عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

سقوط دولة المخابرات

بوابة الوفد الإلكترونية

السقوط المدوي لنظام مبارك وأركان حكمه، فور اندلاع ثورة يناير، فضح بصورة لافتة للأنظار، هشاشة الدولة البوليسية. وكشف جوانب كثيرة لما كان يدور في الخفاء، من صراع محموم بين الأجهزة الأمنية بمختلف مسمياتها. فضلاً عن أن الانهيار السريع،

أزاح الستار عن الانحرافات التي أحاطت بتلك الأجهزة بالابتعاد عن المسار الذي حدده القانون لطبيعة نشاطها. فهي راحت توجه كل ما لديها من طاقات وإمكانيات صوب هدف معين، يصب في خدمة شخص الرئيس وأسرته، واستخدام كافة الوسائل غير المشروعة لضمان بقاء واستمرار النظام الحاكم وفي سبيل ذلك أن يحصل كل من هذه الأجهزة علي صلاحيات هائلة، تتجاوز حدود المسئوليات والمهام الموكلة إليها.
كان ذلك أحد الدوافع الرئيسية لتنامي وتيرة الصراع الذي يبدأ وينتهي لغاية واحدة، هي نيل رضا مبارك والتقرب إليه ولذلك لم يكن غريباً، أن تتكشف مشاهد هذه الصراعات أثناء الثورة. فقد بلغت ذروتها بين المخابرات العامة ووزارة الداخلية، وما ظهر علي السطح من خلافات، كاف لأن نرسم ملامح ما كان يدور في الكواليس، من مؤامرات وصراعات أثناء عصر مبارك، الذي كان دون غيره من بقية رؤساء مصر الذين سبقوه يزكي نيران الفتنة بين أركان السلطة ويهتم بمتابعة التقارير الأمنية، إيماناً منه بأن الخلافات ستدفع إلي التنافس.
أثناء الثورة اتهمت المخابرات العامة قيادات أمن الدولة ووزير الداخلية بالفشل في التنبؤ بالأحداث، ورصد ما كان يتم التدبير له من قبل المجموعات الشبابية. فضلاً عن عدم قدرتها في السيطرة علي الأحداث.. فما جري أثناء الثورة كان بمثابة أول ظهور علني للصراع بين أركان النظام. انتهي بالقبض علي حبيب العادلي وزير الداخلية، الذي تعاظمت سلطاته، وتضخم نفوذه. بسبب رضا مبارك وأسرته عنه باعتباره المسئول بصفة شخصية عن ملف تمرير مشروع توريث الحكم لنجل مبارك وهو المشروع الذي كانت ترفضه المخابرات العامة والمؤسسة العسكرية علي حد سواء.. وفي إطار مسلسل الصراع الذي تلاحقت مشاهده عبر سنوات متصلة لم يكن اقتحام مقر مباحث أمن الدولة في مدينة نصر، سوي محاولة لإهانة الداخلية وكسر ما تبقي لها من هيبة بعد تسريب الوثائق والملفات وتصوير الغرف والقاعات التي كان يمثل تخيلها نوعاً من الرعب في النفوس طيلة سنوات حكم مبارك الذي كانت الداخلية، هي العصا الغليظة التي ترهب خصومه ومعارضيه، كانت المشاهد كاشفة أيضاً عن تداخل الاختصاصات بين الأجهزة كنوع من توسيع الصلاحيات، والحصول علي بنود مالية في الميزانيات، والمصروفات السرية، التي لا تخضع لأية مراقبة وتبلور ذلك في محطة من تنفيذ العمليات المرتبطة بالأمن القومي وهي الخاصة بالقبض علي الجاسوس الأمريكي الإسرائيلي، آلن جرابيل، الذي تسلل في أوساط الثوار بميدان التحرير وبعض المناطق الأخري، تحت ستار العمل الإعلامي والصحفي.. أجهزة الداخلية، هي التي ألقت القبض عليه.. لكن المخابرات العامة هي التي أعلنت عن تنفيذ العملية، وكشفت جزءاً من تفاصيلها للرأي العام ووسائل الإعلام باعتبارها المعنية في الأساس بمتابعة ومراقبة شبكات التجسس التي تعمل داخل البلاد وتوجد إدارة متخصصة لهذه المهام والأغراض داخل الجهاز، هذه الإدارة كانت تقوم بالمراقبة ودخلت معها علي نفس الخط مباحث أمن الدولة..
الصراع بين العادلي وجهاز المخابرات العامة لم يكن فقط وليد ثقة أسرة مبارك وإعطائه ملف التوريث ولكنه ممتد منذ سنوات طويلة عندما كان رئيساً لقطاع مباحث أمن الدولة ومسئولا عن ملف خاص جداً، وهو حماية الرئيس من الاغتيالات، الأمر الذي كان دافعاً لغضب قيادات المخابرات وعلي رأسهم عمر سليمان جراء التدخل في أمور خارج اختصاصات أمن الدولة. ومتابعتها جزء من نشاط المخابرات.. لكن الدعم الذي حظي به العادلي من أعلي سلطة في الدولة كان معلوماً لدي الطرف الآخر.
إلي جانب ما جري كشفه مؤخراً، من الوثائق التي خرجت من مقر أمن الدولة وأظهرت كيف كان نظام مبارك، يدلل العادلي، ويرتمي في أحضانه. اشارت المعلومات التي تضمنتها تقارير الداخلية بأن الثقة كان باعثها الرئيسي، هو تمكن العادلي ورجاله بإنقاذ مبارك أكثر من مرة من الاغتيال وأبرزها رصده أثناء عمله في أمن الدولة لتحضير بعض الجماعات الهاربة محاولة بغرض تنفيذها في أديس أبابا وهو الذي أشار إلي ضرورة سفر سيارة مصفحة وحمل أسلحة.. وعندما تحققت المعلومات التي أعدها العادلي في تقريره إذ زادت ثقة مبارك فيه، وهو ما يعني ان الأمر ليس ملف التوريث فقط، ولكن منذ ان كان في جهاز مباحث أمن الدولة.. إلا أن قربه من دائرة الرئيس وأسرته وحاشيته، ساهم بشكل وافر في تنامي نفوذه، واتساع نطاق صلاحياته، ليصبح هو ومعاونوه طرفاً فاعلاً ومؤثراً في معادلة الصراع بين أركان السلطة والحكم. والعمل علي زعزعة الثقة بين الرئيس السابق وعمر سليمان.
