رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الثورة المصرية على طريق "الرومانية"

الكتاتنى
الكتاتنى

ما أشبه اليوم بالبارحة، وما أشبه مصر برومانيا، ثورتان قامتا هناك وهنا، آلاف الضحايا راحوا من أجل الحرية والعيش الكريم، والنتيجة واحدة، دفع المواطنون الثمن ولم يحصلوا على الحرية.

فى رومانيا استولت جبهة الخلاص الوطنى على الحكم، وتعقدت الأمور أكثر وأكثر، وفى مصر استولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة على الحكم بحجة حماية الثورة، وساءت الأمور أكثر، فطوال الـ13 شهراً الماضية من عمر الثورة، ومصر تعيش فى أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية شديدة، وهو ما دفع الكثيرين إلى القول بأن نهاية الثورة المصرية ستكون مثل نهاية ثورة رومانيا، والتى قضى عليها باختيار ديكتاتور آخر خلفاً لتشاوشيسكو ليحكم البلاد، بينما فى مصر استبدلنا الحزب الوطنى بجماعة الإخوان المسلمين التى سيطرت على البرلمان بغرفتيه، وتريد تشكيل الحكومة والسيطرة على منصب رئيس الجمهورية، بينما المجلس العسكرى يبحث لنفسه عن الخروج الآمن فقط، وبذلك أصبحت الثورة المصرية فى مهب الريح ولا عزاء للشهداء.
منذ حوالى 23 عاماً وتحديداً فى 16 ديسمبر 1989 قامت ثورة شعبية فى جمهورية رومانيا بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة والإدارة الغبية لموارد البلاد التى استثمرت مواردها فى مشروعات فاشلة لم تفد الرومانيين فى شىء، بالإضافة للسيطرة الأمنية على البلاد، والحكم الشمولى للحزب الاشتراكى الرومانى الذى كان يماثل الحزب الوطنى، وعلى نفس وتيرة الثورة المصرية خرجت المظاهرات فى الشوارع تطالب بسقوط النظام، وهو ما حدث بالفعل بعد ستة أيام فقط حينما حاول تشاوشيسكو الهرب وزوجته «ايلينا» فتم القبض عليهما وتم تنفيذ حكم الإعدام فيهما بعد محاكمتهما، ورغم تخلص الثورة الرومانية من رأس النظام مثلما حدث فى الثورة المصرية، إلا أن الأحداث التى تلت هذا جاءت بنهاية الثورة، فقد سيطرت جبهة الإنقاذ الوطنى التى تشكلت من قيادات الصف الثانى بالحزب الشيوعى الحاكم، وبمساعدة جنرالات الجيش على مقاليد الأمور، وهذا هو وجه الخلاف الوحيد بين الثورتين المصرية والرومانية فجبهة الإنقاذ بقيادة أيون إيليسكو كانت تابعة مباشرة للحزب الشيوعى الحاكم، أما فى مصر فقد جاء جنرالات الجيش بجماعة الإخوان المسلمين التى كانت محظورة طوال 81 عاماً، وتم منحها شرعية تكوين حزب سياسى وباسم الدين نجح هؤلاء فى تمرير التعديلات الدستورية الكارثية فى 19 مارس عن العام الماضى، وباسمه أيضاً نجحوا فى الوصول للبرلمان، وحصلوا على الأغلبية، وبدأوا فى السعى لتشكيل الحكومة، بل الوصول إلى منصب رئيس الجمهورية، وكأن الثورة قامت لتحل جماعة الإخوان المسلمين محل الحزب الوطنى المنحل!!
