رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هذا ما خسرته مصر مع إثيوبيا والسودان


ما فعله اتفاق المبادئ الجديد أن أعاد مصر شريكاً في المياه..  وفي السد.. وفي التنمية

الذين يهاجمون الاتفاقية التى وقعتها مصر مع إثيوبيا والسودان  لا يقنعون ... والحديث عن نهاية المعركة حديث غريب ... والحديث عن خسائر مصر فى الاتفاقية أغرب ... لأن مصر لم تكن تملك شيئاً حتى تخسره ... فإثيوبيا تبنى السد دون توقف ... وشركات الدراسات الفنية جزء من شركات الدراسات الإنشائية ... ولن تعطينا تقريرا يسبب لها خسائر ... والشركة التى تبنى السد لديها خبرة واسعة ... وكل ما كان يدور فى إعلامنا معلومات مغلوطة لاستهلاك الوقت حتى نفيق على سد مبنى ... يحجز خلفه المياه التى تتدفق فى شريان الحياة فى دولتى المصب .
وحتى نعلم أن مصر خرجت من هذا الاتفاق بمكاسب تعالوا نقرأ الأزمة قبل الاتفاق ... والوضع بعده:
ما لا يعرفه الكثيرون أن  إنشاء السد لم يكن مفاجأة بالنسبة لنا ... ففكرة السد العظيم مطروحة من بدايات النصف الثانى من القرن الماضى ... وفى عام 1959 أرسلت أمريكا أكثر من 100 خبير إلى الأراضى الإثيوبية  لدراسة بناء السد ... وكان الهدف هو تأديب مصر على رفض الشروط الأمريكية لتمويل بناء السد العالى ... وتأميم قناة السويس ... واتجاه عبد الناصر شرقا ... ولم يمنع استكمال المشروع يومها إلا ارتفاع تكاليفه ... إضافة إلى قوة المد المصرى فى أفريقيا فى الحقبة الناصرية  ... وهى الحقبة التى كانت العلاقات المصرية الإثيوبية فى قمتها ... وكانت الصداقة بين عبد الناصر فى مصر ... وهيلاسولاسى امبراطور إثيوبيا قوية لدرجة أنهما تشاركا فى إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية.
فى الحقبة الساداتية ... انشغل أنور السادات بالداخل ... وكان الإعداد لحرب 73 همه الأول ... ولم يعط السادات اهتماماً كبيراً لأفريقيا بما فيها إثيوبيا ... بعد انتصار أكتوبر ... كشف السادات عن نيته تحويل جزء من مياه النيل إلى سيناء وحتى مدينة القدس ... الأمر الذى دفع بالعلاقات المصرية الإثيوبية إلى حافة الهاوية ... ولجأت إثيوبيا لتقديم شكوى رسمية ضد مصر لمنظمة الوحدة الأفريقية ... واتهم مانجستو مصر بإساءة استخدام مياه النيل ... وتوعد الرجل مصر بانتقام لم يحدده ... ولم يمهل القدر السادات وقتاً يصلح فيه ما أفسدته خططه الطموحة بتحويل المنطقة إلى منطقة سلام ... ففارق الحياة دون أن يزور إثيوبيا ... ولا معظم دول حوض النيل العشر.
ورغم طول الفترة التى حكم فيها حسنى مبارك ... إلا أن العلاقات المصرية الإثيوبية تدهورت بشكل ملحوظ فيها ... وزاد من التدهور تلك المحاولة الفاشلة لاغتيال مبارك بمجرد وصوله أديس أبابا فى رحلة ( لف يابنى وارجع) الشهيرة عام 95 ... وعلى إثر هذه المحاولة وظهور ميلس زيناوى على رأس الحكومة الإثيوبية ذهبت العلاقات بين البلدين إلى أبعد نقطة ... وتبادل المسئولون فى البلدين أحاديث بنبرة تحد فى موضوع بناء سد النهضة. وقبل رحيل مبارك عن الحكم ... نجحت إثيوبيا فى جمع دول المنبع فى حوض النيل ووقعوا اتفاقية جديدة في «عنتيبي» لإعادة توزيع حصص مياه نهر النيل دون دعوة مصر والسودان.
أما فترة مرسى فقد ساءت العلاقات بين الدولتين لدرجة أن الرئيس الإثيوبى لم يكتف باستقبال مرسى استقبالا مهينا ... فقطع كلمته أمام القمة الأفريقية بعد 3 دقائق من بدئها ... وبمجرد عودته عقد مرسى الاجتماع السرى الشهير الذى أذيع على الهواء ونقل للعالم أجمع أن مصر تتآمر على إثيوبيا.
كل هذه الأحداث تؤكد أن مصر لم يكن لديها ما تخسره مع إثيوبيا ... خاصة أن أديس أبابا نجحت فى استمالة السودان إلى جانبها بصفقة إمدادها بالكهرباء الناتجة عن السد ... وكان السودان قد  فقد إمدادات البترول بفعل انفصال دولة جنوب السودان عن الخرطوم.
قبل الاتفاق كانت مصر تصرخ وحدها من بناء السد ... وخطورته ... وتأثيراته ... وما فعله اتفاق المبادئ الجديد أن أعاد مصر شريكاً في المياه..  وفي السد.. وفي التنمية... كما أعاد رسم صورة مصر المتحضرة ... المتنورة  فى أذهان الأفارقة ... بعد الاجتماع الهزلى السرى المذاع على الهواء ... ففارق بين اجتماع تناول توافه الأمور ... وبدا اجتماعا لعصابة تخطط لسرقة دولة ... أو لخناقة بين