وتذهب كل التسريبات المتعلقة بهذا الشأن إلي وجود سابق اتفاق بين وزير الداخلية السابق وجمال مبارك وزكريا عزمي لإحراج عمر سليمان أمام مبارك، وجرت أول محاولة أثناء اكتشاف بعض الملصقات، وضعت علي الحوائط ليلاً، تدعو قطاعات الشعب لتأييد عمر سليمان رئيسا بدلاً من مبارك، الذي كان في واشنطن وقتها وبصحبته رئيس جهاز المخابرات وأصروا علي اخباره، بما حدث فور عودته وأمام سليمان الذي أبدي قدراً من الاندهاش وكانت هذه المحاولة لإحراجه أمام مبارك وتضمن ذلك إيماءات وغمزاً ولمزاً مفاده كيف لرجل المعلومات والمسئول الأول عن أهم جهاز في الدولة لا يعرف ما يدور بشأنه. ومن يصل إلي هذه الدرجة لا يمكن له أن يعرف ما يجري في البلاد وخاصة أن المخابرات تتمتع بقدر من الحصانة المتعارف عليها. لكي تتمكن من الحصول علي ما تريده، فضلاً عن مكانتها لدي الكافة لما تقوم به من أدوار وطنية.
لم تتوقف محاولات رجل أمن الدولة، ووزير الداخلية الأسبق عند ذلك فقط، فقد نقل صراعه مع المخابرات إلي مناطق أخري مفادها التشكيك في قدرة الجهاز والقائمين عليه.. عندما أعلن العادلي قبل الثورة بيومين، عن المتورطين في تفجير كنيسة القديسين. وأفاد في حضور مبارك أن الأفراد الذين نفذوا هذه الجريمة ينتمون إلي تنظيم جيش الإسلام المتمركز في غزة، وهذه المنطقة كما هو معلوم لكافة مستويات الدولة والشعب معاً، أنها نقطة سيطرة لمدير المخابرات وجهازه لارتباطها باستراتيجية الأمن القومي المصري.. وذهب العادلي في مراميه التي لم ينطق بها إلي إضافة مزيد من الإحراج لمدير المخابرات. بما يعني عدم معرفته بوصول فصائل متابعة لهذا التنظيم من قطاع غزة، وساهم ذلك في انحياز مبارك وحاشيته للعادلي علي حساب سليمان. وتجلي هذا بوضوح. أثناء مناقشة التقارير الأمنية حول الاستعدادات لمواجهة المظاهرات وقد تضمنت تقارير المخابرات عدداً من المخاوف جري ابرازها والتأكيد عليها من بينها تداعيات ما جري في تونس والتحذير من تكراره في مصر.
إلا أن رد مبارك الذي أيده جمال وزكريا عزمي، كان بمثابة الإعلان عن سطوة العادلي في مؤسسة الرئاسة فقد رفض تحذيرات المخابرات باعتماده علي قدرة الداخلية في فض المظاهرات وإنهاء أية تطورات قبل حدوثها. وتلخصت هذه الرؤية عند انصياع الرئيس السابق لتعليمات حبيب العادلي الذي نصحه بترك منزله، والإقامة مع أسرته من قصر الرئاسة.. «مقر الحكومة الاتحادية» المطل علي شارع الميرغني في ليلة 28 يناير. وفي أثناء الثورة، سقطت أسطورة العادلي وانتهت باقتحام مقر أمن الدولة، وقبلها سقط مبارك ونظامه ولكن ظلت الأجهزة الأمنية في حالة من الصراع لم تتوقف. ويكمن ذلك في محاولات استعادة الملفات التي فقدت. أمن الدولة تغير اسمه الي الأمن الوطني وجري الحديث عن رغبة العاملين في تقليص دوره والاكتفاء بالحصول علي المعلومات فقط دون التدخل في أمور السياسة وهذا كاف لتجريد الجهاز من سلطاته وسطوته ونفوذه وفي ظل حالة الغضب داخل جهاز الشرطة وعلي الأخص الأمن الوطني تعالت الصيحات الفرحة المملوءة بالسعادة عن انتهاء الدولة البوليسية إلي غير رجعة. إلا أن ذلك لم يستمر طويلاً فقد ظهر علي السطح، ما يفيد توغل أحد أجهزة التحريات والمعلومات التابعة للمؤسسة العسكرية «المخابرات الحربية» حدث هذا أثناء الثورة عندما تسربت الاتهامات عن قيامها برصد الجماعات الثورية والعمل علي إثارة المشكلات لأغراض يرغب فيها المجلس العسكري. وبالرغم من عدم وجود تأكيدات حول هذا التدخل، إلا أن ذلك لم يمنع من دخولها كطرف في معادلة الصراع بين الأجهزة قبل اندلاع الثورة بسبب تجاهل مبارك للتقارير الصادرة من كافة الجهات بعد إسناد تلقيها لنجله جمال.. المرفوض بالأساس من كل أجهزة المخابرات ذات الطبيعة العسكرية والاستراتيجية. وقد كانت هذه التقارير محل اهتمام أثناء وجود مصطفي الفقي في مقر الرئاسة الذي كان يعد ملخصاً بها لقراءته علي مبارك، وبعد خروج الفقي صارت هذه التقارير مجرد عمل روتيني مثل «البوستة العادية» لا تلقي أي اهتمام من دائرة مبارك ونجله.. وهذا يسير بالجميع إلي دائرة من الصراع، ليس لاكتساب ثقة مبارك، وإعطائه صلاحيات بغرض خدمته، وتوفير أمنه الشخصي، ولكن في محاولة للبقاء داخل معادلة صناعة القرار، فالصراع لن يتوقف لاستعادة الملفات التي يظن البعض أنها فقدت من بعض الأجهزة الأمنية، والأيام القادمة ستشهد المزيد، وخاصة بعد اتضاح دور المخابرات الحربية في التحري والضبط وتقديم المتهمين إلي القضاء العسكري.
محمد عبداللطيف

الترحيل الجماعى لمرشحى «حدائق القبة»
سيبقى مشهد تقديم عمر سليمان لأوراق ترشحه لانتخابات الرئاسة، دليلا حياً على دعم جهاز المخابرات لرئيسه السابق، حتى وإن تم استبعاده فى النهاية، فالصورة التى تم تسويق سليمان بها فى هذا المشهد، وحضور قوات الشرطة العسكرية لتأمين دخوله مقر لجنة الانتخابات بحضور اللواء حمدى بدين قائد الشرطة العسكرية، ووجود بعض مساعدى سليمان فى المخابرات العامة بجانبه، دليل على المساندة الرسمية التى كان يلقاها نائب الرئيس السابق، قبل أن تتم التضحية به للتغطية على خروج المرشحين الإسلاميين خيرت الشاطر المدعوم من جماعة الإخوان المسلمين وحازم صلاح أبو أسماعيل مرشح التيار السلفى.
