رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عشت ما جرى .. قصة الكعكة الحجرية

بوابة الوفد الإلكترونية

ضمن سلسلة كتابات الثورة صدر للكاتب والباحث في علم الاجتماع السياسي الدكتور عمار علي حسن كتاب " عشت ماجري " الكتاب الذي يقع في 230 صفحة من القطع الصغير يسرد فيه وقائع الثورة منذ النطفة الأولي التي سعوا لترسيخها في رحم الوطن وتكبدوا معاناة مخاضها العسير ونموها حتي الميلاد . يرصد البدايات فيقول " وبداية التدبير هي تلك اللحظة التاريخية التي أقدم فيها مائتان من رموز الوطن بالتوقيع علي بيان يطالب حسني مبارك بالرحيل وكان الداعي المحامي والمناضل الكبير احمد نبيل الهلالي" .

تكشف تعبيرات ولغة عمار بدقة وسلاسة عن الطبيعة التي خاضتها التجهيزات الاولي للثورة بانها كانت سلسلة حلقات متطورة تضيف وتلحق بعضلة سياسية جديدة تنمو وتنضج فكان التدشين الأول الجبهة المصرية من أجل التغيير " التي سلمت الراية في رضا وامتنان لطلقة كاشفة " فكانت الثمرة الجديدة " الحركة المصرية من اجل التغيير – كفاية " ويستطرد في فصل لاحق " مرضت كفاية لكنها لم تمت ، بل سلمت الراية الي الجمعية الوطنية للتغيير " .
كانت أحد المهام التي تبرز في وجه من حملوا علي عاتقهم فك طلاسم النظام الاسبق ( المخلوع مبارك ) هي استعادة روح المصريين ، استعادة نضالاتهم التي ملأت التاريخ عظة وعبرة ، استدعائها من أرفف المكتبات ومن أحشاء الكتب الي وعيهم وربطها بواقعهم من اجل هبة تغيير تقف في مواجهة من يحجزونهم في مقاعد المتفرجين بدون فعل أو رد فعل.  كان يبحث ويثير التساؤل عن هؤلاء الذي " واجهوا مدافع نابليون " ، " وجمعوا التوقيعات لسعد زغلول " ، " واجبروا السادات علي العودة عن قراراته في 17و18 يناير 1977" ، " والذين هتفوا ضد عبد الناصر في 1968 " .
كان ربما يثيره بنفس الدرجة تبلد النظام نظرات الناس الغير مبالية كلما شاهدوا تجمعاتهم وتظاهراتهم الضئيلة في بقعة تحاصرها قوات الأمن المركزي بزيهم المميز وبينما تنضح نظراتهم بالشفقة كان السؤال يحل بوطأة شديدة الحسرة عن كيفية بلوغ الهدف الصعب باستعادة النهب المنظم عبر نصف قرن من الزمان للحياة السياسية والحزبية والنقابية وتصفية الحركة الطلابية، والذي بدوره خلق مجتمعا ساكنا ومواطنا لا يتحري مكانته الصحيحة ووضعه الملاءم فيه ويناضل ازاء تناقضات غير عادلة للحصول علي كافة حقوقه المهدرة . وكانت الاجابة أو محاولة الاجابة تختصرها  " تنظيم حركة كفاية مظاهرة كل أربعاء لحث المصريين علي التظاهر " وكانت في أحياء " السيدة زينب وشبرا وحدائق الزيتون " . تلك المواقع التي يكابد أهلها الظلم والفقر والمرض والتهميش فاستهداف تعاطفهم وانحيازهم للثورة والتغيير يلبي الشعار الأول الذي رددته الثورة "عيش ، حرية ، كرامة انسانية وعدالة اجتماعية".
