عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حقيقة توتر العلاقات المصرية مع إيران

عادت ايران الي ساحة الاهتمام المصري بصورة مكثفة منذ انطلاق ثورة التحرير في 25 يناير، وبدا الأمر وكأن مصر تعيد فتح صفحة العلاقات مع هذا البلد الذي تحيطه شبهات الغرب واتهاماته بامتلاك الاسباب لتصنيع السلاح النووي ،  وفي وقت خليجي حرج ،  تشكل فيه ايران تهديدات للخليج العربي وعلي رأسها البحرين ومن خلفها السعودية ، لتضع مصر في مفترق الطرق ، مع علامات استفهام حول قدرة مصر علي التوازن في مرحلة تحولها السياسي الخطير ، توازن في  العلاقات بين الجانب الايراني من جهة ، والخليجي العربي والعالم الغربي من جهة اخري ، وجاءت قضية الكشف عن جاسوس ايراني مؤخرا في مصر لتضيف مزيدا من علامات الاستفهام حول مستقبل هذه العلاقات ، واذا ما كانت هناك ايد خارجية غير مصرية يمكن ان تؤثر في ترسيم هذه العلاقات من عدمه ، بجانب الشكوك المثارة حول مصداقية قصة هذا الجاسوس.

بديهي ان دول الغرب وعلي رأسها امريكا مدفوعة باهداف اسرائيلية ، لا ترحب بأي تقارب مصري ايراني ، فمثل هذا التقارب يؤرقها ويهددها ، ويغير من موازين القوة في الشرق الاوسط ، هي الموازين الراجحة لمصلحة اسرائيل ، واي كانت حقيقة او كذب الاتهامات الموجهة لايران بالسعي لامتلاك الاسلحة النووية ، فان امريكا واسرائيل واوروبا لا يرحبون بأي تفاهمات إيرانية مع مصر أو أي من دول الشرق الاوسط ، لأن في ذلك تصعيداً للقوة المجابهة لاسرائيل وللوجود الصهيوني واليهودي في قلب الشرق الاوسط .

وكما كان النظام السابق متفننا في افساد علاقات مصر الخارجية مع كثير من دول العالم علي غرار افريقيا ، لعزل مصر سياسيا عن العالم الخارجي ، كانت علاقات مصر مع ايران داخل ذات القالب ، بجانب نظرة ايران لمبارك علي انه عميل صهيوني للدولة اليهودية ، وانه خادم لمصالح اسرائيل وامريكا ووسيط صهيوني لدي دول المنطقة ، وهو ما دفعها للبحث عن خطة لاغتياله ، ورصدت لذلك 1٫5 مليون دولار ثمنا لرأسه  .

دور حزب الله

ولقد لعب حزب الله دورا محوريا في المنعطفات التاريخية التي مرت بها العلاقات بين الجانبين علي مدي العقود الماضية  ، وصولا الي ثورة 25 يناير المصرية ، والتي تحاول مصر من خلالها فتح صفحة علاقات جديدة ، غير ان هناك اختبارات تضع هذه الصفحة علي المحك ، ومن المؤسف له ان المتحكم الوحيد بها ليس  لغة المصالح المتبادلة بين الجانبين فقط بقدر ، ما تتحكم فيها نوازع وضغوط السياسات الغربية المؤثرة في مصر والمجابهة لايران ، لان تقاربهما سيعني كما سبق القول تغيير ميزان القوي في منطقة الشرق الاوسط تجاه القوي الخارجية المعادية وعلي رأسها اسرائيل .

عندما قامت الثورة الاسلامية الايرانية عام 1979، حاولت طهران توحيد قوتها الإقليمية في الخليج ،  لتحقيق طموحات للعب دور أكثر محورية في منطقة الشرق الأوسط ، بجانب دفن الأحقاد مع مصر ، فمصر هي الدولة العربية الوحيدة التي ليس لها سفارة في طهران ، غير ان  علاقات ايران مع مصر وقفت دوما ومنذ الثورة الاسلامية ، علي حافة عدم  المساس بالأيديولوجية السائدة ، كما تحكمت فيها نظم المعارضة الداخلية بكلتا البلدين .