القرار الذى صدر من لجنة الانتخابات الرئاسية مساء السبت الماضى باستبعاد 10 مرشحين، قبل نظر طعونهم على القرار، لم يكن صادما للتيار الإسلامى ومؤيدى عمر سليمان فقط، ولكنه جاء بمثابة ضربة قاصمة للمرشحين الذين ينتمون إلى جهاز المخابرات، والذى تم استبعاد أغلبهم لفقدان شرط من شروط الترشح، فى خطوة اعتبرها المحللون السياسيون طعنة أخيرة فى قلب جهاز المخابرات الذى كان يدير حملة أبرز مرشحيه ورجل مبارك القوى من مقر الجهاز فى حدائق القبة.
مرشحو «المخابرات» كانت لهم الغلبة فى القائمة المبدئية للمرشحين، والتى تم الإعلان عنها عقب غلق باب الترشح، حيث مثل الجهاز ثلاثة مرشحين أبرزهم اللواء عمر سليمان رئيس الجهاز السابق واللواء ممدوح قطب وكيل الجهاز السابق واللواء حسام خير الله ولكن جرى استبعاد اثنين من المرشحين وهم اللواء عمر سليمان بحجة عدم اكتمال توكيلات الترشيح واللواء ممدوح قطب بسبب عدم تمثيل حزب الحضارة الذى ترشح قطب باسمه فى البرلمان، واستقالة نوابه، بينما بقى اللواء حسام خير الله فقط بفرصة محدودة بعد استبعاد سليمان.
حسب تأكيدات الخبراء فإن مرشحى المخابرات دخلوا السباق الرئاسى وهم يملكون أسلحة عديدة تجعلهم فى مقدمة السباق، ومنها امتلاكهم ملفات للعديد من المرشحين تجعلهم يستخدمونها فى مواجهتهم، كما أنهم اعتقدوا أن لديهم القدرة على الحصول على دعم المواطن على اعتبار قدرتهم على تحقيق الأمن الغائب فى الشارع، ولكن جرى إبطال مفعول تلك الأسلحة بفضل التحركات الثورية والهجوم المضاد من جانب أغلب المرشحين عليهم.
من جهتهم استخدم «العسكر» مرشحى المخابرات كسلاح لمواجهة المرشحين الاسلاميين الذين لا يلقون هوى لديه، فالدفع بعمر سليمان أزعج الإخوان والسلفيين، بل وأفقدهم صوابهم ليفتحوا النيران على المجلس العسكرى ويهتفوا بسقوط دولة المخابرات فى مليونية الجمعة الماضية، كما أن ترشح سليمان كاد يحرق مرشح الإخوان، بعد أن بدأ سليمان فى المناورة بما لديه من معلومات عن الجماعة، وتهديده بفتح الصندوق الأسود، وكادت الأمور تزداد تعقيدا وتشابكا الى أن جاء قرار اللجنة باستبعاد الشاطر وأبو إسماعيل ومعهما عمر سليمان، وهو القرار الذى أطفأ النيران المشتعلة تحت تراب الاستبعادات.
ورغم تأكيد سليمان على أن علاقته بالمشير طنطاوى جيدة، وأنه استعان به لتقديم المشورة فى بعض القضايا عقب الثورة، وأنه التقاه فى عدد من اللقاءات المنفردة، ما يوحى بقوة العلاقة بينهما، إلا أن المشير طعن سليمان من الخلف وتلاعب به ليواجه غطرسة الإسلاميين الذين بدأوا فى التراجع عقب استبعاد سليمان فأبدوا مرونة فى الجمعية التأسيسية وبدأ الحديث يدور حول إمكانية تقبل قرار اللجنة باستبعاد الشاطر والاكتفاء بالمرشح الاحتياطى.
سيف الدين عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسة قال إن جهاز المخابرات بدأ لعب دور سياسي بعد ثورة يناير، ما جعله يرشح ثلاثة من المنتمين الى الجهاز فى الانتخابات الرئاسية، وأضاف: لا أحد يعرف كيف ترشحوا ولكن المخابرات اضطرت الى أن تصدر بيانا تقول فيه إنها تقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين وتحدثت فيه عن علاقتها بالسياسية الداخلية حتى تؤكد تغير طبيعة عمل الجهاز.
وأوضح أن مرشحى المخابرات استغلوا فوضى الترشيحات، والشعور بأن المزاج الثورى لا يتقبل رئيسا عسكريا، وكانوا يرون فى أنفسهم الكفاءة والقدرة على إدارة البلاد، فصاروا يتحدثون بقوة مفرطة.
وأكد أن الدفع بعمر سليمان تحديدا كان لمواجهة الإخوان المسلمين، بعد الدفع بخيرت الشاطر وسعى الاخوان الى امتلاك كل أركان السلطة، حينها بدأ التفكير فى شخصية قوية قادرة على الوقوف فى وجه الجماعة وبث الخوف فى قلوبهم، وكانت تلك الشخصية هى عمر سليمان بعدها تم استبعاده مع أبو اسماعيل والشاطر، حتى لا يثور الرأى العام، مشيرا إلى ان اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة لا تتصرف بصفتها لجنة قضائية ولكن بصفتها لجنة سياسية.
مصطفى جمعة - أستاذ العلوم السياسية - يشير إلى أن الدفع بمرشحى المخابرات حسام خير الله وممدوح قطب كان هدفه التعرف على المزاج العام إزاء  وجود مرشحين ينتمون إلى هذا الجهاز، وعندما تقبل الرأى العام وجودهما، جرى التفكير فى الدفع بسليمان ليكون فزاعة أبو إسماعيل ومرشحى التيار الإسلامى،  وجاء الدفع بخيرت الشاطر ليدفع بضرورة تقدم سليمان لمواجهته، حتى جرى الاتفاق على سحب مرشح الجماعة القوى مقابل سحب مرشح الجهاز القوى أيضا وذهب معه اللواء ممدوح قطب لإحداث توازن فى القرار.
وأضاف: المخابرات يمكنها أن تدعم حسام خير الله خاصة أنه يمثل الأمل فى استعادة الجهاز سيطرته خاصة أن نجاح مرشح للتيار الاسلامى يمكن أن يعيد النظر فى وضع الجهاز الحالى خاصة بعد تهديد سليمان بفتح الصندوق الأسود الذى يملكه الجهاز وهو ما يجعل تغيير قيادات الجهاز ضرورة لأى مرشح إسلامى.
فيما يرى أحمد بهاء الدين شعبان - وكيل مؤسسى الحزب المصرى الاشتراكى - إن رجال المخابرات رشحوا أنفسهم بعد تغيير الخريطة السياسية، قائلا: الجيش أصبح لاعبا رئيسيا فى السياسة، بعد أن أبعد عنها لمدة 40 عاما لصالح مؤسسة الرئاسة، وبعد الثورة وانهيار مؤسسة الرئاسة عاد الجيش للظهور، وكان من الطبيعى أن يعود معه جهاز المخابرات إلى العمل السياسي أيضا، ولم يعد هناك مانع فى ترشح رجال المخابرات لرئاسة الجمهورية.
