بداية مفزعة
على عكس الكثيرين، هالنى وأفزعنى مشهد افتتاح جلسات مجلس الشعب والبداية الملتهبة للدورة البرلمانية. جاء الفزع انطلاقا من الخوف على مستقبل الدولة خلال الفترة التى سيكتب فيها البقاء لهذا البرلمان. فلقد رأيت برلمانا مهزوزا يدعى اعضائه انهم ثوار يمثلون برلمان الثورة بينما هم فى الحقيقة يرتعدون من الشارع ومن متظاهرى الميدان.
رأيت برلمانا عينه مكسورة ولا يصدق اعضائه وجودهم تحت القبة فلم ينسبوا هذا الفضل لله بل للثورة والثوار. رأيت كل تيار وطائفة يزايد كل منهم على الآخر حتى يثبت ولائه للشارع السياسى ويسارع بتسجيل نقطة فى رصيده البرلمانى قبل أخيه دون تفكير ودون احترام لقواعد المنطق والعقل التى ينبغى ان يتحلى بهم ولاة الأمر القائمون على أمر هذه الأمة حتى ولو كانت جميعها ضد مبدأ العقيدة او الايدلوجية التى ينتمون لها، انجرفت جميع التيارات السياسية فى سيل من المزايدات حتى لا يترك احدهم الساحة لفصيل أخر فيُتَهَم بأنه أقل منه ثورية او حماسة او وطنية من أول دقيقة لعمر هذا البرلمان وكأنهم فى حالة من الخبث والدهاء جعلتهم يرمون بأنظارهم الى معركة مجلس الشورى الانتخابية والتى هى على الأبواب فكل منهم يريد أن يحقق بهذه المزايدات اهداف تسويقية له ولتياره السياسى. مزايدات خرجت عن منطق العقل والاعراف والثوابت البرلمانية وكأنهم يتشبهمون بالمريض الذى تعجل الشفاء فأراد أن يشرب الدواء دفعة واحدة. وبالطبع كانت ابرز هذه المزايدات الخاصة بالمطالبة بالقصاص لدماء الشهداء.
تبارى كل تيار فى النوح البكاء والصياح ولم يتبقى سوى اللطم على الوجوه، تبارى كل منهم فى المزايدة على ضرورة القصاص بالطرق الثورية وليس القانونية فى المحاكمة بحجة طول المدة وتأخر القصاص. تخطى الجميع حدوده وحدود العدالة فاصبح قاضيا وأصدر حكما. طالبوا جميعهم بمطلب وبحكم واحد هو الاعدام للمتهمين تحت زعم الضرورة الثورية، فتعجبت لأمر كل تيار منهم. فالتيار الدينى الذى أصر بعض اعضائه على مخالفة نص القسم حتى يتوافق مع ما لا يخالف شرع الله، جميعهم انخرطوا فى حالة بكاء تضامنا مع النائب أكرم الشاعر الذى أدمى بكائه قلوب الجميع بسبب ما يعانيه ابنه مصعب وهو من مصابى الثورة، فنسى اعضاء التيار الدينى ان ولاءهم لله ولشرع الله وأن اهم مطلب لأولى الأمر فى الدولة الدينية والشريعة الاسلامية هو تطبيق العدل حتى ولو خاضوا فى سبيل ذلك حربا ضارية مع العلمانيين والخارجين عن شرع الله. اى عدل هذا الذى سيتحقق فى محاكمات ثورية لن يتسنى للمتهم فيها ان يدافع بحرية عن نفسه كى ينقذ رقبته وحياته، اى عدل هذا الذى يصدر الجميع فيه حكما قبل حكم القاضى بأن حكم الاعدام هو الحكم الذى سيريح القوب الدامية. وهل انتم يا حملة وحماة شريعة الله وخلفائه فى الارض تبتغون حق الله وشريعته ام تبتغون اراحة القلوب والاصوات الانتخابية، هل تنتهجون سياسة القصاص العادل ام سياسة رد الجميل للشهداء. ان كنتم جاهلين بالقانون فهناك مقولة لم يختلف احد على صحتها وعدالتها وهى المقولة القائلة: (لأن يفر ألف مجرم من العقاب خير من أن يدان بريء واحد(، وأن كنتم ستقولون بانكم متأكدون من ادانة المتهمين فهل انتم خير من اسامة بن زيد حينما قتل مرداس بن ناهيك؟ هل انتم خير من خالد بن الوليد حينما قتل عدوه؟ فكلا القتيلين نطقا بالشهادة قبل أن يقتلا ولكن اسامة وخالد كانا متأكدين من انهما نطقا بها تعوذا من القتل بل ان حالة خالد بن الوليد كانت اكثر واشد وضوحا فقد كان وعدوه فى مبارزة بالسيف ولو لم يقتله خالد لقتله عدوه ورغم ذلك غضب رسول الله اشد الغضب وأنبهما وقال لاسامة: قتلت رجلا يقول لا إله إلا الله كيف انت إذا خاصمك يوم القيامة بلا إله إلا الله؟! فقال اسامة: يارسول الله إنما تعوذ من القتل. فقال له الرسول: هلا شققت عن قلبه حتي تعلم اقالها خوفا أم لا وظل النبي يردد امامه وهو حزين أقتلت رجلا يقول لا إله إلا الله حتي قال اسامة: وددت أني لم أكن اسلمت إلا يومئذ ثم استغفرله المصطفي وامره بعتق رقبة ولم يكن عتاب الرسول لخالد أقل من عتابه لأسامة فما بالكم اذا ظلم برئ فى هذه المحاكمات الثورية هل ستجدون رسول الله مستغفرا لكم ؟ّّّّّ!! هل يكفى عتق رقبة لمحو هذا الذنب عنكم؟؟!! إن كان اسامة وخالد قدد فعلاها فقد فعلاها عن جهل أما انتم فلستم بجاهلين ولا يخفى عنكم الحدث والحكم. رأيت الدكتور سعد الكتاتنى رئيس المجلس الجديد وهو يصرح بأن جلسات البرلمان ستنحصر فى مناقشة أمر حقوق الشهداء ولن يتم مناقشة أمر أخر حتى الانتهاء من هذه المناقشات!! رأيت وسمعت هذا الأمر وتعجبت!! هل يبلغ الضعف والتملق للغاضبين فى الميدان هذا الحد؟؟!! اى حنكة سياسية تلك التى تنون أن تديروا بها دفة الأمور فى البلاد حتى نصل الى ير الأمان؟؟!! لقد ضحى الشهداء بأرواحهم من أجل خير هذا البلد وذلك امر بديهى لا ينكره حتى الجاحد ومطلوب منكم قدر المستطاع أن تحافظوا على حقوقهم وتحققوا ما استشهدوا من أجله، انكم بسياستكم المرتعشة هذه والمتملقة
رسالة أخيرة لجميع التيارات: لقد صوتنا لكم فى الانتخابات البرلمانية كى ننهض بالوطن ونبنى معا من اجل حاضر مستقر وغد أفضل، من اجل وطن أيا كانت رايته دينية او علمانية نحيا فيه بكرامة ويسعد فيه الأحياء وتطمئن أرواح الشهداء، افعلوا هذا وإن لم تفعلوا فنحن قادرون على أن نذهب بكم ونأتى بنواب غيركم
---
بقلم: أحمد شحاته