عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية بنت اسمها مرمر 2011

لأن الإبداع يبقي، لا يُغتال، لا يُوأد فيختفي إلي الأبد، وعليه يتجدد الأمل في إبداع الجديد، وأيضاً يتم تحفيز القديم  في ذاكرة الناس والأمم من ذاكرة الإبداع، فتباغتنا إبداعات تقفز إلي الوجود والحضور في أي لحظة حتي لوكان ما يعلق منها في الذاكرة هوعنوان فقط لعمل إبداعي واسم بطلته..

العمل الذي أعنيه رواية وفيلم «حكاية بنت اسمها مرمر» للكاتب الساخر محمد عفيفي، في الفيلم الذي تم إنتاجه عام 1973، من إخراج هنري بركات.. في الفيلم تلتحق مرمر (سهير المرشدي) بكلية البنات بالقاهرة، فتضطر إلي ترك مدينتها بني سويف وتعيش مع خالتها وزوجها وابنهما أحمد (محمود ياسين) الذي يحبها ويبوح لها بحبه.. ويضبطهما زوج الخالة في غرفتها فيقرر أن تعود لبلدها لتبتعد عنه، وتتدفق دراما السبعينيات بمنطق مُبدعيها في زمانها، وينشأ الصراع التقليدي بين الشكل الاجتماعي المحافظ في التربية، ومتغيرات متسارعة يعيشها المواطن، أغلبها اقتصادية واجتماعية وإنسانية يتواتر حدوثها في بداية العصر الساداتي، قبل حرب أكتوبر وبعدها.. اقتصاد حرب، ثم اقتصاد «السداح مداح» علي رأي كاتبنا الراحل أحمد بهاء الدين، ووصول تيارات متشددة وافدة محملة بفكر صحراوي قبلي حمل مفاهيمها البسطاء منا مع المروحة والمسجل عند عودتهم من عالم البترو دولار إلي أرض الوطن.
ثم وصولاً لاتفاقية سلام مع العدو، وقطيعة عربية تتزعمها مجموعة دول الصمود والتصدي الحنجورية.. أحداث ومتغيرات مؤثرة علي شكل وحركة الإبداع بكل نوعياته ومدارسه وإطلالاته الإنسانية، وكان حضورها في البيت المصري بالغ التسيد القيمي (قبولاً - نفوراً).. مما دعم حالة من الفرز والاصطفاف.. متدينون، متدينون ارتدوا مسوح الدين بالمظهر ورفع راية الحلال والحرام والحرص علي أداء الطقوس الدينية (علي طريقة حافظ مش فاهم)، ليبراليون إيماناً وأداء، ليبراليون كراهية لحملة مباخر التدين المظهري، وليبراليون للعرض في برامج التوك شو، وطائفيون ومذهبيون، وموتورون، وانتهازيون.. وصولاً لدعاة هجر المقدس إلي ساحة وهم حرية الإلحاد علي طريقة «كرسي في الكلوب».. وتحولنا لشراذم مجتمعية (إن صح التعبير)!!
ثم وبعد مرور 38 سنة علي عرض «حكاية بنت اسمها مرمر»، وتحديداً بعد ثورة 25 يناير 2011 قابلت «مرمر» من لحم ودم رغم أنها في الأصل كانت مجرد صوت يأتيني عبر حروف الشات الحواري، وإذا بها تقفز إلي وجودي من صفحات الوهم الافتراضي الفسبوكي البديع لتجالسني وجها لوجه، وتلفت حولي أتأكد من وجوه رواد المقهي إذا كانوا يرونها أم لا وخلتني أعيش مشاهد للممثل الفذ رشدي أباظة وهو يستحضر روح عروس النيل لبني عبدالعزيز في فيلم (عروس النيل).. وجدتني عزيزي القارئ أمام فتاة تخطفك من أول طلة (علي طريقة الإعلان الرذيل للأسف).
وجدتني أمام بنوتة رائعة تفهم من حديثها أنها تنتمي إلي جيل يفعل كل شيء في آن واحد، وبسرعة وبرؤية واقعية جداً علي عكس ما نتهمهم به ونتخيلهم عليه.. لقد استطاعت ببراعة قراءة تركيبتي الإنسانية المعقدة، وتختزل بعمق مما حكيته وعبر متابعتها لما أكتب أهم مطبات وقفزات تجربتي الحياتية والتي بسببها طلبت مرمر 2011 المقابلة.
بعد دقائق معدودات، كدت أصرخ أنا الكهل في العقد السادس من عمري علي طريقة الثائر التونسي في دياجير الليل البهيم «لقد هرمنا.. لقد هرمنا»، وهي تحكي عن قس إنجيلي مثقف تراه نموذجاً لرجل الدين، وعندما أقاطعها «أنت إنجيلية؟» تُبدي دهشتها وتقول أنا أصلي في كل كنائس بلدي، كاثوليكية أرثوذوكسية إنجيلية يا أرثوذكسي يا طائفي.
هي تًغني لعمرو دياب بنفس الحماس الذي تشدو به مع اسمهان، وتقرأ للشاب البديع أحمد الصاوي بقدر حرصها علي قراءة الكاتب الرصين سلامة أحمد سلامة شيخ الكتاب.
كانت في مقدمة الصفوف في 25 يناير، هي بنت من بنات الطبقة المتوسطة التي كان في مقدور عائلاتهم توفير أجهزة التواصل الالكترونية الجهنمية