أوضح بهاء الدين أن استبعاد عمر سليمان ومرشحى المخابرات هو قرار سياسي ولا علاقة له بقضية التوكيلات، فقبل أيام من ترشيح الشاطر، كان سليمان يؤكد أنه لن يخوض الانتخابات ولكن بعد إعلان ترشيحه، تغيرت الخريطة وأصبح تواجد مرشح قوى أمامه لزاما عليه فيما يرى، لإحداث توازن وجرى سحبهما معا لعدم إثارة الرأى العام فى صفقة سياسية على طريقة «سيب وانا أسيب» لأن عمر سليمان تحديدا كان خطرا على الاسلاميين، والخلاص منه كان ضرورة لديهم حتى لو كان الثمن الخلاص من الشاطر.
وأشار شعبان إلى أن مصدر قوة عمر سليمان هو جهاز المخابرات الذى ظل تحت إمرته، حيث كان يحمل بيده مفاتيح مهمة فى الحكم لا يمكن الاستغناء عنها بسهولة.
ويؤكد ابراهيم زهران - رئيس حزب التحرير الصوفى - ان مرشحى المخابرات اعتقدوا أن لديهم ملفات تمكنهم من مواجهة مرشحيهم وفضحهم لدى الرأى العام، ولكن عندما شاهدوا الميدان يوم الجمعة الماضى يهتف بسقوط دولة المخابرات جرى سحبهم واستبعادهم من الانتخابات خاصة أنهم أدركوا ان الثورة مستمرة ولم تمت رغم عمليه الإجهاض التى تعرضوا لها.
وأضاف: لجنة الرئاسة جاملت سليمان فهو ذهب إليها بعد غلق باب الترشح رسميا وتحديدا فى الساعة 2.6 دقائق ولكن اللجنة رأت ان هذا من القانون وتجاوزوا عن ذلك ولو كانوا يريدون التجاوز عن التوكيلات لفعلوا، ولكن كان لابد من استبعاده لتهدئة الرأى العام الغاضب من استبعاد الشاطر وأبو اسماعيل، فالمجلس العسكرى دفع بسليمان ومرشحى المخابرات لضرب مرشحى الإخوان وجرى سحبهم فى عملية سياسية خاصة بعدما أدرك «العسكرى» وجهاز المخابرات ان المزاج الثورى لا يمكن ان يحتمل رئيسا منهم، لذا أنصح الفريق أحمد شفيق المدعوم من العسكر واللواء حسام خير الله وكيل المخابرات السابق بالانسحاب.
فيما يرى اللواء سامح سيف اليزل - الخبير الأمنى - أن استبعاد مرشحى المخابرات ليس له أى علاقة بمرشحى الإسلاميين، قائلا: لجنة الانتخابات الرئاسية قالت كلمتها، وهناك خطأ حدث سواء من حملة اللواء عمر سليمان أو من حملة اللواء ممدوح قطب وكلاهما لم يقدم المستندات المطلوبة فالمسألة قانونية بحتة وليس لها أى علاقة بالشأن السياسي.
مشيرا إلى أن جهاز المخابرات لم يتدخل لإقناع أى من قياداتها السابقين بالتقدم للانتخابات الرئاسية ولم يساند أى مرشح ولن يقف بجوار أحد وليس له يد فى خروج الذين استبعدوا من سباق الترشح.
محمد شعبان
الجنرال.. من الدعم السعودى إلى الخروج على الإسلاميين

بدون مقدمات.. عندما تقدم عمر سليمان بأوراق ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية. دارت معارك كلامية، واعتلت السطح لغة التهديد والوعيد، تبلورت جميعها فى فكرة واحدة مفادها عدم السماح بإجهاض الثورة، أو القضاء عليها من قبل رجال مبارك، فضلاً عن المزيد من الانتقادات الحادة التى ذهبت فى اتجاه سطوة دولة المخابرات بحكم أن سليمان كان مديراً لهذا الجهاز الأكثر أهمية وخطورة وتأثيراً على مجريات الأمور فى الدولة على خلفية خطورة عمر سليمان، التى لم يتحدد استمرارها من عدمه وفق ما تسفر عنه قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية التى تلقت طعوناً من المستبعدين. خرجت إلى السطح بعض المشاهد المثيرة، التى تدعو للتوقف أمامها، وتحرض على الفوضى فى أعماقها.. فهى تشير إلى وجود صراع خفى بين جماعة الإخوان والمخابرات العامة، وأن هذا الصراع هو الدافع لترشيح خيرت الشاطر، واللعب بكل الأوراق، بإلقائها على طاولة القمار السياسى، فضلاً عن الدخول فى مغامرة غير محسوبة العواقب أو التداعيات.
أمام زحف المخاوف من خروج الشاطر لأسباب قانونية، قررت الجماعة فى خطوة استباقية، الدفع برئيس حزب الحرية والعدالة محمد مرسى، تحسبًا لعدم قبول تظلم «الشاطر».
هذه المشاهد المتنوعة، تتداخل فيما بينها، وتتشابك خيوطها، مثل لوحة سريالية عصية على الفهم، «تبدو فى ظاهرها»، لكن قراءتها بقدر من الدقة والتروى، تذهب بنا إلى حد اليقين، بأن ما يجرى من أحداث ومشاحنات يتجاوز حدود المناورات، وعقد الصفقات أو محاولات لتحقيق مكاسب باستخدام أوراق الضغط، بل هو نوع من التعلق بقشة خشية الغرق، ورغبة فى الإبقاء على ما تحقق من مكاسب إن لم يكن هناك مزيد، فالجماعة تدرك أن وجود سليمان على قمة السلطة، هو العودة إلى المربع صفر، خاصة أن كليهما يدرك خطورة الطرف الآخر. المخابرات عملها سرى وغامض، ولديها معلومات وأسرار حول العلاقات الخاصة بالجماعة، مع الأنظمة العربية، وخريطة التنظيم فى الداخل والخارج، والإخوان كذلك، تنظيم غامض وغير معلومة خريطته بالنسبة للعامة، ويخشون من كشف الأوراق التى هددوا بها عمر سليمان، الذى بادر بتصريحات أربكت قيادات الجماعة والتى كان مفادها أن شباب الإخوان وراء إحراق أقسام الشرطة، والمرافق العامة، ليلة 28 يناير، وقوبلت هذه التصريحات بردود أفعال عنيفة من قيادات إخوانية بارزة ضد عمر سليمان. وسعت لإيجاد مبررات قانونية تمنعه من الترشح. فى مقدمتها الإسراع فى إجراء تعديلات على قانون مباشرة الحقوق السياسية وممارسة الضغط السياسى من خلال البيانات والمظاهرات الحاشدة فى ميدان التحرير.. إلى جانب الإعلان عن مصالحات مع القوى الثورية، لتوحيد الصفوف ضد ترشح أبرز رجال الحكم السابقين لما لديه من ملفات أو معرفة بها بحكم موقعه.
