رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مؤسسات وطن في مصرالثورة

لاشك أن مصر الحرة شعار يمكن تحقيقه علي أرض المحروسة، عندما تتحرر كل مؤسساتنا بما فيها المؤسسات الدينية من اعتناق أفكار بليدة تليدة خانقة للإبداع، وحاجبة لكل نسمات الحرية، وعندما يرفض القائمون علي إدارتها أن تكون مؤسساتهم مؤسسات نظام، لعل أبرز ما واجهه المواطن المصري فورتصاعد أحداث الثورة الينايرية هو مفاجأة تداعي دور الكثير من مؤسسات الدولة بغرابة شديدة، وإلي حد وصف الشاعر الساخر أحمد فؤاد نجم لتلك الحالة من التصاغر والاختفاء لمؤسسات هامة "دي مؤسسات قيل لها بخ فاختفت!"

لقد كان السادات ومن بعده مبارك يؤكدان بفخرأننا دولة مؤسسات، باعتبار أن الدول التي يقال عنها دول مؤسسات تُدار فيها أمور الوطن بشكل مخطط ومدروس بحيث لاتنهار المؤسسة عند حدوث ظروف طارئة مثل وقوع أو نشوب كوارث طبيعية أو تحولات سياسية أو اقتصادية.. وعليه أري أن التحدي الحقيقي والأهم والمُلح هو الذهاب بقوة نحو إعادة بناء مؤسسات الدولة وفق مفاهيم الثورة الينايرية التي قامت من أجل حضور قيم الحرية والعدالة الاجتماعية عبرآليات تداول السلطة وانتخابات حرة نزيهة.. لنذهب جميعاً بقوة نحو إقامة دولة مدنية.. دولة القانون..

علي سبيل المثال، وعند الاقتراب من حال مؤسساتنا التعليمية (مدارس/ جامعات)، والتي يتم  فيها بناء وتشكيل عقل ووجدان أطفال وشباب الوطن.. نجد أننا أمام عدد هائل من المدارس والمؤسسات العلمية والبحثية والتعليمية والمكتبات تحمل اسم الرئيس السابق وزوجته.. مقولات وصور الرئيس السابق وزوجته وحزبه العتيد تشغل أسوارمدارسنا، بل علي حوائط فصولها ومعاملها وفوق سبوراتها، ومطبوعة في صدر كتب أولادنا، بالإضافة لمقولات وكتابات دينية علي الحوائط داعمة لإقامة دولة دينية.. وفي عطلة نصف العام تندلع الثورة العبقرية ويتابع ويشارك فلذات الأكباد فعالياتها، وما تنادي به الثورة من شارع إلي شارع، وتنتهي العطلة ليعودوا إلي مدارسهم بعد سقوط النظام، ليجدوا آثاره وقيمه السلبية مازالت جاثمة في كل التفاصيل.. فماذا يمكن أن تفعل إدارات تلك المؤسسات؟

يقول الدكتور ناصرالبرقي مدرس التاريخ الحديث بجامعة عين شمس لجريدة الأهرام إن منهج التاريخ في الصف الثالث الاعدادي (صفحة18 ) أن الديمقراطية لم تزدهر وتتجسد إلا في عهد الرئيس حسني مبارك مع صور عديدة للرئيس في صفحات الكتاب، وأخري متعددة للسيدة سوزان مبارك مع المجلس القومي للمرأة وخلفها صور كبيرة للرئيس السابق، وأنه من صفحة 221 وضع شعار الحزب الوطني وعبارة أنه حزب شعبي يمارس نشاطه في اطار الشرعية الدستورية، وكذلك في صفحة 421 صورة للهانم وآمال عثمان وعائشة راتب حول المرأة وتمثيلها ودعمها. وأضاف أنه بالنسبة للصف الثالث الثانوي بمنهج التاريخ أيضا جاء فيه أن مبارك وعهده بقية امتداد لثورة يوليو، وأنه حقق ما لم تحققه الثورة من إقامة حياة دستورية وديمقراطية، ثم الحديث عن إنجازات الرئيس مبارك في كل المجالات كما لو أن الشعب لايعمل وأن الرئيس يصنع كل ذلك بقوة إلهية، فهو الذي يعمل وصاحب الإنجازات وهو الذي يفكر لنا أيضا.

