رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شارك:العفو‮ .. ‬مقابل إعادة المليارات المنهوبة‮ ‬


منذ نجاح ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير في الإطاحة بنظام حسني مبارك،‭ ‬وبدأ البحث عن إمكانية إعادة أموال مصر المنهوبة التي هربها بعض رموز النظام البائد إلي الخارج،‭ ‬أو مازالت موجودة داخل مصر في صورة أسهم وسندات وأراض وعقارات‮.‬

وطرح البعض مؤخرا اقتراحا علي المجلس العسكري بأن‮ ‬يتم العفو عن المتهمين بإهدار المال العام وتسهيل الاستيلاء عليه مقابل العفو عنهم،‭ ‬وحجة اصحاب هذا الاقتراح ممكنة في أن هؤلاء لو تم إعدامهم أو سجنهم ولن تعود الاموال الي المصريين او الوطن مرة اخري‮.

ويبدو أن رموز الفساد لا‮ ‬يوجد لديهم مانع في رد ما‮ ‬يقرب من‮ ‬4‮ ‬مليارات جنية وتحملهم الغرامات المقررة عن القضايا المتورطين بها مقابل حفظ التحقيقات،‭ ‬ومؤخرا تلقت النيابة العامة طلبا من‮ ‬ياسين منصور رئيس مجلس إدارة شركة بالم هيلز عرض فيه سداد‮ ‬272‮ ‬مليون جنيه كفروق اسعار عن الأراضي التي تم تخصيصها له،‮ ‬وكذلك منير‮ ‬غبور الذي عرض‮ ‬57‮ ‬مليون جنيه،‮ ‬بالاضافة لرغبة كل من أحمد المغربي وزير الاسكان السابق وزهير جرانة وزير السياحة السابق وأحمد عز امين تنظيم الحزب الوطني السابق المحبوسين علي ذمة قضية إهدار مال عام وتربح واستغلال مناصبهم،‭ ‬كما عرض الاخير دفع مليار جنيه مقابل الافراج عنة جنائيا‮.‬

وعلي إثر ذلك دار جدل حول إمكانية عودة الثروات المنهوبة بالطرق القانونية،‭ ‬وهل هذا ممكن فعلا ام انه مجرد رغبة من البعض في الظهور الإعلامي والبحث عن دور،‮ ‬أم أن الاموال التي انتقلت من حضن الشعب الي جيوب الفاسدين ضاعت الي‮ ‬غير رجعة ؟‮!!‬

اختلف القانونيون والحقوقيون‮ ‬حول طريقة إعادة هذه الأموال لكنها في معظمها اقتصرت علي طريقتين أولاهما ما‮ ‬يسمي بالصفقة القضائية والثانية العدالة الانتقالية،‭ ‬حيث‮ ‬يذهب البعض الي إعفاء المتهمين بالاستيلاء علي أموال الدولة من القضايا المقامة ضدهم مقابل تنازلهم عن الأموال التي نهبوها في السنوات الماضية،‭ ‬وهي طريقة سبق تجربتها في بيرو وجنوب أفريقيا والمغرب وغيرها من الدول،‭ ‬علما بأن هذه الصفقة لا تتفق مع المحاكمات الجنائية‮.‬

بداية‮ ‬يجب ان نفرق بين كون المسألة تتعلق بمحاكمات خاصة بالشق المالي‮ ‬البحت واخري جنائية لاشخاص تورطوا في اغتيال كرامة الشعب وحريته وانتهكوا الدستور وزوروا إرادة المصريين‮.. ‬وترتكز الفكرة علي ان نرتفع فوق مستوي الاحداث وندرك أن مبادئ الثورة ركزت علي معاناة الشعب من‮ ‬غياب الديمقراطية وقانون الطوارئ،‮ ‬وما نتج عنه من مساس لحرية المواطنين‮.. ‬حتي تحقق الثورة اهدافها وأهمها‮: ‬وضع مصر في المكانة التي تستحقها‮ ‬يجب ان‮ ‬يحظي جميع المتهمين بحقهم في توفير ضمانات ان‮ ‬يواجه محاكمة عادلة امام قاضية الطبيعي‮.‬

تبني هذه الفكرة من الناحية القانونية المستشارالسياسي لحزب الوفد بهاء الدين ابو شقة،‭ ‬الذي اكد انه قبل الدفاع عن احمد المغربي وزير الاسكان السابق‮ »‬المتهم بالتعدي علي اراضي الدولة والاستيلاء علي المال العام‮«‬،‮ ‬وذلك لأن قضيته تتعلق بالشق المالي لا الجنائي ولم‮ ‬يتسبب في جرح كرامة المصريين،‮ ‬مثل‮: ‬مبارك واحمد عز‮ »‬المزوران الرئيسيان لإرادة الشعب في انتخابات مجلس الشعب‮ ‬2010‮«‬،‮ ‬وحبيب العادلي وزير الداخلية الاسبق‮ »‬وزير التعذيب وانتهاك حقوق الانسان‮«‬،‭ ‬موضحا ان الامر مع المغربي وبعض الوزراء المتهمين باهدار المال العام‮ ‬يختلف كثيرا ومن الممكن محاكمتهم وفقا للاتجاهات الفلسفية الحديثة في العقاب المأخوذ بها في‮ ‬العالم كله‮. ‬وتسمي‮ »‬الصفقة القضائية‮«.‬

