رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

من «يوليوس قيصر» لـ «عبدالفتاح السيسي»

أفزعني أن أرى المشير عبدالفتاح السيسي، في حديثه لقناة «سكاي نيوز» العربية، وقد بدت عليه علامات الإرهاق. أشير إليه بلقبه العسكري لأني أتصور أن أي جندي وصل إلى رتبة الفريق لابد أن يشار إليه برتبته، حتى بعد أن يترك الخدمة. وبالتالي فهذا الرجل سوف يظل بالنسبة لي هو «المشير» أوField Marshl، وردا على سؤال مونتجومري عندما ذكر

أمامه اسم عبدالحكيم عامر مسبوقا بلقب المشير فقال: Field Marshal –of what? فأنا أقول هو فيلد مارشال أوف تلاتين يونيو. في ذلك اليوم سجل التاريخ رد عبدالفتاح السيسي على شكوى شاعرنا الراحل أمل دنقل حينما صرخ بلسان المصري، المعذب على مر العصور: أدعى إلى الموت ولا أدعى إلى المجالسة !فدعانا إلى أن ننزل لنعلن، على مسمع ومرأى من العالم كله، أن مصر لنا، وأن أعظم ما فيها، وهو جيشها الوطني وقائده الشاب، يأتمر بأمرنا.
قال لنا عبدالفتاح السيسي: انزلوا لتصنعوا أقداركم بأيديكم! فنزلنا. نزلت مع النازلين: «أنا الذي لا حول لي أو شان، أنا الذي أقصيت عن مجالس الفتيان» نزلت مع النازلين. رأيت الشعب المصري يصنع التاريخ كما لم يتأت له من قبل. صحيح أن عبد الناصر هو إمامي ومرشدي. لكني أعلم أننا قلنا له: اذهب أنت وربك فحاربا، إنا هنا قاعدون. وعشنا مع ذلك الزعيم ستة عشر عاما يحارب هو، نيابة عنا، ونحن قاعدون. ولهذا ضربت علينا الذلة والمسكنة، وبؤنا بغضب من الله.
لكن ها هو «السيسي» يقول لنا: افتحوا باب الشرعية فأنتم القوامون عليها. وننزل للشارع ونفتح باب الشرعية. ويتحرك الجيش وعلى رأسه ابننا هذا، ليخلصنا من معتوهي الانجذاب للماضي، وخدام العولمة القديمة، التي لم تع دروس 2008 وإفلاس الليبرالية الجديدة. وضرورة أن تعود الدولة – خاصة في مصر – لدورها الرائد والقائد. طلب منا «السيسي» أن نأذن للتاريخ بأن يتحرك، ففعلنا. نزلت مع النازلين. نزلت وأنا في الثامنة والستين من عمري. لم يكن لي وأنا شاب سوى الوقوف على هامش الحياة أرقبها، من بعيد. لكني في الثلاثين من يونيو 2012 كنت جزءا من حركة التاريخ. كان نزولي إلى الشارع نهاية لوجود حزب الكنبة. نهاية لما أطلق عليه محمد حسنين هيكل، بعد هزيمة يونيو 1967، ديمقراطية بالموافقة. والفضل في ذلك يرجع لهذا الفيلد مارشال الشاب.
فكيف نحتمل أن يبدو عليه الإرهاق اليوم، ونحن في أول الطريق؟ كان العقيد عباس المهداوي يقول عن ابن خالته الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم: الزعيم لا يأكل.. الزعيم لا ينام. كأن ذلك الزعيم روح علوية، وليس بشرا مثلنا، بحاجة للطعام وللراحة. وأذكر أن أول مرة سمعت فيها عن مرض زعيمنا الراحل جمال عبدالناصر كانت عقب وقوع انفصال سوريا عن مصر بخروجها من صيغة الجمهورية العربية المتحدة . لم أصدق ما قيل يومها من أن الرئيس مصاب بمرض السكر. كانت الهالة الأسطورية المحيطة به ترفعه فوق مستوى البشر.
في روما القديمة كان يوليوس قيصر يخرج، في المناسبات الكبرى، ليجوث في أنحاء المدينة

الخالدة فوق عجلة حربية، ووراءه، فوق العجلة ذاتها، عبد عملاق يحمل تاجا فوق رأس يوليوس قيصر. لا يستقر التاج فوق رأس البطل ولا يبتعد عنها. وطوال الجولة الاستعراضية التي يخرج الرومان لمشاهدتها بكل الحب والتقدير لبطلهم العظيم، كان العبد يهمس ليوليوس قيصر :تذكر أنك إنسان. تذكر أنك بشر فان.
لا يحتاج عبدالفتاح السيسي لعبد يهمس له بهذه الكلمات، فهو ابن القرن الحادي والعشرين. ابن زمن الجماهير، حسب تعبير كاتبنا جلال أمين. سوف تعود الدولة مع عبدالفتاح السيسي أو مع غيره إلى دور مركزي في السياسة والاقتصاد. ولكن الجماهير سجلت حضورها الباقي في سجل التاريخ المصري .الرأي العام سيبقى مسموعا ومطاعا، من الآن وإلى الأبد وعلى نحو لم تعرفه مصر، من قبل. هذا ما فهمته من كلام المشير عبدالفتاح السيسي إلى الإعلاميين الذين التقاهم مؤخرا.
إذا كان عبدالفتاح السيسي رئيس مصر القادم، وأتمنى له أن يكون،  فسوف يقود بلدا محاطا بفوضى من كل الاتجاهات: من ليبيا التي يبدو أن صناع الفوضى اختاروها لتكون مبررا لاستمرار الحرب على الإرهاب خمسين عاما أخرى، تلك الحرب التي قال دونالد رامسفيلد إنها ستستمر ستين عاما. من غزة التي يعني الوجود الإخواني فيها استمرار الفوضى لأطول زمن ممكن. وربما أيضا في السودان. ورغم هذا كله فسوف يتعين على «السيسي» – أو على أي رئيس يقود مصر الجديدة – أن يقود عملية التنمية الشاملة والتأمين ضد الفوضى الزاحفة من كل اتجاه، من دون الإخلال بقواعد الحكم الديمقراطي. وأنا واثق أنه لا «السيسي» ولا أي زعيم آخر سيقول لنا: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. وبالمقابل فلن نقول له: اذهب أنت وربك فحاربا، إنا هنا قاعدون.
المهمة صعبة والمسيرة طويلة. ولهذا أصابني القلق عندما رأيت ما تخيلته ملامح إرهاق وهزال على عبدالفتاح السيسي. أعرف أننا ننتظر منه أن يكون رئيسا لا نصف إله،  وأدعو له بالعافية وأتمنى أن أراه، مجددا، على الدراجة أو في مقدمة الراكضين في «اختراق ضاحية».