس الشعب في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
فهل يعي النظام الحاكم الدرس وما يهدد البلاد فعلاً ويبادر لمصالحة اجتماعية علي كل المستويات أم أن الحال سيستمر هكذا لنجد البلاد تدخل في دوامات عنف وإرهاب؟
قطعاً النظام مسئول عما يسود المجتمع المصري من سلبيات وظواهر جديدة عليه، فهو المسئول عما يعانيه المواطن يومياً لتلبية أبسط احتياجاته وضروريات الحياة نتيجة سياسات فاشلة لحكومات جعلت المواطن بشعر بأنه لا وجود لهيبة الدولة بعد تفشي العديد من ظواهر أقلها ان 49٪ من المصريين يتقبلون الفساد ويمارسونه، جعل مصر في مقدمة الدول التي تنتشر فيها الرشاوي والمحسوبيات. وكذلك ارتفاع الاسعار الجنوني والذي بلغ. 500٪ خلال 20 عاما فقط، كما تشير البيانات والاحصاءات في مقابل 200٪ نسب الزيادة في الأجور فنجد علي سبيل المثال تراوحت زيادات الأجور، بين 20٪ و50٪ و60٪ خلال عام 2010 بالمقارنة بعام 2009 في حين ارتفعت الفجوة الغذائية في المحاصيل الاستراتيجية وضياع موارد الدولة في تزايد الطلب علي الغذاء ، فوجدنا فجوة القمح تبلغ 45٪ و71٪ في الفول ، 98٪ في العدس و41٪ في الذرة الشامية و90٪ في الزيوت و70٪ في السكر.
في نفس الوقت أصبحت أراضي مصر الزراعية مهددة بالبور والفلاح بالضياع وأحدث تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء لعام 2010 أكد انخفاض الموارد المائية بحوالي 15.2 مليار متر مكعب في عام 2017 حيث ستنخفض كمية المياه المتوفرة من 86.2 مليار متر مكعب إلي 71.4 مليار متر مكعب. وأكد التقرير معاناة 10 مناطق من نقص مياه الري ومنها محافظتا الإسكندرية والدقهلية . حتي العمال لم يسلموا من بطش حكومات الحزب الوطني وسياساته الفاشلة والتي تؤكد الاحصائيات أن النظام الحالي مع تلك السياسات منحازة لملاك الثروة ضد العاملين بأجر، حيث وابدت معدلات تركيز الثروة والدخل علي نحو مطرد في يد الفئة الرأسمالية المتضائلة حجما باستمرار، في حين تزايد عل ينحو مطرد إفقار الغالبية العمالية من تلك الثروة ، وتضاؤل نصيبها من الناتج المحلي الإجمالي ـ كما أكد خبراء مركز أولاد الأرض والباحثون في القضايا العمالية ، مستتهسرين بعام 2007 والذي شهدت الحركة العمالية فيه 174 احتجاجاً عمالياً، تمثلت في 74 اعتصاماً و52 إضراباً و48 تظاهرة أي بمعدل احتجاج واحد كل يوم ونصف اليوم، ووصلت إلي 5 اعتصامات في عامي 2009، 2010 وهو مايعني أن هناك خللاً في علاقة العمل في مصر ، وفي ظل أوضاع اقتصادية تزداد سوءاً منذ عام 2007 وحتي الآن، فيما شهد ذلك العام فصل حوالي 13 ألفا و172 عاملا وانتحار 22 عاملاً بعد ان سقطت أمامهم أبواب الأمل.
وفي الصحة والتعليم وهما قطاعات حيويان، لم يسلما من تلك السياسات الفاشلة والمتضاربة والتي جعلت من بعض المرضي فئران تجارب وكذلك مرضي لا يجدون العلاج ولا تكاليف الدواء. اصبحت سياسات التعليم عبارة عن قص ولزق ساهمت في تخريج أجيال من الجهلاء والمتخلفين ، مثل السياسات الصحية التي جعلت مصر وطبقا لتقارير منظمة الصحة العالمية تحتل المرتبة رقم 66 بين دول العالم لانفاتها ما يقرب من 5.8٪ فقط علي الصحة من نسبة الـ 10المحددة في الموازنة وفقا لمنظمة الصحة العالمية ، والنتيجة 8 ملايين مريض بالكبد و10 ملايين بالسكر و10 ملايين بالحساسية والربو، وعلاوة علي ذلك قانون جديد للتأمين الصحي يحرم الغلابة من العلاج ويتحول لعلاج استثماري إجباري.
