رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصر هبة الفقراء

كنت أعمل مترجما بمدينة الفسطاط بعد حي السيدة عائشة الذي كنت أتوقف عنده لأفطر على إحدى عربات الفول حيث يسري الفول بهناء أتوق إلى مثله اليوم لكن قطعا بلا فقر!

ومرة وبعد رؤيتي كالعادة ما يدمي قلبي من مظاهر  الفقر والفاقة توجهت صوب المحطة لأستقل الحافلة، وفجاءة يقترب مني شيخ طاعن في السن يكاد لا يستطيع المشي فقلت: "عايز حاجة يا عمي الحاج؟" أجاب: "الله يكرمك يا بني أنا ربنا قدرني وقدرت أخرج أدور على شغل ممكن تديني ربع جنيه؟" مازحته قائلا "ليه ربع جنيه؟ مينفعش جنيه طيب؟ كنت أحسبه مخرفا أو ساهيا أو درويشا لأنه أصر ألا يأخذ مني سوى ربع جنيه فقط رغم إصراري أن أعطيه ما يكفي طعامه وشرابه. جاءت الحافلة وأثناء حديثي مع صاحب الشركة ذكرت له ما جرى باعتباره أفكوهة ومغربة لكنه سألني: هل تدري لم لم يطلب منك سوى ربع جنيه؟ قلت لا: قال لأنه لم يعد في القاهرة كلها حافلة أجرتها ربع جنيه سوى في منطقة السيدة عائشة وضواحيها فالرجل يريد أن يضمن ثمن العودة إلى بيته إن لم يجد عملاً!

أسندت ظهري ببطء إلى مسند الكرسي وأنا مأخوذ ومدهوش من هذه الصاعقة؟ أيكون هذا الرجل المسكين بكل هذه العظمة وهذا الشموخ؟

في جوار بيتي أرملة تبيع الخضروات تأتي بعد الشروق مباشرة وتبذل جهدا خارقا في حمل الخضروات وترتيبها والصبر على بيعها إلى قبيل الغروب ولا تنسى أن تترك المكان نظيفا كما وعدت صاحب المبنى الذي تبيع أمامه، وبعد جهد جهيد قبلت أن أعطيها كل مرة فوق ثمن الخضروات ضعف هذا الثمن فيما أنظر بإعجاب وفخر إلى طفلتها الصغيرة التي تجلس إلى جوارها حاملة كراسا وقلما ومستغرقة في الكتابة والقراءة. في الناصية

الأخرى مطلقة هجرها زوجها هي والأبناء ليتزوج من موظفة تنفق عليه وبعد فترة من مساعدتي إياها كنت لأول مرة أعرف أنها مع كل هذا الجهد الجبار في كسب قوتها من عرق جبينها مريضة بالسرطان!

أتذكر هنا ما قلته مرارا من أن المرأة في مجتمعنا مهانة وقصدي قطعا الفقيرة لأن الغنية ربما لا يرى وجهها الشمس أصلا. وأشد ما يؤلمني ويشعرني بالعار منظر الفتيات والنساء اللائي يكنسن الطرق السريعة في قيظ آب. كيف تقبل أية حكومة بها ذرة من نخوة أن تعمل امرأة أو بنت في هذه البيئة وهذه المهنة ولماذا لا تكلف الدولة نفسها ضمان أجرة بسيطة لهن تمنعهن كل هذا الذل الذي يُلحق بنا العار.

في هذا الوقت الذي يتقافز فيه وصوليون وانتهازيون ومتسلقون لنيل حظوة من الانتفاضة المصرية ينسى الجميع النظر إلى صرح مصر الصامد رغم ظروفه القاسية: هذا الصرح هو فقراء مصر. وأتساءل: ما كل هذه البطولة؟ ما هذا النوع العجيب من الصمود؟ كيف يكون المستغني مع كل هذا الاستغناء فقيرا؟ بل نحن الفقراء والله. كل عام وأنتم بخير وعيد الفطر فرصة لأداء حقوق هؤلاء الأبطال علينا. وتعاطفك وحده "ما يصحش!"

[email protected]