رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصر الأسيرة بين المشير والمرشد والرئيس والإمبراطور!!

سئل المفكر الفرنسى الكبير فولتير عن الذين سيحكمون العالم، فأجاب : "الذين يعرفون كيف يقرؤون "،.. ولقد صدقت نبوءة فولتير ومقولته فالمعرفة قوة، والعلم قوة، وكلاهما غالبا ما يأتيان بالسلطة والنفوذ، والذين يفهمون جيدا هم الذين يحكمون أيضا،..

لم يكن الأسكندر الأكبر أعظم القادة العسكريين فى التاريخ فقط لأن معلمه كان الفيلسوف الكبير أرسطو، ولكن لأن التلميذ الإسكندر هو الذى أشار إلى معلمه أنه من الأفضل أن يبقى موضوع نقاشهما ومحاوراتهما – المعرفة والفهم المركب – سرا لا يجب المشاركة فيه أو إفشاءه للأعداء لأن الصراع أو النضال من أجل الحياة يبدأ فى العقل ثم يتعزز بالقوة والعنف،.. إن التاريخ البشرى ملىء بمئات الملايين من الضحايا ليس بالضرورة لطبيعة النفس البشرية الشيطانية الأمارة بالسوء، وإنما ربما لأنهم لم يتسلحوا بالعلم والمعرفة، ولفشلهم فى أن يصبحوا متعلمين ومثقفين!،.. إن الصراعات فى العالم هى صراعات أفكار وعقول، وحين نسمح بتغييب عقولنا فإننا فى الواقع نصنع هزيمتنا بأيدينا.

الذين يعرفون كيف يقرؤون هم الذين يحكمون العالم، لكننا شعوب لا تقرأ إلا عناوين الأخبار ومانشيتات الصحف وبعض " تويترات " و " بوستات " وسائل التواصل الإجتماعى لذلك فنحن لا نفهم الكثير مما يحدث فى العالم ، بل وفى بلادنا فهما متعمقا، فعجزنا عن أن نحكم أنفسنا بأنفسنا حين تم نزع إستقلالنا وحريتنا بعد إخفاقنا فى تسليح أنفسنا بالمعرفة والعلم، وبعد أن سلبت أنظمتنا الإستبدادية حق المواطن فى معرفة  الحقائق والحصول على المعلومات الصحيحة!

وبعد إنهيار التعليم إلى الحضيض، وحدوث الإنقلاب فى قيم وأخلاق المجتمع وغياب الإنتماء وتخدير الضمير، وجدنا أنفسنا نعيش فى زمن أصبحت الخيانة فيه نسبية، والشرف مثل الولاعة الرونسون، والوطنية حسب سعر الدولار أو اليورو فى السوق، لكن الحقيقة أن الخيانة تظل خيانة تحسب بمقدار الضرر والألم الذى تسببه، والشرف لا هو ولاعة ولا عود كبريت، وإنما هو كلمة شرف وأخلاق وضمير ،.. والوطنية تحسب بمدى العطاء والتغيير الإيجابى لمصر لا بالهتافات والشعارات الجوفاء!.

لقد جرت فى مصر إنتخابات رئاسية شدت أنظار العالم، وأصبح لدينا رئيسا مدنيا منتخبا ، ومع ذلك يتساءل المصريون فى حيرة: من الذى يحكم مصر الآن؟!

هل يحكمها الرئيس الجديد محمد مرسى الذى لا يعرف حتى كتابة هذه السطور سلطاته وصلاحياته ، والذى يعتبر أول رئيس إخوانى يصل إلى سدة الحكم فى مصر وسط ذهول وصدمة أكثر من نصف عدد المصريين؟! أم هل يحكمها من خلف الستارالطبيب البيطرى محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الذى يهرع إلى زيارته فى مقره بالمقطم كبار الشخصيات السياسية الأمريكية والدوليه لخطب وده ومعرفة توجهاته ودون أن يعرف أحد فى مصر ما هى الصفة الدستورية والقانونية التى يتمتع بها حتى يحظى بكل هذا الإهتمام؟!!

من الذى يحكم مصر الآن؟!! هل يحكمها المهندس خيرت الشاطر الرجل الثانى فى جماعة الإخوان المسلمين والمسئول عن الشئون المالية والتخطيط الإستراتيجى فى الجماعة ، والذى أدلى مؤخرا بحديث لصحيفة " وول ستريت جورنال " الأمريكية قال فيه: 
" إن أولويتنا هى التحالف الإستراتيجى مع أمريكا الذى يمنحنا الشرعية الدولية "!!

