عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تحولات سعد الدين إبراهيم.. و«الزهايمر» الفكري!

يأبي الدكتور سعد الدين إبراهيم، أستاذ علم الاجتماع ورئيس مركز ابن خلدون، إلا أن يظل في قلب المهد مهما حدث، بشكل لا يسمح له بأن يتجاوزه بأي حال من الأحوال، والمتابع للمسيرة الفكرية والعملية للدكتور سعد لابد أن ينتابه قدر من الحيرة بشأن هذه المسيرة وتحولاتها الفكرية التي تفتقد لأبسط مبادئ الاتساق،

وفي تحول يثير العديد من التساؤلات خرج علينا الدكتور مؤخراً بموقف يبعث علي الدهشة يتمثل في تأكيد تعاطفه مع مبادئ الإخوان وأنه كان مرتبطاً بهم في طفولته عندما كان يذهب لشعبة الجماعة في المنصورة!

ورغم ما يذهب إليه الكثيرون من اتسام مسيرة الدكتور بما يصفونه بالنقلات الفكرية الحادة، إلا أن هذه النقلات لابد لها في النهاية من شاطئ تستقر عنده.. حدث ذلك بالنسبة لكثير من رموزنا الفكرية والثقافية.. غير أنه يبدو أن الدكتور سيظل في حالة سياحة فكرية من اليمين للشمال ومن الشرق للغرب، ومن الأمام للخلف والعكس، هكذا حتي آخر لحظة يعيشها في الدنيا! رغم أنه أوان استقراره فكرياً قد حان منذ زمان فالرجل تجاوز السبعين عاماً ويزيد! وبقدر ما ينبئ ذلك عن نوع من المرونة، إلا أنه يشير في الوقت ذاته إلي حالة من السيولة الفكرية التي لا يصبح معها لأي موقف أو فكر أي معني! وأنه أصبح وعاء لكل فكر، علي نحو يذكرنا بأبيات ابن عربي التي يشير فيها إلي أنه أصبح بوتقة لكل العقائد حين راح يقول:

لقد صار قلبي قابلاً كل صورة.. فمرعي لغزلان ودير لرهبان

وبيت لأوثان وكعبة طائف.. وألواح توراة ومصحف قرآن

لا نريد الإبحار بعيداً غير أنه قد يكون من الضروري الإشارة إلي أن سعدا كان من المتحمسين لثورة يوليو، أو ناصري الهوي وهو ما أتاح له أن يكون أحد المبعوثين المصريين للولايات المتحدة، غير أنه انقلب عليها بمواقفه التي اتخذها هناك، حدث أمر مماثل مع الرئيس السادات ولكن بشكل عكسي فرغم أن سعداً كان من معارضي السادات إلا أنه راح بعد وفاته يعيد تقييم موقفه لينصف الرجل في كتاب أصدره عام 1992 بعنوان «إعادة الاعتبار للرئيس السادات» باعتبار أن الرجوع إلي حق فضيلة!

علي المنوال ذاته، يمكن أن نتابع مسيرة سعد مع نظام مبارك فقد بدا أنه من مؤيديه ثم تحول لمعارضته ثم تحول إلي إمساك العصا من المنتصف حين راح وسط صعود مشروع التوريث وتزايد الرفض الشعبي له يوقع علي استمارة حق جمال مبارك في الترشح لرئاسة الجمهورية، ولكن الرجل ـ بأمانة ـ اعترف بخطئه مقراً بحقيقة أن «كل ابن آدم خطاء»، وهكذا تشبه مواقف ابن خلدون العصر ـ مع الاعتذار لمفكرنا القديم ـ البندول في حركته يميناً ويساراً وإن كانت ميزة البندول أنه يتحرك وفق ضابط ورابط

معين الأمر الذي نفتقده في حركة الدكتور سعد!

واستمراراً لمسيرته في التحولات الفكرية الحادة كان موقف الدكتور الممالئ للإخوان رغم أنه هو ذاته الذي كان يحذر، حتي شهور قليلة مضت، من خطرهم الأكبر واختطافهم للثورة حسب تعبيره الأثير لدي نفسه! التي لم يشاركوا بها سوي بعد يومها الرابع! وقد تمادي في التحذير إلي حد إشارته أن إجراء الانتخابات البرلمانية في ظل عدم وجود تنظيم لشباب الثورة والقوي الوطنية، يعني أن الإخوان هم القوة الوحيدة التي تستطيع أن تصل إلي الحكم وتؤمم السلطة لصالحها! بل إن سعداً راح يشن هجوماً حاداً علي المجلس العسكري متهماً إياه بالتواطؤ ـ هكذا حسب توصيفه ـ مع الإخوان!

الغريب أن الدكتور سعد الذي ملأ الدنيا ضجيجاً بتحذيره من الإخوان علي مدي الشهور الأولي للثورة ثم راح يعلن تعاطفه معهم هو ذاته الذي رتب ـ حسبما ذكر بنفسه ـ قبل سنوات في القاهرة لقاءات ضمت مسئولين وسفراء أمريكيين وأوروبيين وقيادات في جماعة الإخوان! فعلي أي أساس كانت تلك اللقاءات؟ هل علي أساس الطبيعة الشريرة للإخوان، أم علي الأساس الطبيعة الخيرة؟ ولمصلحة من؟ وهل تمت لمصلحة أمريكا وأوروبا أم لمصلحة الإخوان أم لمصلحة مصر؟

ومع التحول الأخير، لم نعد نعرف هل يمكن أن نصادق علي صفة.. سعد الأمريكاني.. كما أطلق الكاتب مصطفي بكري علي الدكتور ذات يوم علي خلفية ميوله الأمريكية، أم سعد الإخواني علي خلفية توجهاته الجديدة! وما هو المدي الزمني الذي ستستغرقه كبسولة التعاطف مع الإخوان التي تعاطاها الدكتور؟ وهل هذه مواقف حقيقية يتبناها انتصاراً للحقيقة والعلم الذي أضاع حياته في الجري وراءه؟ أم هي مواقف براجماتية باعتبار أن الإخوان قد يكونون الورقة الرابحة في مستقبل مصر؟ أم هو نوع من الزهايمر الفكري والذي بمقتضاه ينسي الدكتور اليوم ما قاله بالأمس؟