رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«عبد الوهاب- أم كلثوم- المؤامرة»

 

قال لي وهو يداري انفعاله: سأكشف لك مؤامراتٍ كُبرى تفضح زيفَ ما كان عليه معشوقاكَ، "أم كلثوم" و"عبد الوهاب".. فقلتُ له: "لديَّ استعدادٌ فطريٌّ لتصديق أية مؤامرة"..

فقال: "هل تعلم أن عبد الوهاب والنظام القائم على انقلاب يوليو عَقَدَا صفقةً ضمنية يشوبها الخبث؟.. نعم صفقة يُرسِّخ بمقتضاها موسيقار الجيل نوعًا معينًا من الغناء، يعتمد على مضغ الكلام العاطفي السَّاذَج بقصد تغييب الشعب عن كل ما هو مُعارض في البلاد المحروسة، مقابلَ أن يُمهِّد له رجال النظام، أو رجال الانقلاب، على حد قوله، أن يكون هو الموسيقار الأوحد وصاحب صك الاعتراف بأية موهبة غنائية، فضلا عن الهدايا والمزايا التي ستحوّله في وقت ما من ملحن ومطرب إلى سُلطة؟».. فقلتُ: «لكن عبد الوهاب كان سُلطة بموهبته الكبيرة قبل أن يُولد رجال انقلاب يوليو"..

اضطررتُ لاستخدام مصطلحاته خوفًا من إثارته، لكنه قال لي مُغيرًا الموضوع ومتجاهلا رأيي ومستهزئًا به: "وهل يمكن إنكار قيمة ملحن ومطرب كبير مثل محمد فوزي، إمكانياته وموهبته تفوق عبد الوهاب بمئات المرات؟".

فقلتُ: "لا شكَّ أن فوزي موهبة كبيرة، لكن العمر لم يُمهله لينجز أكثر مما أنجز".

فقال: "الصفقة الضمنية التي عُقدت في الخمسينيات بين رجال الانقلاب وعبد الوهاب كان من بين بنودها القضاء على فوزي بتأميم شركة الأسطوانات، مصر فون، التي أسّسها فوزي العصامي بمجهوده"، وأكد لي أن "فوزي مات متحسرًا على مجده الذي بدأ في الانهيار، حيث أُصيب بمرض مجهول مات بسببه في أواسط الستينيات؛ ليظل عبد الوهاب وحيدًا على عرش موسيقى محبوسة في منطقة الغراميات".

لم تُعالج دهشتي الهادئة انفعاله وحقده بسبب تلك المؤامرات، التي دُبِّرت ضد شعب يحب الغناء ويعيش عليه ويصدقه ويتصور مستقبله وأحلامه من خلاله مطربيه من قِبَل نظامٍ أراد أن يقوّض تجربة الغناء المصري صاحب القضية، والتي اتَّسمت بالتعددية بعد رحلة في بلاد المعجزات، لم تستمر طويلا، نظرًا لرحيل قائد

الرحلة، سيد درويش، مبكرًا.

وقال لي: "ولم تختلف أم كلثوم كثيرًا عن عبد الوهاب، فقد أتت من إقليم بعيد لتقف في بؤرة الأحداث وتداهن الملك وتدوس على أي صوت يهز عرشها.."

حدث هذا، والكلام للصديق، مع أسمهان في البداية ثم سعاد محمد، التي يُعدُّ صوتها "أهم كثيرًا من صوت أم كلثوم"، فقلتُ له: "لكن أم كلثوم لم يُعترف بها في مصر فقط، بل في العالم كله، واعتبروها ظاهرة صوتية غير متكررة، بالإضافة إلى قدرتها الخارقة على تكوين مؤسسة فنية في زمن لم تكن فيه مساحة لمثل هذه الاختراعات".

فقال لي: "عيبنا الكبير أننا نصنع تماثيل ونعبدها، وإذا لم نعبدها فإننا نصدق الخرافات التي تُروى عنها مثلما حدث مع الهرم وعبد الناصر".. فقلتُ: "لكنني لم أكذبْك في حرف مما قلتَ".. فقال، وقد نفرت عروقه غضبًا من شيء لم أحدده: "لكنك لن تصدِّقني أبدًا".

كانت هذه المحاورات أمام إحدى بوابات القاهرة الفاطمية في ليلة من ليالي رمضان، وجماهير غفيرة متجمعة أمام محل ساندويتشات شعبي، جذب جماهيره بهدير أغنية لشعبان عبد الرحيم، سيد الأغنية في هذا الزمان، فنظر كلٌّ منا إلى الآخر وانفجرنا في ضحك هستيري يغلفه مسحة يأس، ولم نسأل عن سبب ضحكنا في هذا الزحام لئلا نتوقف عنه.