فبعد فترة وجيزة من قيام حكومة ثورية موحدة السلطة في ايران عام 1979، تم قطع كل العلاقات مع مصر ، باسثناء المشروعات المشتركة ، مثل شركة مصر ايران للنسيج « ميراتكس في السويس عتاقة ، وهو مشرع أقيم منذ عام 1974.
وقد تخلت حكومة آية الله الخميني عن علاقاتها الدبلوماسية مع مصر لثلاثة أسباب رئيسية هي : معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية لعام 1978 ، علاقة مصر مع الولايات المتحدة تحديدا ،  منح مصر  حق اللجوء للشاه المخلوع رضا بهلوي  ، والذي توفي في يوليو 1980 واقام له الرئيس المصري السابق أنور السادات جنازة رسمية ، حتي وصلت العلاقات بين الجانبين الي منعطف خطير ونقطة انخفاض رهيب  في عام 2009  ، بعد التقارير التي انطلقت حول شبكة سرية لحزب الله في مصر.

ففي ابريل 2009 ، كشفت السلطات المصرية عن اعتقال نحو 50 شخصا ، يشتبه في تخطيطهم لشن هجمات داخل مصر، واتهم كبار المسئولين المصريين علي الفور ايران ، باستخدام وكلاء لحزب الله اللبناني ،  للحصول علي موطئ قدم في مصر ، وزعزعة استقرار نظامها ، بجانب اتهام مصر لايران بتقديم الدعم المالي والعسكري  المتواصل لحركة حماس عبر القاهرة سواء ، لا سيما تهريب الاسلحة عبر انفاق رفح الي قطاع غزة، وكانت هذه التطورات في حينه ، نهاية لعقد من محاولات التقارب المشحونة بالتوتر والقلق بين الجانبين ، وتتويجا لثلاثين عاماً منذ قيام الثورة الاسلامية الايرانية .

اسباب عسكرية

ونما العداء الإيراني لمصر ،  عندما دعمت مصر العراق في عهد صدام حسين خلال الثماني سنوات الايرانية العراقية (1980-88)، حيث  ذهب ما يقرب من ثلثي الصادرات العسكرية المصرية  لدعم العراق خلال هذه  الحرب ، كما قامت ايران بعمل احتفالات هائلة عندما تم اغتيال السادات في حادث المنصة في 6 اكتوبر عام 1981 علي يد خالد الاسلامبولي ، بل واصدرت طوابع بريد عليها صورة الاسلامبولي ، وكرمته بوضع اسمه علي احد اهم الطرق في طهران ، كما وضعت صورته علي جدارية في احد المباني الهامة بطهران ، كبطل للمنظمة الاسلامية العالمية ، وباتت تحيي ذكري اغتيال السادات سنويا في احتفاليات كبيرة لتكريس تأييدها للاسلامبولي .

وبدورها كانت مصر تؤكد خلال هذه السنوات ، ان ايران تؤي الهاربين من أعضاء في المنظمات الاسلامية العنيفة ، هؤلاء الذين ادانتهم المحاكم المصرية في احكام غيابية .
وكما كشفت دراسة لمركز الدراسات الايرانية تفاصيل وتطورات العلاقات المصرية الايراينة ففي أعقاب الحرب بين إيران والعراق ، ووفاة آية الله الخميني (1989) وانهيار الاتحاد السوفيتي (1991) ، بدأ نوع من العلاقات المتقطعة بين الجانبين في عهد الرئيس السابق المخلوع محمد حسني مبارك ، من خلال مشروعات تجارية ثنائية في عام 1990 ، وبدا نوع من التقارب بعد تولي محمد خاتمي رئاسة ايران عام 1997 ، وفي عام 2000 ، وشهدت العلاقات تحسنا ملحوظا مع سلسلة من الإيماءات الودية ، بما في ذلك مكالمة هاتفية بين الرئيس خاتمي ونظيره مبارك  ، وتأسيس جمعية غير حكومية للصداقة بين إيران ومصر وتنظيم اثنين من المعارض التجارية (1999-2001) ، وحدوث جلسة تاريخية بين مبارك وخاتمي في جنيف  ، علي هامش قمة التكنولوجيا للامم المتحدة في ديسمبر 2004.

ومع ذلك ، فان المحاولات الإضافية من قبل الحكومة المؤيدة للاصلاح للرئيس خاتمي لاستعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع القاهرة في مصر ، واجهت هذه المحاولات معارضة قوية من الفصائل المتشددة المحافظة في ايران،  كما ان مصر في مناسبات عديدة عبرت عن استيائها لاهانة ايران للرئيس السادات ، وطالب المسئولون  المصريون ايران في مناسبات دولية اهمها ابان مؤتمر دولي في مايو 2001 ،  طالبوا بالغاء اسم الاسلامبولي من الشارع الايراني .

