رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تليفون!


 

التليفون صامت أخرس . راقد فى مكانه جثة بلا حراك . لا يدق ولا يرن . جفت دماء حرارته فى أسلاكه .فأصبح قطعة حجر . جماداً لا ينطق . لا يسمع لا يتكلم لا

لا مكالمة واحدة من صديق . يقول لى إنى مازلت على قيد هذه الحياة. وأنه مازال يتذكر اسمى. ومازلت أوحشه ويفتقدنى. وأنه مشتاق لأيام الصداقة الجميلة. ومازالت صداقتنا من بين المقدسات. فوق الدنيا وهموم الدنيا الصغيرة والكبيرة.
لا صاحب مازال يتذكر رقم تليفونى. يوقظنى بمكالمة من وسط نوم هو الموت. يثرثر معى وأنا نصف نائم. يبوح لى بشجونه. يقول أنه يحتاج كلمات صاحبه. وعون صاحبه. فيرتاح ويتركنى مؤرقاً. يجافينى النوم. وأنا مشغول بآلام الآخرين.
ولا صوت مجهول يأتينى عبر الطرف الآخر فى سماعة تليفونى . يعتذر لى عن الجروح والسهام التى نالتنى دون أن أستحقها . عن براءتى التى ظنوها غفلة وسذاجة. وطهارة نيتى التى اعتقدوها وهناً وضعفاً!
ولا حبيب يتصل ليخبرنى كم هو آسف. لأنه اعتبر الحب وسيلة لا غاية. وجسراً يعدو فوقه خلف ما يريد وما يطمع. وأن الحب عطاء متبادل. ويستحيل أن يكون شارعاً يمضى فى اتجاه واحد!
التليفون مازال ـ وأعتقد أنه سيبقى ـ صامتاً بلا

حياة. فحتى الذين احترفوا الكلام ولا شىء غير الكلام. ليس لديهم وقت للاتصال بمن يستطيع التمييز بين الحق والباطل. من يعرف الكاذب من كذبه. والصادق حتى من صمته.
أصبح مثل قلبى. قطعة صوان فى نفسى. شاهد قبر يذكرنى فى كل لحظة. أن عمر الرياء قصير. وأن البعد عن الناس غنيمة. لكن الوحدة قاسية كصحراء واسعة. بلا شجرة تظلل ولا ذرات من لهيب.
التليفون صامت أخرس.
لا خبر حلو. ولا حتى حكاية محزنة.
لا تأتينى عبره ابتسامة ولا دمعة.
الكل نسى رقم تليفونى.
الذين أحببتهم لكنهم أحبوا أنفسهم أكثر . والذين أعطيتهم من قلبى وحياتى . فأخذوا وانصرفوا . والذين انتظرتهم فى أحلامى طوال العمر . فلم يظهروا ولم يدقوا جرس تليفونى أبداً.
تليفونى أصبح مثلى.
غريباً من زمن راح وراحت عليه.
شيئا   ـ مجرد شىء ـ  غير قابل للاستخدام!