رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خطيب الجمعة.. وغباء الصحفيين

أكاد أكون قد مللت من انتقاد بعض خطباء الجمعة سواء بالكتابة.. أو في سري، حرصا على عدم تكريس صورة سلبية عن مواقفي تقدمني على أنني ضد الدين رغم أن تصوري عن نفسي أنني أكثر إسلاما من كثيرين وأتمنى ألا أكون بذلك ممن يزكون أنفسهم، فقد فاق الأمر الحد من خطيب الجمعة الذي أحضر له كل أسبوع وكم من مرة فكرت في التوجه إلى مسجد آخر غير أني عدلت عن رأيي باعتباره يزودني بصورة عن المواقف الغريبة لبعض الخطباء ومن منطلق رصد مثل هذه الظواهر وتأثيرها في المصلين.

كانت البداية ما يمكن اعتباره حجراً كبيراً ألقى به الخطيب في وجهي أنا شخصيا حينما راح يتحدث عن غباء الصحفيين الذين راح أحدهم يفتى عن غير علم بالقول بأن الحج ليس له ميقات معلوم وأنه يمكن أن يتم على مدى شهور العام انطلاقا من الآية الكريمة التي تقرر : «الحج أشهر معلومات».. وبعد وصلة من الانتقادات التي لم يجد معها ابني الأصغر سوى النظر إلى وجهي وكأنه يستحثني على الرد راح الخطيب يؤكد أن «الحج عرفة». مما يعني أن هذا النسك له وقت محدد لا يمكن تجاوزه. ليس لي ناقة ولا جمل مع هذه المعركة ولكن إذا كان أحد الصحفيين قال بهذا الرأى فلماذا يتم سحب موقفه على كل الصحفيين ونعتهم بالغباء على هذا النحو؟ ثم هل صفة الغباء هي التي تصلح لمثل هذا الموقف أم الفتوى بغير علم وخوض بعضهم - الصحفيين - فيما ليس لهم أن يخوضوا فيه.. وغير ذلك من توصيف يبعد عن هذه الفجاجة في نقد الآخر. هذا بافتراض أن من قال ذلك أحد الزملاء من الصحفيين وبهذه الصيغة.
ما علينا.. فالإساءة لقطاع مهني قد يمكن تحملها غير أن الإساءة للعقل هي الأمر الذي قد يفوق التحمل.. فقد راح الخطيب يقدم بعض الأطروحات الغريبة التي ما أنزل الله بها من سلطان. كان السؤال الذي يرد في ذهني هو كيف يمكن أن أحمي عقل أولادي الذين حضروا معي الصلاة وأولاد غيري من تصديقها والتأثير فيهم وتشكيل صورهم الذهنية عن القضايا التي يتناولها.
فقد راح الخطيب الجهبذ يتحدث عن حيلة شيطانية التوصيف من عنده وليس من عندي تلجأ اليها السلطات السعودية مع بداية كل شوال وهي مضاعفة سعر تذاكر الطيران لكي تحد من عدد الحجاج. لست في مجال الفتوى بغير علم لكن من المعلوم لكثير الأسفار بالضرورة أن سياسات أسعار التذاكر تتحدد بناء على مواسم وغير ذلك بما يعني أن الأمر غير مرتبط بالمرة بالحد من عدد الحجاج. ولو افترضنا صحة ذلك فألا فقد يكون إجراء رشيدا للتخفيف من الازدحام الذي أصبح يؤثر بالسلب على موسم الحج مما يستدعي وضع ضوابط تتيح الحد من التدفق الضخم للحجاج الذي قد يؤدي لكوارث لو زاد على حد معين كما في حوادث التزاحم وغير ذلك رغم مشاريع التوسعة التي تقوم بها المملكة.
وإذا لم أكن في وادي

الدفاع عن السعودية.. فماذا نقول فيما ذهب إليه الخطيب من التشكيك في أسباب عدم بناء الجسر بين مصر والسعودية باعتباره يصب في هذا الهدف الحد من الحجاج وأن أمريكا وإسرائيل تقفان وراء مثل هذا الأمر. أعلم أن هاتين الدولتين تضمران لنا كل الشر ولا تتمنيان لنا أي خير لكن أن ننسب إليهما كل موقف وكل سوء يلحق بنا فهذا أمر معناه تغييب العقل. وأما العجب فهو تأكيد الخطيب على أن هاتين الدولتين تقفان بالمرصاد لكل من يسعى لازدهار الدين وتطبيق الشريعة وما حادث قتل الملك فيصل واغتيال السادات سوى مثال لذلك .. قد نتفق مع الخطيب في شأن الملك فيصل ولكن هل يمكن القول إن اغتيال السادات تم بترتيب امريكي لأنه يناصر الإسلام؟ وكيف يمكن قبول هذا الرأى مع حقيقة أن السادات كان الرئيس المصري الأكثر قربا من الولايات المتحدة .. بل كان يجري اعتباره من وجهة النظر الأمريكية «كنزا استراتيجياً» على غرار مبارك بالنسبة لإسرائيل!
ويبدو أن الخطيب يكن كراهية خاصة لهاتين الدولتين أمريكا واسرائيل  كما هو شأن الكثير من العرب والمسلمين، وهو أمر قد يكون مفهوما في سياق سياسات هاتين الدولتين التي تلحق أكبر الاضرار بالحقوق العربية، غير أن المشكلة هى نمط التعبير عن هذه الكراهية ومن على منبر خطابة حيث راح يصب عليهما لعناته داعيا المسلمين للتأمين على دعواه بالهلاك على الصليبيين واليهود رغم أنف البعض في إشارة على ما يبدو لتنبيهات وزارة الأوقاف بالبعد عن هذه الصيغ في خطب الجمعة.
مرة ثانية وثالثة.. هذا خطيب «أوقافي».. وجاء بعد تطبيق سياسة الوزارة تأميم الخطابة في المساجد.. ويؤكد هذا ان المشكلة ليست في التأميم بقدر ما هي في توفير الخطيب الواعي الذي يجمع.. لا يفرق، الذي يغرس روح التسامح.. لا قيم الكراهية، الذي يرفع من قيمة العقل.. لا يسعى لتغييبه. بهذه الأسس فقط يمكن أن نضمن خطبة جمعة تعزز دور المسجد في التوجيه السليم لخلق وقيم المسلمين.

[email protected]