أى تحالف إستراتيجى مع أمريكا؟!!  ومقابل إيه يا شاطر؟ ما هى الخدمات والتنازلات التى ستقدمها جماعة الإخوان لأمريكا وإسرائيل وعلى حساب من يا شاطر؟،.. أى شرعية دولية يتحدث عنها خيرت الشاطر؟ شرعية التأييد الأمريكى لإقامة دولة الخلافة الإخوانية فى العالم الإسلامى والشرق الأوسط؟! إن الخلافة الإسلامية لم تنشأ تاريخيا ولم تستمر إلا بالقوة والعنف والحروب، فهل هذا التحالف الإستراتيجى بين الإخوان والأمريكيين هو مقدمة لجولة جديدة وأكبر من الحروب الدينية بالوكالة فى الشرق الأوسط بين حلف شيعى بزعامة إيران وحلف سنى يتزعمه الإخوان المسلمون فى مصر لكسب المزيد من الرضا الأمريكى والصهيونى؟!!.

إن التحالف الإستراتيجى بين الولايات المتحدة الأمريكية والإخوان المسلمين هو أخطر بكثير على مصر من الصراع التقليدى القديم على السلطة بين العسكر والإخوان، وعلى المصريين أن يفيقوا قبل فوات الآوان!.

لقد وصل الرئيس الإخوانى محمد مرسى إلى كرسى الرئاسة فى مصر رضوخا لضغوط أمريكية وأوروبية مكثفة ، وبموجب صفقة تم إبرامها خلال إجتماع تم قبل إعلان النتيجة النهائية للإنتخابات بين المشير طنطاوى والمجلس العسكرى من ناحية وبين المهندس خيرت الشاطر من ناحية أخرى طبقا لتقرير إخبارى لوكالة رويترز، أقر فيه الشاطر بذلك، ودون أن يستطرد فيه بالحديث عن تفاصيل الصفقة!، وهل وصل الإخوان إلى حكم مصر ولو ظاهريا من خلال عقد إيجار أم تمليك أم حق إنتفاع فقط أم بوضع اليد؟!

إن المشهد السياسى فى مصر عبثى إلى أبعد الحدود، وبأكثر مما تتحمل أعصاب المصريين المشدودة والمتوترة أصلا،.. رئيس مصرى جديد كان رئيسا لحزب هو الذراع السياسى لجماعة دينية لا تؤمن بالديمقراطية ولم تكن ترغب أصلا فى إنشاء حزب سياسى هى جماعة الإخوان المسلمين !،.. رئيس مصرى جديد يتم إنتخابه فى ظل غياب دستور دائم للبلاد، وعدم وجود برلمان!. 

كل الدول التى اندلعت فيها ثورات جاهدت فى سبيل الإنتقال من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية لتحقيق الإستقرار المنشود، أما أن يحلف الرئيس المصرى الجديد اليمين فى ميدان التحريرأمام الإخوان على أنهم الثورة والشعب ، ثم أمام المحكمة الدستورية العليا فإن هذه إفتكاسة مصرية، وإزدواجية تشكل معضلة جديدة من شأنها أن تعصف بأى محاولة للإستقرار فى المستقبل!

إزاء هذا الكم من العبث والعشوائية والصراع الخفى على السلطة والصفقات المشبوهة، فإنه يتعين علينا فى هذا المقام أن نؤكد على عدد من الحقائق التالية:
إن المشير محمد حسين طنطاوى هو الرئيس الحقيقى والفعلى للبلاد، وأن فى يده كل السلطات،.. وهى سلطات شبه مطلقة هى نفسها التى كان يتمتع بها الرئيس المخلوع حسنى مبارك، فالمشير ومنذ الحادى عشر من فبراير 2011 هو رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة وهو القائد العام لقوات المسلحة وهو وزير الدفاع وهو ومعه أعضاء المجلس العسكرى الذين يملكون سلطة تشكيل الحكومة وإقالتها، وهو الحكم بين السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية!.  إن المؤسسة العسكرية فى مصر هى أقوى مؤسسة منظمة وغنية وهى التى تحكم مصر حكما مباشرا منذ خلع الرئيس مبارك ، وبطريقة غير مباشرة عن طريق رؤساء ينتمون للمؤسسة العسكرية منذ قيام ثورة يوليو 1952، والمشير حسين طنطاوى هو الرئيس الخامس لمصر وليس محمد مرسى،.. هكذا سيسجل التاريخ والمؤرخون،.. وهذه المؤسسة ورغم الصراع المرير على السلطة بينها وبين جماعة الإخوان المسلمين، إلا أنها فى الواقع تستغل الإخوان إستغلالا يصب فى المقام الأول فى مصلحة المؤسسة العسكرية التى تمتلك وتسيطر على مابين 25 إلى 40 فى المائة من الإقتصاد المصرى دون رقابة أو محاسبة برلمانية أو حتى ضرائب تدفعها للدولة، والمشير طنطاوى بما يتمتع به من سلطات يبذل قصارى جهده فى المحافظة على تلك المكاسب والإمتيازات الخاصة التى تتمتع بها المؤسسة العسكرية بإستخدام الإخوان كواجهة مقبولة للحكم داخليا وخارجيا، بينما مقاليد السلطة والحكم كلها فى يد جنرالات المجلس العسكرى الذين يرحبون بإدارة شئون الحكم الفعلى من خلف الستار!!.

