رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

نعمة النسيان

الذاكرة قد تضعف أحيانًا، لكنها لا تُمحى للأبد.. فالواقع خلال ثلاثة أعوام فقط، كان كافيًا لكي يشهد تبدلًا وتغيرًا في المزاج العام لشريحة كبيرة من المصريين والعرب، الذين أصبحوا على موعد دائم مع النسيان وفقدان "مؤقت" للذاكرة.

نسي أو تناسى المصريون والعرب عقودًا من الحسابات الخاطئة والخطط الارتجالية، والأداء الهزيل، لنظم نرجسية انتهازية، أفسدت البلاد والعباد، وجثمت على أنفاسهم بالقهر والذل والاستعباد، ظنًا منها أنها خالدة للأبد، معتمدًة على ذاكرةٍ سرعان ما تتآكل وتُصاب بـ"آفة" النسيان.
عقود استباحت فيها نخب محدودة كل شيء، لاحتكار السلطة بلا ضوابط ولا محرّمات.. فأدارت البلاد بالترقيع والمسكنات، وأفرزت من السلبيات ما لا يتسع المجال لذكرها، كما شهدت إقصاءً لقطاعات عريضة من الشعوب، للوصول إلى مبتغاها في تطبع المغلوب بطباع الغالب.
نظم استبدادية اعتمدت لسنوات على منطق "نحن أو الفوضى"، متبنية استراتيجية ضعف ذاكرة الشعوب وغياب ثقافة المساءلة والمحاسبة.. لم تبد خلالها إلا الولع والهوس والتشبث الواضح بالسلطة، ضاربة بمصلحة أوطانها ومواطنيها عرض الحائط.
بعد سنوات، على ما يسمى بـ"الخريف العربي" لم تسقط كل الأقنعة الزائفة، التي لا تزال تراهن على ضعف الوعي لدى الناس، وتنحيهم ـ طوعًا أو كرهًا ـ عن المشاركة في الشأن العام وتفريطهم في الحقوق، بل قبولهم أحيانًا بالظلم أو التعايش معه.
قدر الشعوب أنها قد تتسامح مع الطغاة وتفرط في حقوقها، زاهدة بمأثور "عفا الله عما سلف"، بل نجدها أحيانًا تبكي حزنًا على فراق جلاديها الطغاة.. راضية بالقضاء والقدر، منشغلة بالبحث عن لقمة العيش، لأن الخلاص بيد الله وحده!
بعض الأحداث تمر من دون أن تترك صدى يذكر، وبعضها الآخر يدمي القلوب، خصوصًا عندما يتوهم بعض "الزعماء" أن الجماهير العريضة لا تزال تهتف بحياتهم، وأن السلطة لم تغادرهم

بعد، وأنهم خالدون للأبد، بانتظار اعتذار واضح وصريح من شعوبهم التي ثارت عليهم!
إن ذاكرة الأمم تحتاج إلى عملية تنشيط وإعادة استرجاع لأحداث قضَّت مضاجعها، واستلهام الدروس والعبر من مشاهد عالقة بالذهن لا يمكن محوها بسهولة، لأنه لا يمكن اختزال عقود من القمع والفساد والتهميش في لحظات، بكلمات وخطب رنانة جوفاء، ظاهرها الرحمة، وباطنها عذابات لم تنته آثارها بعد.
إن منظومة الحكم المستبد التي تجذَّرت في عالمنا العربي لا ترى حرجًا في أن تفعل أي شيء في سبيل الاحتفاظ ـ لأطول فترة ممكنة ـ بعروشها ومناصبها، وإطالة أمد بقائها؛ ولو لأيام معدودات؛ مدفوعة بشهوة المنصب وتضخم الذات، حيث يرى بعضهم أنه الزعيم الملهم، ومنفذ الضربات الجوية والبرية والبحرية، والفضائية أحيانًا!
مع كل أسف، قد تساعد الشعوب ـ بضعف ذاكرتها ونعمة النسيان التي تُحسد عليها ـ في ترسيخ هذا المفهوم عند الطاغية المستبد، عندما تغرق في مدحه والثناء عليه، خصوصًا عندما يقوم بعض الإعلام بالتصفيق له كلما استبد وظلم، ما قد يوصله إلى "إدمان الحكم"، بعد أن تُطرب أذناه بمقولة "شئت لا ما شاءت الأقدار" ليصبح الزعيم هو الدولة والدولة هي الزعيم.