وكانت الجموع الهادرة التي احتلت الميادين في محافظات مصر وتماسكت في قوة وصلابة أمام عنف وبطش أجهزة الأمن الغليظة قد فاجئتهم وفضحت عجزهم وأربكت موازين الفكر الامني الجامد .. وهنا يسرد ما جري في يوم جمعة الغضب علي النحو الذي أجبر طاقة الأمن علي النفاذ وأن تسلم تماما حيث كان المتفق "المكوث في الشوارع حتي مطلع الفجر ثم الذوبان فجأة والعودة مع عصر اليوم التالي، وبذا لن يتمكن الجنود من النوم فيحل بهم التعب ويتساقطون تباعا وهذا ما جري يوم جمعة الغضب حيث انهارت عزائم الجنود وتراخت وخروا راكعين أمام الجماهير الزاحفة والجموع الهاتفة " .
لم تكن تلك التضحيات والرغبة العنيدة لتكرار ما جري في الدولة الشقيقة  تونس وتكرار مشهد سقوط بن علي جديد وهروبه الا تحد مع التاريخ كي يتقدم وتجميع شذرات الوطن الذي تقسم وتفرق بأبنائه وخروج العقول والاجساد من صمتها وجزعها .
وروي صاحب سقوط الصمت في فصول كتابه عدد من الحكايات التي عاينها بنفسه سواء قبل واثناء التحضير للثورة وما لحق بهما أو حكايته مع مدير مكتب جمال مبارك " الدكتور محمد جمال" الذي حاول حثه الانتماء لامانة الثقافة والاعلام بالحزب الوطني ولكن كان وعيه السياسي والوطني حائط صد لكل مطامع نظام يبحث عن شخوص لتزيين قبحهم ومداراة تقيحاتهم ومواجهته بخصومة سياسية لاترتقي لشك  .
حكايات أخري يرويها  تكشف لنا جوانب كثيرة ممن ارتبطوا بدور في حركة الجماهير وشاءوا ابتلاع الثمرة والسطو علي كل فوائدها واحتكارها لهم، فأكثر من سؤال يلح وسط زخم الصورة لنحدد موقع ودرجة انتماء وحدود كل من يصب نفسه في طابور هذه الثورة .
وفي لغة منضبطة ومفردات لا يخامرك الشك في معناها يصف المؤلف موقف الإخوان علي هذا النحو" فان موقف الإخوان ظل طيلة الوقت مريبا فهم استولوا علي مداخل الميدان لتأمينه لإعطاء ايحاء للسلطة بأنهم القوة الرئيسية المتحكمة في سير المظاهرات " . وبالعودة بالتاريخ قبل اندلاع شرارة الثورة يحكي ايضا عن محاولته اكثر من مرة  وبشكل شخصي لضم عضوية الاخوان المسلمين للجمعية الوطنية للتغير واصطفاف كل القوي المعارضة لنظام مبارك  والذي قوبل بالرفض بنظرة استعلائية تري في الاخيرة " كيان لا قوام له " و "هزل أكثر مما هو جد " امام جماعة عمرها ثمانين عام .
وامام حيل الإخوان التي لا تنتهي بدون ورع أو ضمير لنسب حوادث الثورة لهم يصطدم المؤلف بحادثة مثيرة حين نُسب أول بيان للثورة للمستشار محمود مكي نائب الرئيس السابق محمد مرسي وهو ما دفعه للوقوف امام تفاصيلها كاملة وسردها بدون نقصان وبنص البيان كامل الذي أذاعه الدكتور عبد الجليل مصطفي منسق الجمعية الوطنية للتغيير وقتها في العاشرة من مساء يوم الثورة الاول وذلك لقطع الطريق امام من يحاولون تزوير التاريخ ويدبرون لخيانتها منذ

لحظاتها الاولي واتمام صفقات في الخفاء والعلن لاجهاضها .