وعليه ينبغي أن نعمل من جديد لأن نعمق في عقول ووجدان تلاميذنا أن أول الدروس المستفادة من ثورة ينايرحقيقة مفادها أن مؤسسات التعليم، ومناهج الكيمياء والهندسة الفراغية ليست ملكاً للرئيس أو لعائلته، وأنهم في تلك المؤسسات طلاب علم وثقافة وتربية وقيم لايمكن أن نحيل تبعيتهم إليها، وأمرمستقبلهم

لمؤسسة الرئاسة.. لأن أمرمستقبلهم ـ ببساطة ــ لابد أن يتشاركوا هم أنفسهم في وضع أطره ومفاهيمه.. هكذا علمونا عندما تقدموا الصفوف في 25 يناير.. ويحدث ما نأمل عندما تتحول تلك المؤسسات لمؤسسات وطن، لا مؤسسات نظام..

وفي قاعات محاضرات جامعاتنا الحكومية العتيدة لا أتخيل مشهد عودة بعض أساتذة الجامعات من قيادات الحزب التليد إلي قاعات المحاضرات في جامعاتهم بعد أن تولوا أمر مجالس نيابية مزورة وهم من كانوا يدرسون القانون، وبعضهم من كلف بإدارة وزارة للشباب فكان الحصول علي صفر المونديال عند تولي أمرتلك الوزارة، وكان منهم من تولي مسئولية إعلام حزب سرق أحلام وتطلعات أمة، ورئاسة هيئة لقصور الثقافة فكان الإلقاء بمبدعيها في أتون محرقة.. وغيرهم كثيرون، أموت وأري تفاصيل مشهد المواجهة مع طلابهم.. لقد تعاملوا مع تلك المؤسسات والمناصب باعتبارها مؤسسات نظام، لا مؤسسات وطن هو الأبقي..

وفي مؤسساتنا الدينية، يتأكد لنا أيضاً أن في سعي تلك المؤسسات لأن تكون مؤسسات نظام ترتكب جرماً في حق أتباعها، وظلماً لطبيعة العقائد التي تدعو للإيمان بها، واختصاماً من دورها الأصيل لأداء رسالتها الروحية.. لقد راهنت الكنيسة المصرية وراعيها الأكبر علي تعاطف وتأييد الرئيس السابق لحل مشاكل الكنيسة، حتي كانت مأساة الوطن أمام كنيسة القديسين، وكان حضن الوطن الذي اتسع ليضم الجميع، وكان تضميد الجراح ليلتئم شمل كل الأبناء في حالة مصرية كانت هي الأروع، والتي يراها كل متابع جاد أنها الشرارة الحقيقية لاندلاع ثورة شباب مصرفي 25 يناير، بعد أن أعلنوا عن عظيم غضبهم لمقتل خالد سعيد وتنادوا بشعار" كلنا خالد سعيد"، وقد تأكد لهم أن مؤسسة الشرطة باتت مؤسسة نظام لا مؤسسة وطن..

لقد خرج المواطن المسيحي عن طاعة نصائح  كنيسته العتيدة بالابتعاد عن ساحة المشاركة في ثورة يناير، لأن مؤسسة الكنيسة المصرية ورموزها لم يدركوا بعد أن فرض الوصاية علي قرارات الناس ومشاعرهم أمر لم يعد ممكناً، فقد تجاوزنا عصور المنع والمنح البطريركي في الشأن الحياتي الخاص لجموع المؤمنين، وكان ردهم في الميدان بالمشاركة يداً بيد مع إخوتهم في ساحة الوطن الرحب، شاركوهم الحب والعطاء والفداء والاستشهاد والتفاعل الإنساني النبيل الذي أدهش العالم..

[email protected]