فتوات الحسنية وفتوات بولاق فى القرن قبل الماضى ... واجتماع بين رؤساء يملكون قرارهم ... ومسئولين يقدرون قيمة شعوبهم ... ويعرفون أن التنمية حق للجميع ... وأن الفتونة لا محل لها فى العلاقات الدولية ... وأنك تستطيع بالتعاون .... وبالشراكة أن تكسب أضعاف ما تتخيل أنك تكسبه بتخويف الآخرين ... وأن لغة الإرهاب التى قد تتبناها فى الداخل دليل إفلاس سياسى يضعف من موقفك فى الخارج.
... الاتفاق تضمن 10 مبادئ أو عناوين لمبادئ اشتمل بعضها على تفاصيل  ... كل المبادئ  تؤكد التعاون ... والمشاركة ... والاحترام ... والتشغيل المشترك ... وبناء الثقة ... والتنمية المستدامة ... والسيادة ... وأمان السد ... وتبادل المعلومات ... كل المبادئ تقول إن مصر والسودان شركاء لإثيوبيا فى السد ... ودراساته ... وتشغيله ... وإدارته .... كل المبادئ الموقع عليها تؤكد عدم الإضرار بحقوق الآخرين ... كل المبادئ تعطى لأطراف الإعلان الحق فى الاختلاف مع الآخرين لكن بشكل لا يخلق نزاعات وأزمات.
لكن إذا كانت إثيوبيا قد حققت كل هذه النجاحات ... فلماذا قبلت التوقيع على هذا الإعلان الذى يعيد مصر إلى المشاركة فى المياه؟ القضية ببساطة أن إثيوبيا لديها خطط تنمية ... وتحتاج إلى كل الدول التى تعتبرها صديقة ... والتى تمتلك خبرات تنموية أكثر من أديس أبابا ... كذلك فإن العلاقات بين الدول القريبة والمعروفة باسم ( جوار الجوار ) مهمة للغاية لمن يسعى إلى تنمية مستدامة ... على جانب آخر فمصر تمتلك خبرة طويلة فى إدارة السدود ... وفى توليد الطاقة الكهرومائية بفضل السد العالى  ... وإثيوبيا تحتاج إلى معاونة أصدقاء فى مثل هذا المجال ...  وتاريخ العلاقة والتعاون بين البلدين حقق نجاحات كبيرة، من ناحية ثانية  فإن نظرة على حجم الأمطار الذى تستقبله إثيوبيا فى العام يؤكد أن الاحتفاظ بهذا الكم الهائل من المياه على أرض دولة واحدة ضرب من ضروب المستحيل ... فموسم الأمطار فى إثيوبيا يبدأ فى أول يونية ويستمر حتى نهاية سبتمبر ... وتستقبل البلاد فى هذه الفترة ما لا يقل عن 700 مليار متر مكعب من المياه  ...  وليس لدى أثيوبيا مساحات من الأراضى الصالحة للزراعة ... كما أن إثيوبيا ليست دولة ساحلية حتى تستطيع التخلص من فائض المياه فى البحر ... وإن شاءت أو أبت لن تجد أديس أبابا بدأ من تصريف هذه المياه فى مجرى النهر .
لو أننا دققنا النظر فى إعلان المبادئ المصرى السودانى الإثيوبى لفهمنا أن مصر عادت تمسك طرفا من أطراف الخيط  ...  أننا استعدنا صداقة شعب ... وأصبحنا شركاء فى سد ... وكهرباء ... ونهر على الأراضى الإثيوبية ... بعد أن كنا نصرخ من أجل المياه فقط.

تباريح
لا حياة بدون ماء ... ولا أصدقاء بدون صدق

‏ Email:[email protected]