عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نعم للموت حرمته.. ولكن!


نعرف، ويعرف الكثيرون، أنه في مصر يتم تسجيل ما يزيد على الأحد عشر ألف حالة انتحار سنويا.. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل الحالات القليلة التي تمت بالانتحار حرقا على مدى الأسبوع الماضي يمكن أن تدرج ضمن هذه الحالات؟ هذا هو السؤال الذي يحاول البعض أن يجعله مثار جدل بتأكيده على أنها حالات انتحار عادية لا ينبغي التضخيم في تناولها. فالدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب يؤكد أنها حالات شخصية، وآخرون يدعوننا إلى مراعاة حرمة الموت، ونسوا أن يدعونا كذلك إلى "ذكر محاسن موتانا"! مستنكرين أن ترتقي أخبار هذه الحالات إلى الصفحات الأولى للصحف. وجاءت أحداث يوم الغضب أمس لتمثل إجابة صريحة لكل من يحاول التشكيك في تفسير هذه الحالات في مصر.

سؤالنا هو : إذا لم يكن للأمر علاقة بثورة تونس، فبماذا نفسر ما حدث؟ ولماذا تزايدت حالات الانتحار حرقا ليس في مصر فقط إنما على امتداد عدد من الدول العربية؟ على الصعيد المصري نتساءل : إذا كانت محاولة الانتحار الأولى هي لصاحب مطعم يريد زيادة حصته من العيش، حسب تأكيدات الدكتور سرور، وهو سبب شخصي بامتياز، فهل يفقد ذلك الحادث دلالته؟ إجابتنا التي تعكس ما نراه بعيدا عن محاولات التزييف السياسي أنها:  لا.. ذلك أن مجموع الأسباب الشخصية، حسبما تعلمنا، والدكتور سرور أستاذنا في ذلك، هي الأسباب العامة. ولتوضيح ما نود الإشارة إليه نقول إن أعضاء مجلس الشعب الذي يتولى سرور رئاسته لم يصلوا إلى مناصبهم سوى من خلال صوت واحد لكل مواطن، على النحو الذي يجعلنا نقرر أن الشعب انتخبهم.. فمجموع الأصوات هى الشعب في حين أن من أدلى بصوته هو فرد فرد.. وليس هناك كيان ملموس يمكن الإمساك به والقول بأنه الشعب. وعلى المنوال ذاته فإن مجموع حالات الانتحار لأسباب شخصية هنا هي انعكاس لحالة سخط ومظالم عامة اقتصادية أو اجتماعية أو حتى سياسية لا يمكن النظر إليها في التحليل الأخير سوى على أنها تعكس تقليدا لما جرى في تونس.

قد يكون التقليد أعمى ويفتقد المنطق، وقد لا يأتي بتأثيره باعتبار أن "كيمياء الثورة" التي حدثت في تونس لا تتوافرعواملها في مصر، أوأنها تتوافر ولكن لم يحن الأوان لتفاعلها بالشكل الذي يتيح تكرار ما حدث في تونس. كل هذا شيء ومحاولة التقليل مما يحدث شيء آخر. نعلم أن هدف من يقولون بذلك هو محاولة احتواء مناخات ما قد يكون ثورة مختمرة في العقول بدت إرهاصاتها في الشارع في المظاهرات التي اجتاحت مصر كلها أمس الثلاثاء، وهو أمر يمكن تفهمه من قبل من يعتبرون أنفسهم أركان نظام لا بد أن يدافعوا عنه.

السؤال الذي نراه جديرا بالمناقشة من قبل المؤيدين والمعارضين على السواء في مصر هو: لماذا كان

السؤال المحوري الذي فرض نفسه بعد ثورة تونس هو التساؤل حول الدولة التالية التي يمكن أن تمتد إليها هذه الثورة؟ ولماذا كانت مصر على قائمة الدول المرشحة لذلك وتأتي بعدها دول أخرى مثل الجزائر وموريتانيا والأردن .. وغيرها من دول عربية؟

لماذا لم يتوقع البعض أن يكون الدور التالي على دولة مثل باكستان مثلا أو الفلبين؟ أو إسبانيا..؟ ولو أن الدول العربية التي كثرت التحليلات بشأن توقع امتداد الثورة إليها كانت محصنة وغير هشة فلماذا القلق؟ تخيل أن يخرج علينا محلل مثلا ليقول لنا توقعوا أن تمتد ثورة الياسمين إلى الولايات المتحدة! أتصور أننا سنسخر منه ونضحك حتى نستلقي على أقفيتنا من الضحك. لا لشيء إلا لأننا سنرى ذلك ضرب من الخيال!

مؤدى ما سبق أن بيوتنا – أو بيتنا المصري أو العربي بمعنى أصح – من زجاج، وهو ما يفرض علينا تحصينه، من خلال تعلم الدرس من تجربة تونس وليس في ذلك عيبا أو أي شبهة بالحرمانية! أما محاولة اختزال ردود الفعل الانتحارية بالحرق إلى مستوى أفعال شخصية أو اضطرابات نفسية لأصحابها .. فليس سوى نوع من التبسيط .. ليس المخل فقط..  وإنما هو أشبه بالنعامة التي تخفي رأسها في الرمال حتى لا ترى الخطر الماثل أمامها. فالمنتحرون لدينا – على عكس ما يحاول البعض أن يؤكد – لديهم قضية، والإعلام بكل مستوياته عليه واجب متابعة قضاياهم عملا بالدرس الذي لا بد أن كل صحفي قد تعلمه وهو أنه إذا عضه كلب فإن ذلك ليس بخبر أما إذا عض الرجل كلبا فهذا هو الخبر.. وحوادث الانتحار حرقا ليست أقل من هذه النوعية الثانية من الأخبار. وقد يكون عزاؤنا في النهاية أن انتحار أفراد أفضل في كل الأحوال من "انتحار وطن" .. الأمر الذي نتمنى ألا نصل إليه!