التي رعبت نظاماً قمعياً فتهاوي أمامها.
«مرمر» رفضت الانتماء إلي أي فصيل، رفضت وجود الكهنة في مظاهرات تطالب بحقوق مدنية، قالت من يطالب بدولة مدنية لا يرفع لافتات طائفية، ومن يطالب بعدم التمييز لايرضي أن يمارس الإكليروس التمييز ضد العلمانيين عبر فرض وصاية علي الفعل الوطني!!
«مرمر» تُعانق الدنيا والناس بكافة ميولهم وأفكارهم دون تمييز أو مفاضلة ببساطة ودون عُقد، تفعل ما تقول وتقول بصراحة لكل الناس كل ما تفعل، هي مختلفة الملامح إلي حد ما عن صورتها علي صفحتها الفسبوكية، هي أجمل عبر تلك الحيوية المتدفقة وسرعة رد الفعل، وعدم وجود حسابات عند الحكي، تحدثت لي باعتزاز «يا فلان» فحدوتة مراعاة فارق السن والألقاب بين أصدقاء الحوار لا مجال لها في زمن الحوار الجاد.
تقول «مرمر»: إن ظهور لغة جديدة بين الشباب أمر طبيعي يتكرر بين فترة تاريخية وأخري، وسألتني عندما قرر جيلكم من الرجال إطالة الشعر وارتداء البنطلونات الوردية والتركواز الضيقة في منطقة الوسط الواسعة جداً عند القدم، وقررت الفتيات ارتداء الميكروجيب، ألم يمثل ذلك فرض أنماط شكلية جديدة، بل ولوناً من ألوان التمرد الاجتماعي وعدم التفاعل مع الكبار؟!
نعم يا مرمر لقد كتب علماء الاجتماع وأكدوا أن تطوير الكيانات الاجتماعية علي الإنترنت، وتلك الكيانات الاجتماعية الرقمية الجديدة تكونت في هيئة جماعات رقمية يتم تحاور البشر وتواصلهم عبرها، ومن أشهرها USERNET فهي الشريان الذي يربط بين تلك الجماعات، وذلك من خلال المشاركة في المجموعات الإخبارية والبريد الإلكتروني ولوحات الرسائل وحجرات الدردشة ومؤتمرات الفيديو، حيث يتم الحوار بين آلاف البشر عن طريق شبكة الإنترنت، وهنا يثار تساؤل حول تلك المجموعات، وهل تعد مجتمعات محلية علي فضاء الإنترنت؟.. وهذا السؤال يولِّد سؤالاً آخر عن تعريف المجتمع المحلي، خاصة المجتمع المحلي المتشابك الخاص.
ويا مرمر 2011 ومعك شباب المحروسة.. إن الفضاء.. كل الفضاء الافتراضي وكل الوجود الواقعي في انتظاركم.. غردوا في سماء الإبداع ودنيا الابتكار.. لقد هرمنا!!
وأنا أختتم مقالي علي مقهي ريش التاريخية البديعة دخلت مرمر الحلم والواقع (وإن كنت غير متأكد أنه اسمها لكنه ما قررت أن تُقدم نفسها به إلي المجتمع الافتراضي)، فعلقت علي ختام المقال: نعم مدحت لقد هرمنا نحن أيضاً.. ولكننا تخطينا دعوتكم  إلي مرحلة التغريد التي تدعوني وأمثالي إليها إلي مرحلة الصراخ وليس من يجيب، واتفرج يا مدحت علي حدوتة المبادئ فوق الدستورية والهجوم اللاأخلاقي علي الدكتور علي السلمي ألا تثبت ما أقول؟!

[email protected]