ما إن أعلن «سليمان» عن توجهاته حتى سارعت آلة صناعة الخبر فى تداول معلومات عن ضلوع سليمان فى ملفات ظلت غامضة من بينها تسليم مطلوبين للمخابرات الأمريكية، وكثير من الحكايات التى لم يصدر أى بيان رسمى بنفيها أو إقرارها، لكن ذلك كله أفاد بوجود صراعات قديمة بين الإخوان والأجهزة الأمنية مثل مباحث أمن الدولة، إلا أن ما يخص المخابرات له نصيب كبير من المسلسل الذى بدأت حلقاته تتكشف.
ترشيح سليمان أيضاً، ساهم فى تنامى الحديث عن مصدر الشائعات التى كانت تصدر أثناء الثورة، والتى كانت ترمى إلى تورط جهاز أمن الدولة فى فتح السجون وحرق أقسام الشرطة لإبعاد الشبهات عن الآخرين، وهى ذات الأحاديث التى لم تتوقف عمّا جرى من أساليب بلطجة، وقصص القناصة وهويتهم لاتهامات متبادلة. ووصلت إلى حد اتهام عمر سليمان والمخابرات بأنهم «الطرف الثالث» فيما جرى من وقائع وأحداث.
وربما كان ذلك دافعًا لمخاوف الإخوان من وصول عمر سليمان للسلطة، فهذا يعنى فتح جميع الملفات الغامضة، وكشف حقيقة ما جرى فى مصر قبل وأثناء وبعد الثورة.. لكن قراءة ورصد ما يدور من معلومات مصحوبة بقدر وافر من التكهنات، يذهب بوضوح إلى وجود سيناريو جرى إعداده بدقة ومهارة، دفعت نتائجه لترشيح سليمان، وذلك خشية تنامى سطوة الإخوان، وتمكنهم من احتكار السلطة. وتضمن السيناريو مشاهد تدفع البلاد للوصول إلى حافة الهاوية، والذين أعدوه، يدركون جيداً مرامى الجماعة ومطامحها. والوصول إلى النقطة الحرجة، ليس بهدف التغيير الجذرى فى منظومة الدولة، وعناصر السلطة، ولكن بهدف إعادة صياغة الأفكار والتوجهات لجذب الأغلبية الصامتة، التى يُطلق عليها حزب «الكنبة» عن طريق إتاحة الفرصة للتيارات الدينية بل للعب فى الملعب السياسي، الذى يؤدى إلى النفور منها، والبحث عن بدائل، وهو ما تحقق بالفعل.
الحديث عن عمر سليمان، لم يتوقف عند تلك الحدود، لكنه امتد إلى مساحات أخرى، فهو يتحدث عن دولة جديدة وفى ذات الوقت هو أحد أركان نظام مبارك الذى ثار عليه الشعب وأسقطه، ويفتح هذا التناقض الباب لإثارة الجدل، وطرح التساؤلات: هل كان عمر سليمان الذى ينتمى الى المؤسسة العسكرية يؤدى دوره من منطلق مهنى احترافى أم عقائدي؟ لا ينكر أحد أنه كان الضامن الحقيقى لاستمرار مبارك فى حكم مصر، لما قام به من مهام استراتيجية، وهذا لا يعنى أيضاً أنه كان على قناعة بالنظام وشخصية مبارك وقدراته.. خاصة إذا ما علمنا أن الثقافة العسكرية ترسخ للولاء، وتنفيذ المهام حتى ولو كانت بدون قناة أو رغبة شخصية.
السيناريو تضمنت مشاهده أيضاً ما يذهب الى البراعة فبعد إطلاق الإخوان والتيارات الدينية إلى السيطرة على البرلمان وتصدر المشهد السياسى خرج إلى العلن ما كان يتم التكتم والتستر عليه سنوات طويلة.. فالتسريبات حملت أن جهات أمنية استطاعت خلال تنامى نفوذ الاخوان على الساحة، بعض العناصر غير المعلومة عليها، والتى تنتمى إلى الميليشيات المسلحة «الأجندة العسكرية».. فأثناء استعراض القوة على غرار ما جرى فى الأزهر.. القضية الشهيرة التى حوكم فيها خيرت الشاطر.. خرجت من تحت الأرض، العناصر التى توجهت لصناعة دروع بشرية لحماية مبنى مجلس الشعب فى استعراض لافت للنظر. أما الاستعراض الأول فكان أثناء الاحتفال بعيد الثورة.
هذه الأمور وغيرها كانت باعثة للقلق لدى الجماعة وعناصرها. فضلاً عن أن السيناريو الذى بدأت تتكشف مشاهده، وصارت نهاياته معلومة. تضمن استخدام الأوراق جميعها فى اللعبة. بداية من استخدام حق التقاضي، الذى ربما يذهب بالبرلمان دستورياً، وعدم التمكن من الوصول إلى كرسى الرئاسة. لأن الجماعة قبل غيرها، تعلم أن قطاعات عريضة من التيار السلفى ستنحاز لتوجهات الحكومة، والأنظمة التى تنسق هذه التيارات المعروفة بميولها للسعودية، وهو ما

يعنى أن أصوات هذه الكتلة الهائلة، ستخرج بعيداً عن المرشحين الذين يحملون الشعارات الدينية فى الانتخابات. وقراءة المشهد تذهب أيضاً إلى وجود دور إقليمى فاعل فى انتخابات الرئاسة. ومن بينها السعودية التى أجادت التعامل مع نظام مبارك، وهو ما يتيح لها دعماً لوجستياً لأى من أركان النظام السابق.. مفاد هذا التشابك أن مساعى جماعة الإخوان لإبعاد عمر سليمان من السباق للفوز بأصوات الكتلة السلفية، المعروف طاعتها للحاكم وعدم الخروج عليه والمعروف صلتها بالدعوة السلفية الوهابية فى الجزيرة العربية.
محمد عبداللطيف
من صلاح نصر إلى عمر سليمان
السقوط الثانى لجهاز المخابرات

بين صلاح نصر رئيس المخابرات الأسبق وعمر سليمان فارق كبير يصل إلى حد التضاد، ولكن كل منهما وصل بجهاز المخابرات إلى نهاية واحدة، وهى السقوط.