جدير بالذكر أن أوجه التشابه بين الثورتين كانت أكثر بكثير من هذا الخلاف، فمثلما اجتاحت مصر موجات متعاظمة بسبب أداء المجلس العسكرى وحلفائه السيئ لأمور البلاد، شهدت رومانيا اعتراضات شديدة بسبب سيطرة الحزب الشيوعى على مقاليد الحكم مرة أخرى، وخرج الطلبة فى مظاهرات، مما جعل الجبهة الحاكمة تسخر وسائل الإعلام لتشويه صورة الثورة والثوار، وإيجاد أزمات متوالية فى السلع الأساسية والوقود لإيجاد رأى عام مضاد للثورة، وهو النهج نفسه الذى انتهجه النظام الجديد فى مصر، كما تم تشويه صورة أحزاب المعارضة الحقيقية، وفى يناير عام 1990 قام عمال المناجم بمساعدة رجال الشرطة بالهجوم على الطلبة والمثقفين أثناء تظاهرهم احتجاجاً على اختطاف الثورة على يد أعضاء الحزب الشيوعى المنحل، بعد أن قام ايليسكو بتحريض العمال، وفقدت رومانيا 942 قتيلاً بسبب أحداث الانفلات الأمنى المفتعلة فيما بعد القبض على تشاوشيسكو، بينما راح ضحية الثورة الأولى إبان حكم الديكتاتور 162 شخصاً فقط، وأصيب 2245 جريحاً بينما أصيب 1104 أشخاص فقط فى أحداث الثورة، المفارقة الغريبة أن أحداث مصر لم تختلف كثيراً عن ذلك، حيث أسفرت الثورة المصرية عن 848 شهيداً و5500 مصاب، بينما بلغ ضحايا الفترة الانتقالية 2286 شهيداً و7811 مصاباً نتيجة الاعتداءات على المتظاهرين فى فض اعتصامات ميدان التحرير المتكررة، والاعتماد على المتظاهرين أمام السفارة الإسرائيلية، ثم أحداث ماسبيرو وشارع محمد محمود ومجلس الوزراء ثم مجزرة بورسعيد، بالإضافة إلى حوالى 16 ألف معتقل يحاكم عدد كبير منهم أمام المحاكم العسكرية الآن.
والسيناريو الذى تسير فيه مصر الآن يشبه إلى حد كبير ما حدث فى رومانيا، بل إن حالة الفوضى التى تعيشها مصر الآن بسبب عدم وجود دستور، وعدم إمكانية الانتهاء منه قبل انتخابات الرئاسة، التى أصبحت مهددة بالإلغاء، والخلافات الشديدة بين المرشحين واللجنة العليا للانتخابات، والصراعات الموجودة بين التيارات السياسية المتصارعة على الرئاسة سواء كانت دينية أم تابعة للفلول، كل هذه الحالة من الفوضى والارتباك ترشح ثورة مصر لتفوق الثورة الرومانية، وتنتهى إلى لا شىء.
الخبراء أكدوا أن التاريخ لا يعيد نفسه والثورات لا تكرر نفسها ولكن الأمور فى مصر قد تتفاقم لتصبح أصعب مما أصبحت عليه فى رومانيا، حيث يشير الدكتور رفعت سيد أحمد، مدير مركز يافا للدراسات السياسية، إلى أن مصر لن تصل للحالة الرومانية لعدة أسباب منها أن الجيش المصرى مختلف عن الجيش الرومانى، كما أن التركيبة الشعبية مختلفة، ولكن الأوضاع السياسية

فى مصر تنذر بحالة من الفتن والصراعات بين الجيش والتيارات الدينية على خلفية حذف مرشحيهم من قوائم المرشحين للرئاسة، وقد يصل هذا الصراع لاستخدام السلاح، وقد يصل الأمر لحد الحرب الأهلية المحدودة خاصة مع غياب الأفق السياسى، ولذلك أتوقع أن يتم تأجيل الانتخابات الرئاسية، وأضاف: وقد تحدث أيضاً انفجارات شعبية نتيجة نقص السلع والاحتياجات الأساسية للمواطنين، هذا بالإضافة إلى إمكانية تعرض الحدود للاعتداء سواء الشرقية أو الغربية، فإسرائيل تنتظر والجماعات المسلحة الليبية قد تقدم على أى عمل، لذلك فالسيناريو فى مصر سيكون أسوأ مما هو عليه فى رومانيا، والحل الوحيد فى أن تعتزل جميع القوى السياسية المتنازعة العمل السياسى لفترة، وتعمل على حل مشاكل المواطنين أولاً، وتتوافق فيما بينها من أجل مصلحة مصر ولدرء الخطر الخارجى عنها.
