عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أحيوا قصور الثقافة

بجنيه واحد ولعام كامل تستعير ما تشاء من كتب في قصر ثقافة دكرنس ولك أن تطوف بما شئت من غرف عتيقة ليس فيها ما يبهر العين بقدر ما يخلب الألباب.

لقد حليت في صدري الآن هذه الذكرى العطرة حيث أرى الغرفة الأولى للموسيقى والثانية للرسم والثالثة وهي الأجمل للمسرح. المسرح والدراما من بديع صنع الإنسان على هذا الكوكب، وقد كنت أضحك من مأساة الملك لير لشكسبير إذ تؤدي دور الإبنة الصغرى فتاة سمينة جدا، ولا أدري لماذا الإصرار على شكسبير وكأن ليس في الأدب الإنجليزي إلاه.
لماذا مثلا لا يكون الدرس في الأدب والشعر بحسب ما يحدث العمل الفني من تأثير في النفس وساعتها أعدكم أن تدريس لانجستن هيوز سيكون أحلى من شكسبير وأمتع مائة مرة. قصيدة في جملة واحدة ما أحلى الكناية فيها (A calm cool face of the river asked me for a kiss) حيث أترجمها: "وجه النهر المؤتلق الهادىء يطلب تقبيلي" وقد كانت القبلة انطراحا وانتحارا حيث عنوان القصيدة: مذكرة انتحار.
الفقر والبساطة هي سمت المكان وليس فيه من القصر إلا الاسم لكن المواهب أكثر من أن تحصى والسعادة هنا كالأكسجين بالمجان وبالوفرة.
هذه جلسة لتدريس عروض الشعر والنحو والصرف وتلك لمجموعة الفلسفة والتصنيف العشري لديوي في المكتبة يجعلها ذات ألق لا مثيل له رغم أن الكتب التي تأتينا في الأقاليم هي كما يصفها الموظفون "زبالة الكتب" من حيث المتانة والحالة التي عليها الكتاب.
كل ما حول الكتب ومن حولها تناله عدوى الطهارة والجمال حيث لا تجد إلا الرقة وحسن المعاملة.
لست في حاجة هنا لأواصل حلم عمري في اليقظة بالدراسة في هارفارد التي إن ذكر اسمها فقط فهي في التعبير الأمريكي الشهير (H-bomb) أي أن اسمها نفسه له وقع القنبلة، بل أنت لا تحتاج إن كنت فقيرا معدما –وقتها- مثلي سوى أن تكون راهبا في هذه القاعة المتهالكة مع هذه الكتب وهؤلاء البشر العباقرة الذين يقطرون ملائكية وذكاء ونشاطا وصبرا.
في المكتبات لي حكايات كثيرة أدخرها لدراسات نفسية علينا نحن المصريين إذ أصدم بكتابات الجرافيتي بالبراز على حمامات مكتبة مبارك في المنصورة وهي من أروع

المكتبات التي رأيتها في حياتي فخامة وموارد –إن استثنيت بعض المكتبات أحبها إليَّ القاهرة الكبرى- لا تشي الكلمات سوى بحقد ومرارة وسخرية لا حدود لها ضد أي مكان يحوي كتبا أو معرفة أو قراء حيث يستحيل التارك للقراءة كارها لها ولأهلها محتجا ببرازه!!
في كل المكتبات التي عشت فيها –لا أقول زرتها- لن تخطىء عينك كون البنات أكثر بكثير من البنين وأنه لو قدر للمكتبات في مصر واحد من عشرة من موارد الترفيه في مكتبة المجلس الثقافي البريطاني أو الجامعة الأمريكية لرأيت في مصر نهضة من زمان بعيد لن يقف جريانها ما ظلت المكتبات موصولة بالناس.
في تطوافي بالمواقع والصحف الغربية قلما أجد مقالا أشعر فيه بالتفرد والغنى مقارنة بالكم الكبير مما أراه لدينا نحن المصريين، وما ذلك بغريب، فليس لي حاجة في أن أدفع 150 ألف دولار للتعلم في هارفارد ما عسى أتعلمه وأكثر بجنيه واحد في مكتبة تابعة لوزارة الثقافة المصرية (هذا ما عبرت عن معناه بالضبط الإعلامية الأمريكية تيريزا سياو التي حصلت مؤخرا على شهادة في الاقتصاد من هارفارد).
صحيح أن قيمة هارفارد ليس في معلومات تحصل عليها من بطون الكتب وإنما في تعليمك كيفية التفكير السديد والقراءة النقدية والتحليل المنهجي لكن كونها منتجع الأغنياء المتشابهين حد الإملال المحظوظين جدا يذكرني بدعوة أم الأسكندر له:
رزقك الله حظا يخدمك به ذوو العقول ولا رزقك عقلا تخدم به ذوي الحظوظ!
[email protected]