لم يعرف الجهاز رؤساء بقوة سليمان ونصر، فرغم تعاقب ما يقرب من 17 رئيساً عليه منذ نشأته عام 1954، حيث كان الاثنان علامة فارقة فى تاريخه، فبقدر ما أضافا إليه وقاما بتطوير أدائه، إلا أنهما أحدثا انتكاسة بعد خروجهما منه، وكانت نهايتهما فى الجهاز غير معبرة عن البدايات الجادة لهما.
صلاح نصر هو صاحب الفضل فى تطوير الجهاز الذى لم يكن سوى جهاز خاص بالجيش، وكانت المخابرات جزءاً منه، ولم يتمكن أول رئيس له وهو زكريا محى الدين، ومن تولى بعده وهو على صبري من تطوير أداء الجهاز، فأسند عبد الناصر المهمة إلى نصر الذى أعاد بناء الجهاز، وأرسل عناصر من كبار الشخصيات داخل الجهاز لتلقى الخبرات فى الخارج، وقام بإنشاء شركة للنقل برأسمال قدره 300 الف جنيه، تحول أرباحها إلى الجهاز قام عبد الناصر بزيادتها إلى 100 ألف جنيه ولمدة 10 سنوات، حقق الجهاز نجاحات كبيرة على أيدى نصر إلا انه دفع ثمناً غالياً وتمت التضحية به عقب النكسة والأزمة التى نشبت بين عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر، وانتهى به الحال إلى محاكمته فى قضية انحراف المخابرات، وحكم عليه بالحبس 15 عاماً وغرامة 2500 جنيه، وكانت تلك الواقعة بمثابة السقوط الأول لجهاز المخابرات.
السقوط الثانى جاء على يد عمر سليمان، الذى تولى عمله فى الجهاز عام 1993 واستمر لمدة 18 عاماً، وحقق نجاحات كبيرة فى الجهاز وقام بتطوير أدائه، ولكن مبارك استعان بسليمان فى منصب نائب الرئيس وترك رئاسة المخابرات، وبعدها بـ 14 يوما فقط هتف الشعب ضد مبارك وسليمان معا.. ليتنحى مبارك ويخرج سليمان معلنا السقوط الثانى للجهاز، خاصة أنه حاول إنقاذ الخسائر التى تسبب فيها وأعلن عن ترشيح نفسه ودعمه مسئولو المخابرات، إلى أن جاء استبعاده ليمثل ضربة أخرى للجهاز بعد أن ضحى به المجلس العسكرى للتغطية على خروج حازم صلاح  أبو اسماعيل مرشح السلفيين الأوفر حظا بين المرشحين الإسلاميين.
وضع سليمان ونصر فى النظام عكس تطور عمل جهاز المخابرات واحتلاله المكانة الأبرز فى هرم السلطة ، فنصر كان الرجل الثالث فى النظام بعد جمال عبد الناصر الذى يمثل قمة السلطة، وعبد الحكيم عامر ممثل الجيش، لكن سليمان أصبح الرجل الثانى فى النظام بعد مبارك، حتى قبل تعيينه نائبا للرئيس، وهو ما يعكس تضخم وزن المخابرات العامة وتفوقها على أجهزة أخرى بما فيها الأجهزة الأمنية للمؤسسة العسكرية، لدى نظام مبارك الذى منح صلاحيات هائلة لشخص عمر سليمان.
الفارق الكبير بين صلاح نصر وعمر سليمان هو أن الأول كان قادرا على معارضة عبد الناصر، ومساندة نائبه عبد الحكيم عامر، حيث قدم استقالته ثلاث مرات أولاها بعد استقالة عامر عام 1962، وانحاز إليه وأقنعه بالعودة، ما أغضب عبد الناصر بشدة، كما قدم استقالته مرة ثانية بسبب قضية الإخوان المسلمين، حينما شعر أن عبد الناصر يريد أن يوكل للجهاز تصفية الإخوان وغسل يديه من ذلك، أما الاستقالة الثالثة فكانت قبل إقالته بأسابيع، حينما أصيب بجلطة وتم علاجه منها ورفض أن يتولى بعدها منصب وزير الحربية. 
أما عمر سليمان فكان رئيس المخابرات المطيع، لم يجرؤ على رفض أوامر مبارك، ولم يعارضه فى أى قرار، بل إنه نفذ كل الأوامر التى صدرت إليه حتى ومركب السلطة تغرق بعد اندلاع ثورة يناير، فلم يتردد سليمان فى مساندة  مبارك، وهو يصارع للبقاء فى اللحظات الأخيرة، واختار التضحية بنفسه من أجل إنقاذ مبارك.
نتيجة ولاء سليمان لمبارك أنه أسند إليه بعض الملفات المهمة فى الخارج، فكان ملف القضية الفلسطينية والسودان، انضم إليها بعض الملفات الداخلية فى قبضة سليمان، ما منحه قوة دولية ومحلية لم يحصل عليها أى رئيس مخابرات سابق، وكان مبارك يقدر ولاء سليمان، فاحتفظ له بإدارة غير محدودة الصلاحية للجهاز الأقوى فى نظامه، بعد أن رفعت لافتات فى الشوارع تطالب بترشحه لانتخابات رئاسة الجمهورية تحت شعار «لا جمال ولا إخوان عايزين عمر سليمان».. وهى اللافتات التى سربها خصوم سليمان فى قصر الرئاسة ودائرة المقربين من جمال مبارك، للإطاحة بالرجل، لكن مبارك لم يفعل ذلك وأبقى على منح سليمان ملفات حساسة.
وذلك بعكس صلاح نصر الذى لم يسند إليه جمال عبد الناصر أى قضايا سياسية فى الشأن الخارجى باستثناء ملف الوحدة مع سوريا، لأنه كان يدرك أن ولاء نصر لعبد الحكيم عامر، كما أن انشغال نصر ببناء جهاز المخابرات وتطويره وهو ما لم يتح له التدخل فى أى ملفات خارجية.
القاسم المشترك بين مخابرات صلاح نصر ومخابرات عمر سليمان، أن كليهما استخدم التعذيب منهجا فى عمله، نصر كان متهما بالتعذيب وأدين فى القضية رقم  3842/180 عام 1975 بالسجن 10 سنوات لتعذيبه الكاتب الصحفى مصطفى أمين، كما اتهم بتعذيب عدد من الشخصيات فى المعارضة، وهى نفس التهم التى وجهها كتاب «الطائرة الشبح» للرجل، حتى أن النائب عصام سلطان تقدم ببلاغ الى النائب العام حمل رقم 1223 منذ أيام، يطالب فيه بمنع نائب الرئيس السابق من السفر لتورطه فى جريمة تعذيب وإخفاء المعارض الليبى منصور الكخيا وإجراء عمليات تعذيب ممنهجة ضد مواطنين مصريين وأجانب بالوكالة لحساب الولايات المتحدة. 