وبعد أربع سنوات ، وتحت ضغط من وزارة الخارجية الإيرانية ، أصدر مجلس مدينة طهران قرارا نهائيا لإعادة تسمية الشارع باسم “ الانتفاضة “  ، وتم توزيع منشورات ايرانية مؤيدة للاصلاح ، واعلنت ايران عن ترحيبها  بصورة حماسية لزيارة مبارك الرسمية الي طهران في الشهر الذي تلا تغيير اسم الشارع ، غير ان هذه الزيارة لم تتحقق ، ولم تتم ابدا ، فيما ابقت ايران علي اللوحة الجدارية التي تحمل صورة الاسلامبولي علي الطوابق الاربع للبناية الشهيرة ، وواصلت جماعات الضغط من المحافظين الايرانيين ضغوطها علي الحكومة الايرانية ، للابقاء علي تخليد الاسلامبولي ، وهو ما وصفته مصر في حينه بقولها “ ان لاعبي السياسة الخارجية في ايران يواصلون الخداع ، بإظهار جوانب غير حقيقية في وقت يخلدون فيه الاسلامبولي ، ويقدم فيه آية الله الخميني ميدالية باسمه .

وعندما تم  انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد في عام 2005،  تحسست  طهران خطوات لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع القاهرة،  وفي نوفمبر 2005 ، التقي وزير الخارجية الايراني منوشهر متقي مبارك ، وأعرب عن تقدير طهران لمصر ، ورغبتها في الحصول علي دعم مصري  لبرنامج ايران النووي ، وأثناء زيارته لدولة الإمارات العربية المتحدة ، في مايو 2007 أعلن نجاد أنه إذا كانت الحكومة المصرية تعلن استعدادها  لاقامة سفارة ايرانية بالقاهرة، وسفارة مصرية بطهران ، فان ايران ترحب بذلك .

مبارك عميل الصهيونية

الا ان الجماعات الاسلامية الايرانية المتشددة  من المحافظين ، اجهضت علي الفور نوايا التقارب ، واعلنت استخفافها بنظام مبارك ، واعلنت ان مبارك ظل طيلة هذه الاعوام يعمل “ كوكيل للصهيونية ووسيط امريكي

"علي مدي العقود الماضية ، كما شددت علي ان ايران لن تطبع علاقاتها مع مصر  ، إلا إذا توافرت شروط ثلاثة اساسية : ادانة اتفاقية كامب ديفيد ، وإزالة كل آثار الشاه في القاهرة ، ووقف تدخلها في الشئون الداخلية للدول الأخري في المنطقة من اجل خدمة الصهاينة وامريكا .

وعلي الرغم من الانتقادات في وسائل الاعلام الايرانية المحافظة ضد مصر وضد محاولات التطبيع الايراني ، زار المفاوض النووي الايراني السابق علي لاريجاني القاهرة في ديسمبر 2007  ، واجتمع مع المسئولين المصريين ، و في الشهر التالي شارك غلام علي ، رئيس البرلمان الايراني في مؤتمر عقد بمصر برعاية منظمة المؤتمر الاسلامي ، كما سبقت هذه الزيارة ايضا لقاء رسمي بين علي اكبر ناطق نوري، المستشار البارز للمرشد الاعلي علي خامنئي ، وبين مبارك في نهاية يناير 2008 ، وكان المسئولون الايرانيون الكبار لم يزورا القاهرة منذ الثورة الايرانية عام 1979 ، فما بال حدوث 3 زيارات خلال شهرين .

وتلا ذلك مبادرات غير عادية من ايران ، ففي يونيو 2008 ، وقعت ايران اتفاقا لانشاء مكتب مصالح ايرانية في القاهرة، وقدم حينها شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي طلبا لايران ، لفتح فرع للازهر ، لتدريس المذهب السني في " معقل الشيعه" في طهران ، كما اقترح ايضا التعاون الثقافي وتبادل الباحثين من الجامعات الدينية في القاهرة وطهران .

وعندما بدت علاقات إيران مع مصر تسير نحو التحسن ، اثارت ايران حساسيات جديدة في يوليو 2008 ، عندما بثت شبكة التليفزيون الايراني الفيلم الوثائقي “اغتيال فرعون”،  برعاية اللجنة الايرانية ، لتخليد ذكري شهداء الحركة الإسلامية العالمية ، ومجد الفيلم عملية اغتيال الرئيس السادات ووصفته بانه "فرعون "، و بعد فترة وجيزة ، داهمت قوات الأمن المصرية مكتب قناة التليفزيون الايراني في القاهرة، وألغت مصر مباراة ودية مع ايران ، وكانت ستقام في الامارات العربية المتحدة، وحاولت ايران تهدئة اللعبة، وقال مسئول ايراني مبررا الفيلم الوثائقي ، بان ما حدث نوع من حرية التعبير في ايران ، وليس بالضرورة ان تعبر المنظمات الخاصة عن رأي الحكومة في القضايا المختلفة، ولكن هذا التبرير الواهي لم يكن له جدوي او صدي لدي مصر .