ويوضح ابوشقة وجهة نظره قائلا‮: »‬لو واحد نصب عليا في مليون جنيه وقمنا بإعدامه ما الاستفادة التي‮ ‬يحصل عليها المجتمع‮ ‬من هذا‮ ‬الاجراء؟ ولا بد من فرصة لإعادة المتهم للتصالح مع المجتمع ومع نفسة مقابل اعفائه من العقاب وتنتهي الدعوة بالبراءة في سبيل عودة أموال الشعب‮.‬

وقال ابوشقة‮: »‬لابد ان نتوسع في نظرية الصلح الجنائي والمشرع المصري توسع في المادة‮ ‬18‮ ‬من قانون العقوبات في التصالح وهو‮ ‬غير الصلح لأن التصالح‮ ‬يتم من طرف واحد اما الصلح بين طرفين،‭ ‬مع ضرورة الأخذ في الاعتبار ان الضرر هنا في حالة عقاب المتهم بالسجن او خلافه‮ ‬يقع علي الشعب واموال المودعين في البنوك والاستثمارات ويخلف وراءه جيشا من البطالة التي نحن في‮ ‬غني عنها،‭ ‬بخلاف خسارة كبيرة في الاقتصاد المصري‮.‬

واقترح ابوشقة من خلال رسالة وجهها الي المجلس الاعلي للقوات المسلحة ان تشكل لجانا من شخصيات متخصصة في ادارة الازمات مشهود لها بالنزاهة للتحقيق مع من وجهت اليه تهمة الاستيلاء علي المال العام،‮ ‬ويتم حصر اعدادهم،‮ ‬وفي حالة اثبات نهب هذه المليارات،‭ ‬وطلب المتهم تسديدها في موعد محدد،‮ ‬يتم الافراج عنه،‭ ‬وقال‮: »‬لن‮ ‬يستطيع احد ان‮ ‬يحصل علي مليم منه وهو في محبسه ولن تطالب مصر الدول الاخري بعودة الاموال الا بحكم قضائي نهائي بات وهي مسألة تحتاج الي عدة سنوات‮«.‬

أما العدالة الانتقالية‮.. ‬التي اقترحها بعض الحقوقيون لإعادة ثروات مصر المنهوبة،‮ ‬فتتمثل‮ ‬في التحقيق بالانتهاكات التي تعرض لها الضحايا من المصريين واعتراف المسئولين بمعاناة الشعب من أنظمة قمعية وحكم بوليسي ديكتاتوري،‮ ‬بالاضافة لتكييف المجتمع للعدالة في أعقاب مرحلة التحولات‮.‬

وهناك العديد من الاليات لتحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية،‭ ‬منها الدعاوي الجنائية والتحقيق مع المسئولين خاصة‮ »‬الروؤس الكبيرة‮« ‬لتحملهم الجزء الكبير من الانتهاكات من خلال اصدارهم اوامر لمرؤوسيهم بارتكاب هذه الافعال،‭ ‬فضلا عن قيام لجنة الحقيقة وهي مشابهة للجان تقصي

الحقائق وتتكون من شخصيات رسمية ومستقلة لاجراء التحريات والتحقيقات الميدانية لمعرفة اسباب الارتكاب وطريقتها وادواتها ومنها‮: ‬إصدار تقارير ملزمة لمنع تكرار الانتهاكات في المستقبل،‭ ‬وهذ بحسب هاني مجلي رئيس الاتحاد الدولي للعدالة الانتقالية‮.‬

وتابع‮ »‬أن هذه الادوات ليست جديدة علي المجتمع المصري،‭ ‬لكن الاضافة هي‮ ‬صبغتها بشكل رسمي بحيث‮ ‬يتم تحويل توصيات تقارير هذه اللجان لتتحقق علي أرض الواقع،‮ ‬وتحويل المؤسسات الامنية ذات الاسلوب القمعي الي مؤسسات خدمية،‮ ‬ويتم استخدام هاتين الآليتين عقب انتزاع اعتراف رسمي من النظام بمسئوليته عن ارتكاب الانتهاكات،‭ ‬واشار الي ان المجتمع المصري‮ ‬ينظر الي القلة المرتكبة للانتهاكات ومعاقبتها وفقا لانتقام سياسي‮.‬

