رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هل الإخوان كفرة؟!

مناسبة هذا السؤال ما بدأ يثور في بعض الأوساط حول هذا الأمر, والذي يعكس تحولاً في موقف بعض القوى المدنية التي أصبحت تنافس نظيرتها الدينية في توزيع الاتهامات بالكفر. فقد فوجئت بمقال لأحد الكتاب في صحيفة مصرية (محمود الكردوسي – جريدة الوطن الصفحة الأخيرة – الأربعاء 18 ديسمبر) يتهم الإخوان بالكفر، مؤكداً أن «هؤلاء الكفرة، الإرهابيون، استنفدوا كافة الحلول ولم يعد ينفع معهم سوى حلول القرون الوسطى».

وبغض النظر عن اللغة التي كتب بها صاحب هذا الاتهام كلماته - ومن الواضح أنه كان في إطار حالة نفسية وعصبية عالية دعته للكتابة بهذا المستوى الذي يستدعي التوقف عنده - فإن  ما يهمني هنا ليس صحة الاتهام من عدمها، فذلك أمر مرده إلى الله، وإنما دلالة توجيهه على الحالة العامة التي نعيشها في الوقت الحالي في مصر.
أعرف أن الاتهامات التي وجهت للإخوان عديدة بدءاً من استخدام العنف والإرهاب مرورا بتراجع مكانة الوطن في فكرهم وليس انتهاء بكون مؤسس الجماعة وبعض أعضائها كانوا ضالعين في جماعات ماسونية، وكذلك كونهم ينتمون إلى فئة خوارج هذه الأمة.. غير أني لم أسمع أو أقرأ أبدا عن توجيه الاتهام للإخوان بالكفر.
إن هذا النوع من التفكير يعكس حالة الاستقطاب الشديدة التي نعيشها والتي تسعى لنفي الآخر تماماً من الوجود.. وهو الأمر الذي يجب تجاوزه لمرحلة جديدة من البناء وليس الهدم.. وإذا كان كاتباً مستنيراً مثل الكردوسي يدعو لحلول على طريقة القرون الوسطى قد تشمل ضمن ما تشمل محاكم التفتيش وصكوك غفران للمواطنين بالإيمان وعدمه وذبح وتقتيل وما شابه ذلك.. فماذا ننتظر من أناس فكرهم منغلق يتسم بالعنف.. وهم كثيرون في الساحة المصرية الآن؟
في تقديري، إن تداعيات ما بعد ثورة يناير بغض النظر عن اختلاف الأحداث كشفت عما يمكن وصفه بطبيعة الشخصية المصرية سواء في معارضة النظام القائم أو في تأييده. خذ مثلاً تفاصيل أحداث الثورة على نظام مبارك خلال الـ 18 يوماً الأولى من عمر الثورة.. لقد تضمنت المظاهرات ما تضمنته من قذف بالحجارة وحرق سيارات شرطة ووقوع أعداد كبيرة من القتلى على نحو لا يكاد يختلف كثيراً أو قليلاً عما شهدناه بعد ذلك في مظاهرات ضد من حل محل النظام الذي تمت الثورة عليه. لقد شهدنا نفس الأحداث في الانتفاضة التي جرت ضد المجلس العسكري وجرت فعالياتها في التحرير أو أمام وزارة الدفاع وغيرهما.
وحتى في مظاهرات الأقباط التي جرت أمام ماسبيرو في أوائل الثورة فإنها استنسخت مظاهرات التحرير ولم تختلف عنها في شىء – وهو ما أشرت إليه من قبل في مقال وقتها – سوى في رفع الصليب.. لولا ذلك لتصورت أنها مظاهرة لعموم المصريين وليست لفئة واحدة منهم فقط.
وعلى النحو ذاته كانت المظاهرات ضد حكم مرسي حيث شابها قدر كبير من الأحداث التي وسمها العنف من الجانبين

«السلطة» و«الجماهير»، ووصلت حد إغلاق بعض دواوين المحافظات بالجنازير وقيام مجموعة مثل البلاك بلوك بتعطيل المترو وغير ذلك. وهي الممارسات التي يستنسخها المنتمون لتنظيم الإخوان في الوقت الحاضر وبشكل أكثر ضراوة.
وإذا كان لذلك من دلالة فهو أن جانباً كبيراً مما نشهده، على صعيد التعامل السياسي وفي الشارع إنما يعكس طبيعة الشخصية المصرية بكل إيجابياتها وسلبياتها.. بكل طيبتها وانتهازيتها.. ليس في ذلك فارق كبير بين المنتمي لهذا التنظيم أو تلك الجماعة أو هذا الحزب أو تلك الحركة.. ولعل آخر هذه المظاهر تهمة التكفير التي نشير إليها في هذه السطور. والمشكلة أننا بذلك نحفر بيدنا قبراً كبيراً لهذا الوطن دون أن نأبه إلى أن للاحتجاج قواعده وللثورة التزاماتها وللخصومة السياسية أدبياتها.. وبفضل هذا التناحر أصبحنا نتحرك إلى اللامكان.. إلى المجهول الذي قد نندم عليه جميعاً.
إن الاختلاف في الرأي ليس جريمة والرد عليه لا يجب أن يكون بأي حال من الأحوال التخوين أو التكفير بدون بينة أو دليل. وإذا كنا نعيب على بعض الجماعات الدينية استخدام سلاح التكفير، فمن الغريب أن نلجأ نحن ككتاب أو بعضنا للسلاح ذاته وإن اتسع نطاقه هذه المرة ليصبح تكفيراً مزدوجاً دينياً وسياسياً.. في دولة يحاكم فيها البعض - حالياً - جنائياً بتهم تشكيل تنظيمات تكفيرية.
وإذا كنا نعيش أجواء محمومة الدعوة للتعقل فيها ليست واردة وهو ما يؤكده الكردوسي بقوله: «لا تحدثني عن عقل أو منطق» فإننا بمثل هذا الفهم الذي تعكسه هذه الكلمات يجب أن يزيد خوفنا على مستقبلنا، خاصة أن هذه الرؤى من المتوقع لها التسيد في الفترة المقبلة في ضوء حالة التوافق التي تعكسها رؤى الكاتب مع التوجهات السياسية للنظام القائم. هل هي «زلة قلم».. هل هي حالة كتابة فرضتها اللحظة؟ أتمنى ألا تتجاوز ذلك، فأصحاب الأقلام أبعد ما يكونون عن التفتيش في الضمائر.. ذلك هو يقيني والله أعلم.
[email protected]