أما الدكتور محمد ماهر قابيل، المفكر السياسى، أستاذ العلوم السياسية، فيرى أن ما يحدث فى مصر أسوأ بكثير مما حدث فى رومانيا، فالثورة المصرية تمت سرقتها بشكل ممنهج ومنظم، بدءاً من تشويه الثورة والثوار، وإطلاق المجرمين من السجون لترويع الناس، ودس البلطجية والمجرمين وسط الثائرين للقيام بعمليات تخريب وتدمير وحرق المنشآت العامة وتعطيل الاقتصاد لإظهار الثائرين بمظهر المخربين، ومنها افتعال الأزمات فى السلع الغذائية والوقود وغيرها، حتى لا يجد الناس أمامهم سوى المتسلطين لإنقاذهم مما يعانون، حتى إننا أصبحنا أمام مشهد بلا نظير لتقديم رموز النظام السابق وتقليدهم أرفع المناصب القيادية فى البلاد، وكأن النظام لم يتغير وبذلك أصبحنا أمام نموذج أسوأ من نموذج الثورة الرومانية.
الثورات لا تتكرر، هكذا بدأ عصام شيحة، المحامى عضو الهيئة العليا للوفد، حديثه، مشيراً إلى أن كل ثورة ولها ظروفها ومطالبها، فالثورة المصرية اتخذت قراراً من اللحظة الأولى أن تكون سلمية، تعتمد على إرساء القانون، ولكننا بعد 13 شهراً عدنا مرة أخرى لنقطة الصفر لعدة أسباب وهى أن التيار الغالب يقود العمل السياسى لأول مرة، كما أن هناك فصيلاً سياسياً راغباً فى الاستئثار بالسلطة، والشعب لن يرضى باستئثار أى فصيل للسلطة، فالثورة قامت بسبب استئثار الحزب الوطنى بالسلطة من قبل، ولذلك أصبحنا نجرى نفس المكان، وأصبح على الشعب أن يبحث عن بديل آخر يدعمه للانتقال السلمى للسلطة، ثالثاً لم تتوافر إرادة سياسية لدى القائمين على الحكم، لإنهاء المرحلة الانتقالية التى أصبحت تمتد من حين لآخر، ومؤسسات الدولة أصبحت غير قادرة على ممارسة دورها، بالإضافة إلى حالة التربص وفقدان الثقة بين القوى السياسية والتى وصلت لدرجة الشك فى كل القرارات التى تصدر، وهذا منحنى خطير جداً، يؤهل مصر لتصبح فى وضع أكثر سوءاً من رومانيا.
لذلك لابد من حوار بين جميع الأطياف السياسية والقائمين على الحكم للقضاء على هذه الحالة من التخبط والارتباك التى تعيشها مصر، واختتم «شيحة» حديثه قائلاً: من المؤكد أن مصر لن يحكمها ديكتاتور آخر، فالشعب المصرى كسر حاجز الخوف يوم 25 يناير ولن نسمح أبداً بتكرار سيناريو رومانيا فى مصر، وجيل الشباب الذى قام بالثورة لن يسمح بالقضاء عليها، وأضاف: حزب الوفد كان دائماً ضد القوانين الاستثنائية وعلينا أن نثق فى إرادة الناخبين الذين لن يأتوا أبداً بديكتاتور جديد، فعقارب الساعة لن تعود أبداً إلى الوراء، ولن يحكم مصر ديكتاتور بعد 25 يناير.