فى الحقيقة لا يمكن فهم حقيقة ما يجرى بين المشير طنطاوى والرئيس مرسى أو بين المجلس العسكرى وجماعة الإخوان المسلمين بدون معرفة حقيقة علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بكل منهما!.
فخامة السيد الرئيس الفعلى المشير محمد حسين طنطاوى الرئيس الفعلى لجمهورية مصر العربية! ، .. فخامة السيد الرئيس محمد مرسى رئيس جمهورية مصر العربية!،.. هكذا يريد الأمريكان مصر: عملية شراكة وكش ملك مزدوجة تصب فى النهاية فى صالح تحقيق المصالح والأهداف الإستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية!.. إنها لعبة خطرة بين الأطراف الثلاثة : العسكر والإخوان والأمريكان تجد فيها مصر نفسها أسيرة بين المشير والمرشد والرئيس والإمبراطور الأمريكى!!.

إن زواج المشير والمجلس العسكرى من

الإخوان هو " زواج مسيار " وليس زواجا كاثوليكيا، وستظل العلاقة بينهما علاقة صراع على السلطة وتربص كلا منهما بالآخر، لكن المشكلة الحقيقية تكمن فى المصريين البسطاء وحتى من بين المتعلمين الذين لا يعرفون إلا النذر اليسير عن التاريخ الحقيقى لجماعة الإخوان المسلمين الذى يزيد عن ثمانين عاما، .. لازال عدد كبير من المصريين يتوسمون فى الجماعة خيرا فى حكمهم لمصر نظرا لإستمرار الجماعة فى التمسح بالدين وإستغلاله!

فى عام 2006 أدلى المستشار الجليل والمفكر الكبير محمد سعيد العشماوى بحديث صحفى مطول مع موقع " شفاف الشرق الأوسط" سئل فيه عن رأيه فى جماعة الإخوان المسلمين فقال:

- "هي جماعة ذات مقاصد سياسية غلفتها بشعارات دينية مأخوذة عن السلطان عبد الحميد الثاني السلطان العثماني الذي كان يلقب بالسلطان الأحمر كناية عن كثرة ما سفك من الدماء. فقد الغى الدستور الذي كان قد وضعه المتطلعون الى بناء تركيا الحديثة. وقال في ذلك: "نحن لسنا في حاجة إلى دستور مأخوذ عن الغرب، لأن القرآن دستورنا". كما الغى القوانين العصرية ليعود إلى حكم الفقه المتخلف وهو يقول في ذلك: "إن الشريعة نظامنا". وقد كان في ذلك يناور إذ أن القرآن خلو من أية آية تنظم العمل السياسي، والدستور معني اساسا بتنظيم وترتيب العمل السياسي".

وأضاف المستشار العشماوى قائلا :

" ولأن حسن البنا ابتدأ دعواه عن الاخوان المسلمين وعمره 22 عاما، وقد كان مدرسا في المدارس الابتدائية للغة العربية، فقد كان غرّا لا يعرف الفرق بين الشريعة والفقه، ولا يعرف منهجا محددا لتفسير آيات القرآن الكريم، ولا يعرف معنى للقوانين العصرية. ولذلك فقد احتمى بشعارات اخذها عن السلطان عبد الحميد الثاني كما قلت وهي: "القرآن دستورنا"، و"الرسول زعيمنا"، و"الموت في سبيل الله أغلى امانينا". وقد كان يهتم بالحشود أكثر مما اهتم بالجهود".