حتي الأطفال لم يسلموا من سياسات حكومة الحزب الحاكم فهناك حوالي 3 ملايين طفل يعملون في الورش ومحارق الطوب، ونحو المليون هائمون في الشوارع يبيعون المناديل ويتسولون وتستغلهم عصابات للسرقة وتوزيع المخدرات . بخلاف ذلك العنف الذي يتعرض له أطفال والتي أشارت تقارير مركز الأرض لحقوق الإنسان إلي بلوغه الذروة خلال 2005، بالاضافة لما أعلنه مؤخراً الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء عن وقوع 104 آلاف محاولة انتحار في مصر خلال 2009، وأغلبهم من الشباب في المرحلة العمرية من 15 إلي 25 عاماً بنسبة 66.6٪، مسشتهداً بعام 2005، وحدوث 1160 حالة انتحار وصلت إلي 2355 في عام 2006 وإلي 3700 حالة في عام 2007 وإلي 4200 في عام 2008 وفي ظل ارتفاع نسبة الفقر إلي 41٪ وفقا لأحدث تقارير الأمم المتحدة للتنمية البشرية لعام 2009، مما ينذر بخطر داهم يلتهم أرواح الشباب الذي يعلن عصيانه علي الحياة وتمرده علي كل الشرائع التي تحرم الموت انتحاراً.
كما تساءل فؤاد بدراوي أيضا: هل يعقل أن يكون معيار النمو والرخاء من وجهة نظر رئيس وزراء ، هو عدد الثلاجات والسيارات والتكييفات، فمعيار النمو وتحسين المستوي المعيشي عالميا مختلفى يؤسس علي مقدار كماليات و احتياجات المواطن التي تؤهله للحياة علي أحسن مستوي .. ولكن للأسف حكومتنا مغيبة وبعيدة كل البعد عن أحوال الشعب وعما يعانيه من مشاكل يومية، تجعله يحيا بالكاد وتجعل الحصول علي لقمة العيش بشكل آدمي من المستحيلات لعامة الفقراء والمحرومين والبعض من متوسطي ومحدودي الحال والمصنفين بالفقراء وفقا للمعايير الدولية.
للمشاكل لأن تناول أي قضية من أساسها، وبالحرص علي وضع حلول لها، يحتاج من الدولة إلي جهد في حين أن الوزراء المسئولين ليس عندهم وقت لمراجعة مثل هذه القضايا وتشريعاتها وتحويلاتها وآفاق تطويرها ومناقشة البدائل، ولهذا فإنهم يستسهلون مواجهة الاحتقان الذي يجعل الجماهير مشاركة في صنع الحلول المسكنة بديلا عن الحلول الحقيقية ، وعلي سبيل المثال فإن قضايا مثل التموين يعتبر الاحتقان حلاً سحرياً لها لأنه بحصر المشكلة في اصحاب المعاناة من أصحاب الصوت المرتفع ، الذين يمكن إجهادهم وإرضاؤهم بنسبة 50٪ من متطلباتهم في حين أن الحل الجذري يقتضي توفير السلعة في الوقت والمكان المناسب ، وبالمعايير المناسبة من خلال توفيرها في وقت الأزمة فيسمح بتمرير أي سلعة ذات جودة منخفضة بكميات أقل بعد أن يحل بعض الجماهير مشكلتهم بأنفسهم أو يكون بعضهم الآخر عاجزين عن رفع الصوت بالمعاناة ويمكن تصوير حالة الاحتقان بالتصوير الفيزيقي المشهور ، و هو حوض المياه المسدود من أسفل فمثل هذا الحوض يدفع اصحابه أولاً إلي عدم استعماله وإلي اخراجه من الخدمة ويدفهم ثانية إلي البحث عن بديل آخر ، بينما تظل حالة الاحتقان قائمة وتحل بطريقة يدوية بالإناء المعدني، ثم يلجأ أصحاب الحوض إلي قطع المياه الواصلة لهم وبذلك يتم توفير بعض الإنفاق.