واقترح‮ »‬مجلي‮« ‬الدمج بين الخبرات المحلية والدولية التي طبق بها هذا النموذج لتحقيق مبدأ العدالة الانتقالية،‭ ‬ومن اجل اخد ما‮ ‬يرونه مناسبا لواقع المجتمع المصري،‭ ‬وأشار الي رغبة البعض في الانتظار لستة اشهر لحين اختيار حكومة مدنية،‮ ‬للتمكن من الاصلاح وبناء الدولة كمحور اساسي في البداية،‮ ‬إلا أن هناك البعض‮ ‬يريدون ان‮ ‬يشفي‮ ‬غيظهم بمحاكمة رموز الفساد بشكل فوري‮. ‬وضمن تفعيل دور العدالة الانتقالية لابد من فتح باب جديد للمحاسبة بالبحث عن المسئولين ممن اعطوا اوامر الانتهاكات التي تمت في حق المواطنين وعند التوصل الي ادانته‮ ‬يتم عزله من منصبه،‭ ‬وفي ذلك الوقت‮ ‬يظهر صوت الضحايا ليعبر عن ان المحاسبة اهم من التعويض‮ ‬وهو ما اضافه‮ »‬مجلي‮« ‬بشأن‮ ‬المحاكمات الخاصة بالمعتقلين السياسيين وحالات الاختفاء القسري وضحايا فقدوا اعمالهم،‮ ‬مؤكدا ان فكرة العدالة الانتقالية تأتي بثمارها‮.. ‬اسرع كثيرا من اللجوء الي القضاء وحده‮.‬

والقضية الاخطر التي قد لا‮ ‬يستوعبها الكثيرون وهي عودة الاموال المنهوبة من جانب المسئولين المتهمين بسرقة المال العام علي ان تسقط العقوبة عنه مع تقديم الاعتذار للشعب،‭ ‬اكد‮ »‬مجلي‮« ‬ان هذه الفكرة تعود الي أفكار القائم بالامر نفسه في كل دولة،‭ ‬لأنه في حالة تطبيقها علي ارض الواقع سنفاجأ‮ ‬بتورط الكل بداية من رئيس الجمهورية حتي البواب،‮ ‬وهذه الفكرة تحتاج الي مناقشة المجتمع ككل،‭ ‬مع عمل نموذج انتقائي تطبق عليه‮.‬

وأوضح‮ »‬مجلي‮« ‬أن لجان الحقيقة‮ ‬لفكرة العدالة الانتقالية هي ادارية وليست قضائية،‭ ‬إذ تضم عناصر من المجتمع المدني،‭ ‬مشيرا الي ان دور هذه اللجان‮ ‬يتمثل في‮ ‬مساعدة القضاة وتعاون وزارة الداخلية في الامداد ببعض المعلومات‮.‬

كما‮ ‬يري ان هذه اللجان لا بد ان تكون‮ ‬غير حكومية ايضا،‮ ‬يتم من خلالها‮ ‬حساب فوري،‮ ‬لأن التأخير قد‮ ‬يعرض الوثائق الهامة للتلف من إحراق وانتهاكات كما رأينا في العديد من المواقع بوزارة الداخلية ومقرات امن الدولة،‭ ‬وأرجع ذلك الي اهميتها في التعويضات في الوقت القادم لعدد كبير منهم‮.‬

وأيد عبدالله خليل الخبير الحقوقي فكرة العدالة الانتقالية،‭ ‬مشيرا الي انها‮ ‬لاتتنافي مع مكافحة الفساد لقيامها علي التكامل مع‮ ‬القوانين الدولية المستخدمة فيها عدة آليات كالمصارحة والمحاسبة والاصلاح والتعويضات‮.‬

 

 

وهناك مقولات تشير الي ارتباط الفساد بانتهاكات حقوق الانسان وتغذيته علي‮ ‬التمييز الاقتصادي والاجتماعي،‭ ‬وأكبر فئة تتحمل عبئه هم الفقراء،‭ ‬ومن هنا تعلقت اتفاقيات الفساد ومكافحة البغاء والاتجار بالبشر،‮ ‬بأطر الحقوق الانسانية،‮ ‬وهذا بحسب خليل،‮ ‬الذي اكد ان فكرة العدالة الانتقالية تحقق ما لا تحققه المحاكم المصرية لأن الأخيرة تفتقد لبعض المستندات الموثقة منذ فترة كبيرة مثل‮ »‬معتقل سياسي منذ‮ ‬30‮ ‬عاما لا‮ ‬يمتلك الشهادات الطبية التي تثبت تعذيبه واهدار كرامته‮«‬،‭ ‬علي‮ ‬الرغم من ذلك فإن دور العدالة الانتقالية‮ ‬يكمل دور المحاكم وليست بديلا عنها‮.‭ ‬