وفي سبتمبر 2008 ، رفضت طهران رسميا مطلب طنطاوي لفتح فرع للأزهر بسبب ما شنه الشيخ القرضاوي من هجوم عنيف علي ايران ، واتهمها عبر قناة تليفزيونية في الدوحة بانها تحاول تحقيق “ حلم الامبراطورية “ لاختراق العالم العربي السني ، ونشر المذهب الشيعي الثوري ، وهكذا ضاع طموح الازهر في فتح فرع له في معقل الشيعة ، وعقب تلك المناوشات السياسية ، شهد النزاع بين الجانبين استرخاء نوعيا في اكتوبر 2008 ، بتبادل الحوارات بين القرضاوي وبين علي اكبر ولاياتي مستشار السياسة الخارجية لخامنئي ، ، وشهد مؤتمر الدوحة للصحافة التليفزيونية مصالحة فاترة بين الطرفين ، ولكنها مصالحة لم تدم ، وعادت الخلافات للتفجر بسبب المواجهات التي وقعت في غزة بين حماس واسرائيل اوئل عام 2009 ، فقد اتهمت ايران مصر بمساندة اسرائيل .

1٫5 مليون دولار ثمنا لرأس مبارك

وانطلقت احتجاجات واسعة من الجماعات الايرانية المتشددة لإدانة سياسة مصر تجاه الفلسطينيين ، واذاعت وكالة انباء فارس نبأ عن تقديم ايران مكافئة 1٫5 مليون دولار لمن يقوم باغتيال حسني مبارك ، فيما بادرت الخارجية الايرانية بنفي الخبر علي الفور ، وتبرئة ساحتها من اي مخطط لاغتيال مبارك ، الا ان صدي الخطة جثم علي صدر مصر ونظام مبارك طويلا ، وألقي بظلال قاتمة علي العلاقات ، وانطلقت القصص والتأويلات لتحكي عن مخطط اغتيال مبارك في الاعلام المصري الخاضع للنظام السابق ، وانبري كتاب السلطة في اللعب علي الأوتار للتخويف من تسلل الشيعة لمصر ، وزادت التخويفات في أعقاب الكشف عن خلايا لحزب الله في مصر ، وكانت الاتهامات ضد ايران  ، لتعصف بكل طموحات العلاقات الاستراتيجية الايرانية في مصر .

وفي أعقاب العمليات الأمريكية في افغانستان عام 2001 والقضاء علي نظام صدام حسين في عام 2003 ، بدا واضحا ان ايران تحاول التزاحم لتحقيق نفوذ اقليمي في المنطقة علي حساب النفوذ السعودي الاقليمي في المنطقة ،  والتي تعتبرها ايران  الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في الخليج ، وسعت ايران فعلا الي تحسين العلاقات مع مصر ودول اخري ، من اجل تقوية موقفها التفاوضي في الساحة الدولية حول ملفها النووي مع مجموعة دول الغرب تتقدمهم امريكا ، ورأت طهران في تقاربها مع مصر فرصة لتخفيف عزلتها النسبية في النظام الدولي.

وعندما هبت ثورة مصر في 25 يناير ، ولاحت في الأفق المتغيرات السياسية وازاحة نظام مبارك الموالي لامريكا ، والمتهم بالعمالة للصهيونية من قبل ايران ، عولت حكومة طهران علي هذه  المتغيرات لاعادة التقارب مع مصر ، واستخدامها لتقوية موقفها تجاه الغرب.

وبدا أن الحكومة الإيرانية علي استعداد لتقديم تنازلات علي المدي القصير في سياستها الخارجية تجاه مصر ، للحصول علي المزايا الدبلوماسية الممكنة علي المدي الطويل ، غير ان ايادي الغرب الضاغطة علي مصر ، والتي تراقب بخوف وعن قرب المتغيرات السياسية في عهد الثورة تقف علي النقيض من طهران ، لذا لا يبدو ان القاهرة حريصة بشكل خاص علي استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع ايران في هذه المرحلة ، بل ان ملف الجاسوس الاخير ، كان العصمة لمصر لإظهار جانب التردد واعادة التفكير الف مرة قبل الهرولة لايران ، ان المسالة الآن ليست مصالح مصر فقط مع ايران ، بقدر ما هي عوامل خارجية ستؤثر علي مصر في هذا المرحلة ، لترسم علاقاتها مع ايران او اي من دول الخارج ، وهذا ما ستثبته الايام .