رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أصابعكم.. ثقيلة!

كنت طفلاً بريئاً في السابعة من عمري، عندما أهداني خالي مفكرة صغيرة جميلة، غلافها من الجلد بني اللون.
فرحت كثيراً بالمفكرة التي كانت تبدو وكأنها محفظة نقود قيمة، وضعتها في جيب بنطلوني الخلفي.

وركبت الأتوبيس عائداً الى بيتنا، وكانت الأتوبيسات على أيام طفولتي.. مكتظة مزدحمة بالركاب كأنها علب سردين!
وقفت بين زحام الركاب، وبعد دقائق شعرت بأطراف أصابع تحاول نشل المفكرة التي لم أستمتع بها بعد!
وكان صاحب هذه اليد نشالاً طويلاً عريضاً، يقف الى جواري نظرت بأطراف عيني إليه فوجدته ينظر هنا وهناك متظاهراً بأنه راكب عادي متضايق من الزحام.
كنت أشعر بأصابعه تسحب المفكرة الصغيرة من جيبي شيئا فشىء.. وبالتأكيد لم يكن يشعر بأنني أحس بحركات أصابعه وهو يسرقني!
فوجئت بأن رد فعلي كان غريباً، ذلك أنني لم أصرخ مستغيثاً بالركاب، لإنقاذي من محاولة السرقة، كل ما فعلته أن نظراتي تسمرت على وجه النشال، لأسجل ملامح وجهه، ومحاولاته للتظاهر بالبراءة في نفس اللحظات التي يسرقني فيها!
وأخيراً تمكن النشال صاحب الأصابع الثقيلة من سحب المفكرة من جيبي، ثم عند أول محطة أسرع بالنزول هارباً بغنيمته!
والأتوبيس يتحرك من جديد تابعت النشال واقفاً على المحطة وقد تغيرت ملامحه الى الخيبة والصدمة بعد أن اكتشف أنه سرق مفكرة وليس محفظة نقود!
وجاءت سنوات وذهبت سنوات ولم أعد في السابعة من عمري كبرت ولم أعد طفلاً لكنني أبداً لم أنس هذه الحكاية.
ذلك أنني طوال سنوات عمري كثيراً ما التقيت بأشخاص رجالاً ونساء كل منهم كان يحاول سرقتي بطريقة مختلفة لم يكونوا يريدون سرقة مفكرة صغيرة ذات غلاف من الجلد البني.
رجال ونساء كان البعض يحاول نشل أيامي وسنوات عمري البعض كان يحاول سرقة فرحتي المتواضعة وآخرون حاولوا سرقة أحلامي.
وكان كل واحد من هؤلاء النساء يظهر في عيني وكأنه نفس النشال الخائب أيام طفولتي لم يتصور أحد منهم أنني أشعر أنه يحاول سرقتي، ولم يحدث أبداً أنني واجهت أحداً منهم، ولم أطلب النجدة أو الاستغاثة من الناس حولي!
والغريب أنني لم أشعر أبداً بالمرارة أو الضيق، من كل الذين سرقوني، الغريب أنني دائما كنت أشعر بالشفقة تجاه كل من حاول سرقتي أو خداعي!
وهذه ليست دعوة لأن يسرقني لصوص آخرون، وليس لأني بعد كل هذا المشوار لم يعد لدى شىء يستحق أن يسرقه أحد مني.
المهم أن أحداً لم يتمكن من سرقة أغلى ما في حياتي.
الإيمان.. والبراءة!
الحكاية.. لا أرويها لكم بقدر ما أقصد بها هؤلاء الإخوان الذين يحاولون أن ينشلوا وطني كله ويتخيلون أن الضحية لا يشعر بمحاولة السرقة الكبيرة.. أنتم النشال الخائب نفسه.. أصابعكم ثقيلة.. وجريمتكم مكشوفة لكني هذه المرة لن أستسلم للنشال.. ولن تكسبوا في النهاية غير تأكيد أنكم لصوص.. وفاشلون.