رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

العدل والقوة فى مواجهة الإرهاب والفساد

ونحن نعيد بناء حضارتنا، ونشيد مجد دولتنا، لابد أن نستعيد الماضى التليد لمواجهة الأزمات المتلاحقة من الفساد المستشرى فى جنبات الوطن، ومن الإرهاب الذى يريد كسر قيم وحضارة ضربت بجذورها فى أعماق التاريخ، بل كانت حيث لم يكن تاريخ، وحيث انعدم الزمن، وحيث لا حيث.. مشكلات تعترض سبل التنمية، بل وتعترض الحياة ذاتها، وتتعارض مع أبسط القيم التى خُلق لأجلها الإنسان، فسلبته أعز ما يملك، سلبته حريته وأمنه.

بئست تلك الحياة إذا تحكم فيها الإرهاب والفساد، وإذا تحكم فيها المفسدون والإرهابيون، والقاتلون، والمتعدون لكل حدود الله، أولئك يلعنهم الله والملائكة والناس أجمعين ووطننا العربى بصفة عامة، ومصر خاصة، لديهم الخبرات الكافية بمثل تلك المؤمرات، وليسوا أبناء اليوم فى مثل تلك المواجهات، ولم يعدموا خبرات ضاربة فى كبد التاريخ، بل لديهم ماض يشتهر بعمق فلسفة المقاومة، وبروعة الرؤية والبصيرة لمواجهة مثل تلك التحديات منذ فجر التاريخ، فخبرات عين جالوت ومواجهة التتار والصليبيين لا تزال محفورة فى عمق التاريخ، والتاريخ لا يكذب، ولا يداهن أحداً، ولا يكسب معدوماً ما ليس له.
نحن اليوم نستعيد ذلك الماضى فى تلك المواجهات، نستدعيه من تراثنا، ومن ماضينا، ومن قرآننا.. ذلك القصص الحق، الذى يضيء الطريق للسالكين ويقص علينا القرآن العبرة الرائعة والفلسفة الحكيمة فى مثل تلك المواجهات، وذلك فى قصة ذى القرنين، ذلك الرجل الذى أتاه الله من كل شىء سبباً، وبسط له القوة والملك، ووجد قوماً يكفرون بالله، ويجحدون نعمه عليهم، وقومه يستنجدون به فى مواجهة هذا الفساد، وتلك الأمة الكافرة، فيضعون قانوناً عاماً، قانوناً يأخذ أصحاب الذنب بمن لا ذنب لهم، فقالوا: «قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فيهِمْ حُسْنًا»، لم يفرقوا بين ظالم ومظلوم، بين معتد وبرىء، إما أن تعذب الجميع، وإما أن ترحم الجميع، لا فرق إذاً، ولكن ذا القرنين يفرق بين المفسد وغير المفسد، يتحرى الأحداث، يتبين الوقائع، يميط اللثام عن حقيقة الأشياء، ويفصل ما تم من إجماله فيقول: «قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا {87} وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا» (الكهف 78 و88).
لن نأخذ البرىء بالظالم، ولن نعمم العذاب على الجميع، من ظلم فقط فله عقابه عندنا، وله عقاب ينتظره عند الله، لا ظلم عندنا لأحد، ولا عمومية للعذاب، بل كل على قدر إساءته، وكل على قدر إحسانه.
ذلك هو الإطار العام لمواجهة المفسدين، معاقبة من ثبت فساده وحده دون الباقين، والإحسان إلى من يحسن، فى إطار من المسئولية الأخلاقية والتاريخية.. ثم يتكرر الموقف أيضاً مع ذى القرنين، موقف إرهاب يفسد فى الأرض ويخيف الآمنين، ذلك هو إرهاب يأجوج ومأجوج، تلك الأمة الظالمة التى لا تذر على الأرض حياة لأحد، ولا أمنا لأحد: «قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا».
أى سنجعل لك أجراً على أن تحمينا من شرهم،

وتمنعنا من بطشهم، فيمتنع عن أخذ شىء، وتلك هى مروءة المخلصين، الذين يبحثون عن الحق لذاته، لا لعطية، ولا لغنيمة، فقال لهم: «قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ» أى ما أعطاه لى ربى خير مما تجمعون.. إنها نفس كلمة نبى الله سليمان عليه السلام من قبل «أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ» لا نريد منكم شيئاً، بل وقوفنا إلى جوار الحق قضية مبدأ، قضية آخرة، قضية سؤال أمام الله وأمام التاريخ، فقط عليكم الإعانة والنصر للوقوف صفاً واحداً لمواجهة الإرهابيين والمجرمين  «فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا» أى سداً لا يستطيعون النفاذ منه إليكم، ولا يطولكم شىء من شرهم وإرهابهم.
إن ذلك القصص من الحكمة القرآنية التى يشع نورها، الحكمة التى ينقلها ربنا لنا لنستفيد من هذا القصص، ولنجعله منهجاً للحياة، فلا مقاومة للإرهاب بدون القوة، وبدون الوحدة، فإن لم نكن جميعاً يداً واحدة فى خندق المواجهة، فإن نار الإرهاب ستلتهم الجميع، ستقضى على الجميع، ولن تبقى أو تذر.
كذلك علينا أن نبحث عن المفسدين الحقيقيين فى كافة مفاصل الوطن، علينا محاصرتهم وقطع السبل أمامهم، دون أن نأخذ المصلح بذنب المفسد، ودون أن يتعدى العقاب شخص المفسد، ذلك هو ما فعله ذو القرنين، وما أيده القرآن وقصه علينا فى فخار به وإعظام له، فهل نعى هذه الدروس لنحقق العدالة فى مواجهة المفسدين، والقوة والوحدة فى مقاومة الإرهاب، ثم نحقق التنمية لخزائن الأرض، لطور سنين، لأبناء الشجرة الطيبة التى تخرج فى طور سيناء وصبع للآكلين.. هل نعى هذا الدرس القرآنى، وهل نتحرى العدالة ونسعى للوحدة فى مواجهة أخطار بات شررها يتطاير ليحرق الجميع، وباتت تهدد مستقبل أجيال قادمة لا ذنب لها سوى أنها ولدت على أرض هذا الوطن، إذا اتحدنا وتآلفت قلوبنا فالله ولينا، وهو ناصرنا، وإلا فلا تلومون إلا أنفسكم، ويصبح من غير حقكم أن تتغنوا بحضارة أجدادكم، تلك الحضارة التى لم تصنعوا أنتم فيها شيئاً، فأرونى ماذا تفعلون!