جرى إخراج صلاح نصر من جهاز المخابرات لينجو نظام عبد الناصر بنفسه من السقوط، فعقب الأزمة التى نشبت بين ناصر وعامر، وتحديد إقامة الأخير، سارع الرئيس لإلحاق مدير المخابرات بصديقه وحليفه، بتقديمه لمحاكمة فى قضية التنظيم السرى، وحكم عليه بالحبس 25 عاما فضلا عن محاكمته فى جريمة انحراف جهاز المخابرات، وهى التهمة التى أدين فيها بالحبس 15 عاما اخرى، حتى أصدر الرئيس السادات قرارا بالإفراج عنه فى 22 اكتوبر 1974 ضمن قائمة أخرى بمناسبة عيد النصر.
بعد نكسة 1967، ولتهدئة الرأى العام الغاضب من الهزيمة، أمر جمال عبد الناصر بتشكيل لجنة تحقيق خاصة فى أعمال المخابرات العامة، حيث بدأ التحقيق فى أغسطس 1967، كان عنوان التحقيقات «انحراف جهاز المخابرات»، وكانت التهم الموجهة إلى نصر هى سوء استخدام النساء فى عمليات قذرة وتبديد أموال الجهاز السرية، وجرى استدعاء عدد كبير من الفنانات المتعاونات مع الجهاز وتم التحقيق مع 15 ضابطاً من داخل الجهاز.
وأسفرت التحقيقات التى أقيمت بإشراف محمد نسيم «قلب الأسد» عن إدانة صلاح نصر وحسين عليش نائب الجهاز وثلاثة من ضباط الجهاز، وكانت هذه القضية بمثابة السقوط الأول للجهاز، فللمرة الأولى يتناول الرأى العام اسم  المخابرات العامة مقرونا باتهامات الانحراف لقمة المسئولية فيه، فى ظل حملة ترويج لانشغال الجهاز عن مهامه وتأمين الوطن بقضايا أخرى شخصية فى أغلبها.
فى المقابل، وعندما شعر مبارك أن نظامه يعيش فى النفس الأخير، قرر الاستعانة بعمر سليمان لإنقاذه، وقرر تصعيده لمنصب نائب الرئيس، ذلك المنصب الذى أبى مبارك طويلا أن يشغله بأحد متعللا بعدم وجود من يصلح له، وهو القرار الذى أشعل غضب الثوار فهتفوا بسقوط سليمان ومبارك معا، وما إن أشهر مبارك الكارت الأخير بنقل صلاحياته إلى سليمان، حتى  رفع الثوار الأحذية فى وجه مبارك وسليمان رافضين قرار التفويض.
رمز السقوط الثانى، راح يستجدى العودة للحياة السياسية، وترشيح نفسه للانتخابات، ما أثار حفيظة القوى السياسية، التى تجمعت على قلب رجل واحد ضد نائب «المخلوع» الجمعة الماضية وهتفوا بسقوط دولة المخابرات، حيث أثبت سليمان الذى ينتمى إلى هذا الجهاز أنه ينتمى إلى مبارك، ولم تفلح محاولات مراد موافى رئيس الجهاز الحالى فى ترميم الجهاز، وإصلاح الصورة الذهنية له، وخلال عدة لقاءات معلنة له مع شباب الثورة، أكد أن المخابرات جهاز وطنى يساند قضايا الشعب، فى حين راح يؤكد عبر بيانات عديدة عدم مسئولية الجهاز عن قضايا سياسية، وأنه يقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين.
ولكن نهاية عمر سليمان لا تزال مفتوحة، ولم تحدد لها ملامح فهى مرتبطة بوضعية الرئيس القادم، فمن الممكن أن يحاكم سليمان إذا جاء رئيس إسلامى مثل العوا، من الذين أعلنوا أنهم سيحاكمون سليمان لو وصل إلى كرسى الرئاسة، كما أن عددا من الاستجوابات التى تطالب بمحاكمة سليمان، بعد اتهامه بتزوير ما يقرب من 20 ألف توكيل من التوكيلات المقدمة إلى لجنة الانتخابات الرئاسية،  كأحد شروط الترشيح كما أن حديث سليمان الذى تكرر فى الفترة الأخيرة عن الصندوق الأسود، الذى يملكه من الممكن أن يمنحه حصانة مستقبلية، ويضمن له خروجاً آمناً دون محاكمة، ليختفى مرة أخرى عن الحياة العامة، فما زالت كل الخيارات مفتوحة فى نهاية عمر سليمان.
المفارقة الأغرب أن السقوط الأول لجهاز المخابرات على يد صلاح نصر أنقذ نظام عبد الناصر ورسخ وجوده فى السلطة وأطاح بهيمنة رأس المؤسسة العسكرية لصالح مؤسسة الرئاسة، فى حين أن السقوط الثانى للجهاز على يد عمر سليمان أعقبه سقوط النظام والرئيس، بينما نجا قادة المؤسسة العسكرية وحدهم من السقوط بعد أن أسقط الشعب الرئيس وجهازه الأمنى الأقوى.
محمد شعبان
نهاية السباق بين: اللواء .. والفريق .. والمشير

الصراع بين أركان النظام لم يتوقف عن حدود ما كان يجري من مؤامرات في كواليس الأجهزة الأمنية ومحاولات كل منها في السيطرة علي الملفات الحساسة، وتوسيع دائرة الصلاحيات، لكنه امتد بدوره بفعل بقاء النظام لمدة ثلاثين عاما، الي الشخصيات المؤثرة والفاعلة في صناعة القرار السياسي، وكشفت أحداث الثورة عن وجود تلك الصراعات لإظهار مواطن القوة.. ففي الوقت الذي كان فيه التخبط يسود أروقة قصور الرئاسة والارتباك يسيطر علي مبارك وأسرته والمقربين منه. كان الثلاثة الكبار وحدهم دون غيرهم يديرون خيوط اللعبة باعتبارهم علي رأس مؤسسات مهمة.. الجيش والمخابرات والحكومة.. وهم المشير محمد حسين طنطاوي الذي يقف علي قمة صناعة القرار في المؤسسة العسكرية ويمسك أيضا في يديه بحكم موقعه والظروف المحيطة تحديد مصير البلاد ومستقبل النظام الحاكم، وكذلك اللواء عمر سليمان الذي تولي منصب نائب الرئيس في اللحظات الحرجة والفارقة، قبل أن يترك مكتبه في المخابرات العامة. ولديه ما لديه من المعلومات التي تسهم في اتخاذ القرار المناسب والملائم.