لم يتوقف الاخوان عن المراوغة والمقامرة السياسية  من أجل الربح والفوز وتمت له في النهاية وخسرها أيضا . فكانت تمهد كل شئ ليسقط في صالحها منذ " هندس الدستور الانتخابات التشريعية التي أعقبت وضعه علي مقاس الاخوان " والتي جعل فيها مقاعد البرلمان تجري بثلثين قائمة وثلث فردي والتي قضت المحكمة الدستورية بحله .. هم يحترفون السياسة وصفقاتها يملكون شبكة علاقات اجتماعية واعلامية ودعائية واموال طائلة لذا دفعوا بكل طاقاتهم وراء اختصار الفترة الانتقالية والقفز علي السلطة بكل وسيلة ممكنة . وكانت الولايات المتحدة تترقب في حذر وعن قرب شديدين ما يجري علي الارض وخلف الستار بعد ان سقط " كنزهم الاستراتيجي "والبحث عن آخر بديل لذا " انفتحت قناة وسيعة بين خيرت الشاطر والامريكان اهلته ان يساعد في تهريب متهميهم في قضية المنظمات الاجنبية بما يدفع جون ماكين المرشح الجمهوري ضد اوباما عام 2008 ان يشكره بالاسم "
ثمة  علاقة لم تستقر مع القوي الثورية و المجلس العسكري – ويفرق الكاتب ما بين الجيش والمجلس العسكري اذ ان الاخير هو سلطة ادارية وسياسية وقتها -  وواصفا الجيش بانه "العمود الاخير للخيمة "، في فترة الحكم الذي تسلم فيها البلاد منذ تنحي المخلوع عن الحكم وذلك علي اختلاف اجنحتها وانتماءاتها ومطالبها السياسية وهي بالتأكيد لم تكن الا علاقة قائمة علي الدفاع عن مكتسبات الثورة في الحرية والمطالبة بالكرامة الانسانية وحقوق الشهداء ممن اقتنص ارواحهم وواروهم في غياهب السجون .
وكانت هناك محطات رئيسة في الفترة الانتقالية كاستفتاء مارس واحداث محمد محمود ومجلس الوزراء وانتخابات مجلسي الشعب والشوري وهو ما ترتبت عليه خلال هذه الفترة حوادث كثيرة وعمت دلائلها أمام الجميع من التحول ازاء موقف الشعب من العسكري من شريك في الثورة أو هكذا هتف الشباب بالتحرير " ايد واحدة " ثم انفضوا عنه بشعار مغاير يسقط حكم العسكر . وتعثر المجلس في الفترة الانتقالية كان امرا لاتخطئه عين بعد ان اكتشفت القوي السياسية أيضا " ان الثورة بلا رأس يساعد علي سرقتها وافراغها من مضمونها أو تحويلها الي انقلاب ناعم " وهكذا بدأ البحث عن رئيس وزراء يخلف عصام شرف ويكون جدير بتحقيق عدالة ناجزة وحرة للثورة امام تلكؤ و عدم جدية المجلس العسكري في هدم أركان نظام مبارك كما استعرض رؤيته هذه خلال لقاء دعاه اليه اللواء محمد العصار في شهر يونيو 2012 انتقد فيها " عدم اتخاذ قرارات لصالح الفقراء و حل المجالس المحلية والشعبية المزورة والبالغ عددهم 53 ألف عضو قابضين علي مفاصل الدولة  وتطهير الداخلية واعادة تسعير الاراضي التي حصل الفاسدون عليها في عهد مبارك ووضع حصيلتها في صندوق لتشغيل الشباب " كان حديث عمار لايقبل تاويل أومواربة قاطعا في الوقت ذاته حزمة من الاجراءات التي ابلغهم اياها لتأمين التحول الديمقراطي الثوري .
ويختتم الكتاب آخر فصوله بنتيجة الانتخابات وإعلان فوز ضيف جديد علي القصر (والسجن بعد ذلك) في أقل من عام يمضيهما داخل أسوار قصر حاصرته الثورة مرات وسالت عنده دماء وسقط شهداء يدافعون عن مكتسبات الثورة ويرفعون مطالبها، وحمل المقال الأخير من الكتاب نصائح ورسائل عدة بعث بها للرئيس البليد الذي لم يتعلم من التاريخ القريب لسلفه وليس بمقدور أحد مهما كانت سلطته ان يعيد المصريين الي جحورهم أو اسكاتهم وافتضح امرهم بعد ان تاكد المرة تلو الاخري ان نصابهم الاول والاخير هو الجماعة لا الوطن والأهل والعشيرة " بناتنا الارقي "  لا الوطن واعلاء الهوية الدينية علي حساب الهوية الوطنية الجامعة فاستحق ما اتاه من الشعب الأمر : ارحل فرحل .