ثم إستطرد كاشفا حقيقة إستغلال الجماعة للدين وتسترها خلف الإسلام قائلا:

" ولم تقدم جماعة الاخوان المسلمين فقها ولا فكرا، وإنما تنظيمات تقوم على نظام عسكري أو شبه عسكري وتلتزم اسلوب السمع والطاعة ومن ثم صارت ايديولوجية تتمسح بالإسلام، في حين أنها سياسية وليست إسلامية. وقد فات الآوان لاصلاحها جذريا، لان ذلك لو حصل لفككها تماما. ولذلك هي تصلح كجماعة للتهييج والمعارضة أكثر منها حزبا للحكم والبناء. دليل ذلك أنها لم تعكف على وضع برامج لأي شيء كما سلف البيان، وتريد أن تصل الى الحكم على أن يتم حل كل مشاكل مصر بطريقة عشوائية تقوم اساسا على فكرة التجربة والخطأ. والتجربة في مصر الآن مستحيلة، لان هناك نظاما عالميا ترتبط به في كل النواحي. وحين تطلب جماعة الاخوان الاعتراف بها كحزب سياسي فإنها تتبع اسلوب التَّقية والايهام والمغالطة والمخالطة. ذلك لأن غايتها حاكمية الله، فهي تدعي بأن الله هو الحاكم الفعلي في حين أن الذي يقوم بذلك هو مكتب الارشاد. ومن ثم فهي إن كانت حكومة تكون حكومة كهنوتية، هذا مع أن الديمقراطية هي حكم الشعب، فكيف يمكن أن يسمح لجماعة تطالب بما يسمى حاكمية الله ان تدخل حلبة السياسة التي تدعو إلى حكم الشعب. إن ذلك إنقلاب واضح لنظم السلطة والنظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فى مصر. الذي يتكلم بغير ذلك يتكلم بدون حساب وبمنطق عاطفي ومعكوس".

هذا هو ما قاله المستشار القاضى سعيد العشماوى الملقب بشافعى مصر عن الإخوان منذ ستة أعوام وقبل أن يصلوا إلى كرسى الرئاسة فى مصر.

منذ ثلاثين عاما استخدم الأمريكان المجاهدين الأفغان فى محاربة السوفييت ووصفوهم بالمناضلين من أجل الحرية، وبعد إنتهاء الحرب وتفكك الإتحاد السوفيتى وصفهم الأمريكان بالإرهابيين، واليوم يستخدم الأمريكان الإخوان المسلمين فى تحالف إستراتيجى ليكونوا شوكة فى ظهر المؤسسة العسكرية والجيش المصرى لتحقيق أهداف ومصالح إستراتيجية أمريكية إسرائيلية فى الشرق الأوسط، وبعد أن يقوم الإخوان بالدور المنوط بهم على أكمل وجه سوف تنقلب عليهم الولايات المتحدة الأمريكية وتصفهم والدول العربية كلها بالإرهاب والتطرف، وتبدأ جولة جديدة من صراع الحضارات - الغرب المسيحى وإسرائيل والناتو ضد العالم الإسلامى الإرهابى المتطرف!

والسؤال الآن : هل ستكتفى الأغلبية الصامتة من الشعب المصرى بالتفرج على تنفيذ سيناريوهات شيطانية ستكون هى أول من يدفع ثمنها ويكتوى بنارها؟!،.. خير لنا جميعا ولمصر أن نعود إلى نقطة الصفر ونبدأ بالدستور أولا عن أن نستمر فى إرتكاب المزيد من الأخطاء التراكمية إلى أن يحدث إنقلاب عسكرى يطيح بالجميع فنعود إلى درجة عشرين تحت الصفر.

وأخيرا بعد إنقضاء ستين سنة على حكم الفرد والعسكر ، لايزال الشعب المصرى يبحث عن الزعيم الملهم المخلص!!، لذلك لن يحدث أى إصلاح حقيقى فى مصر إلا عندما يتحول الشعب المصرى إلى الإيمان بدولة المؤسسات والقوانين المجردة التى لا تعرف الأهواء وأطماع النفس البشرية ، لأنها كالروح أو الكهرباء، لا نراهما، لكنهما يؤديان عملهما فى صمت وحياد،.. إذن فلنحيى دولة القانون والمؤسسات ، ولتسقط ثقافة القطيع الإخوانية والسلفية الوهابية وإلى الأبد!! .

نريد علماء ومفكرين ومصلحين ، لا فقهاء فضائيات ومشايخ طرق، .. نريد تفرد وسبق وإبتكار وإبداع وفنون ومدارس للتنوير والتفكير لا جماعات للتكفير.

كاتب صحفى مصرى – كندى
[email protected]