ولم يكن بعيدا عن دائرة التأثير الفريق أحمد شفيق الذي تولي رئاسة الحكومة بعد إقالة حكومة أحمد نظيف.
المثير في الأمر أن الثلاثة كانوا من المقربين بصفة شخصية لمبارك. وازداد تقربهم في اللحظات الأخيرة، لأن مصيره ومستقبل البلاد لم يعد بيديه.. فضلا عن أهمية المؤسسات التي يديرونها إلا أن أيا منهم، لم يكن له قبول لدي أسرة مبارك، وكبار معاونيه في الرئاسة لأنهم يرفضون منذ البداية مشروع التوريث.
كما أن الثلاثة في ذات الوقت لا تربطهم أي علاقات حميمة رغم أنهم ينتمون جميعا للمؤسسة العسكرية، أما السبب في ذلك كشفت عنه الأسرار والمعلومات التي تسربت، وجري تداولها عقب انهيار النظام وسقوط الدولة البوليسية، وهو أن مبارك كان يهوي النميمة ولديه شغف في إشعال المؤامرات والصراعات لصناعة الفرقة بين قيادات الدولة، والرجال الأقوياء فيها لأنه يعلم أن الجهات الأكثر مسئولية لم يكن لديها قناعة بما كان يفعله جمال مبارك وشلته بالبلاد، وهذه هي الأسباب التي أدت فيما بعد الي انحياز القوات المسلحة للرأي العام وساهم هذا الانحياز في نجاح الثورة.. أساليب مؤامرة مبارك تبلورت في تنامي الكراهية بين المشير طنطاوي وعمر سليمان لأنه يدرك بحكم رئاسته للدولة قوة وحجم تأثير كل منهما في المؤسسات الفاعلة «الجيش والمخابرات» وذلك بهدف ضمان وجوده كمرجعية للجميع في توزيع الأدوار والمهام.
تجسد الصراع بين المشير وجنرال المخابرات أثناء الأيام الأولي من الثورة فالمعلومات المرتبطة بما يجري في الكواليس أفادت تدبير محاولة لاغتيال طنطاوي عندما أجري مبارك اتصالا هاتفيا به يدعوه للحضور الي مقر الرئاسة لحلف اليمين الدستورية نائبا له، إلا أن المشير رفض ولم يرد علي الهاتف الذي تكرر رنينه أكثر من مرة.
وفي ذات الوقت تمت العملية نفسها مع عمر سليمان الذي ذهب وأدي اليمين علي غير رغبة الحاشية والأسرة.. وتعرض لمحاولة الاغتيال بعد خروجه وهي التي فشلت وبذلك جري تفسير الأمر بأن قبول سليمان للمنصب في الظروف التي تمر بها البلاد نوع من إنقاذ نظام مبارك الأمر الذي يرفضه المشير وقادة القوات المسلحة التي رأت وجود ضرورة لرحيل النظام والإبقاء علي حالة الاستقرار في البلاد وأثناء إلقاء خطاب التنحي والإعلان عن رحيل مبارك، ازدادت الفجوة بين سليمان والمجلس العسكري وطنطاوي.. والمعلومات التي خرجت حول هذا الشأن تناولت العديد من الأمور التي تدعو للتوقف أمامها كثيرا فعاد ما خرج الي السطح أن اتفاقا جري علي تهدئة الشارع برحيل مبارك علي أن يتولي إدارة شئون الدولة مجلس رئاسي مكون من المشير طنطاوي واللواء سلميان والفريق أحمد شفيق الذي تولي رئاسة الحكومة، إلا أن تسارع وتيرة الأحداث، وتحمّل المجلس إدارة شئون الدولة كان وراء توقف هذا الطرح، وجري إغلاق مقرات الرئاسة وتم الاتصال بسليمان لإخباره بذلك وهو ما كشف عن وجود صراع حقيقي بينهما له جذور ممتدة ولعب فيها مبارك دورا مهما.
لم تكن هذه المشاهد سوي قدر قليل من مسلسل استمر بعد الثورة عندما جري الإعلان عن ترشيح أو المطالبة بترشيح المشير رئيسا، أثناء الوقفات التي كان يتم حشدها في ميدان العباسية لمناصرة المجلس العسكري ضد الهجوم والدعاوي الرامية لتسليمه السلطة وصرح طنطاوي بأنه غير راغب في الحكم ولا علاقة له بما يجري تداوله أو ما تدعو اليه الحملات المنظمة المنادية باسمه، وعلي خلفية ذلك برز علي السطح سليمان عبر حملة وعدد من النشطاء طالبوا بترشيحه لرئاسة الجمهورية.. في إحدي الوقفات تم تمزيق اللافتات التي يروج لها مؤيدو ترشيح المشير واتهمت فيها عناصر من التي تؤيد عمر سليمان.. فيما وصف بأن الصراع بينهما انتقل الي الشارع، وأن الانشقاق بين رجال المشير ورجال سليمان.. ربما يصل الي أبعاد أخري تمثل قدرا من الخطورة وهو ما ذهب الي التكهن بأن بعضا من رجال المخابرات والعناصر المقربة منها هي التي تدير فصول الأزمات في ميدان التحرير والعباسية والقفز علي مظاهرات تأييد المجلس العسكري، لكن الأحداث المشتعلة بسبب تنامي قوة جماعة الإخوان والدعاوي التي تنطلق ضد المجلس العسكري بالضغط عليه بغرض الاستجابة لمطالبهم كانت تذكي الأقوال التي ترددت عن وجود تنسيق وأن الصراع العلني جزء من السيناريو المتفق عليه، فجري ترويج أن العسكري استعان بمدير المخابرات السابق لحرق الإخوان وإرباكهم وإجبارهم علي التراجع في الخطوات التي تهدف الي احتكار كل شيء.، ولم يكن أحمد شفيق بعيدا أيضا عن هذا فهو ثاني الثلاثة الذين أغلق أمامهم مقر رئاسة الجمهورية بعد الحديث عن الاتفاق الخاص بتشكيل مجلس رئاسي ورغم أنه طرف رئيسي في الصراع الفوقي إلا أنه يعتبر بمثابة الأقرب الي دائرة القرار في المجلس العسكري والمشير ويلتقي معهم بخلاف انتمائه للمؤسسة العسكرية، وأنه كان رافضا لفكرة التوريث مثلهم، باعتباره رجلا عسكريا.. وربما يكون قراره بالاستمرار، ونفيه الاقبال علي التراجع عن الترشح لمنصب الرئيس داعما لتوجيهات المجلس خاصة في ظل تنامي القصص حول استبعاد سليمان من الترشح بأن هذا يعود لأسباب سياسية، خشية ارتفاع حدة الهجوم علي العسكري بتكرار المظاهرات الضاغطة عليه.
محمد عبداللطيف