رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رائحة الثورة

عندما تُزكم أنوفنا رائحة الفساد والتعالي والتكبّر على البسطاء والعناد مع المُعارضين نشم رائحة الثورة، هكذا تعلمنا من التاريخ القريب وربما الشيء الوحيد الذي تعلّمه هذا الجيل والذي أنا واحد منه أننا نشم جيدًا رائحة الفساد ونعرف أيضًا رائحة اقتراب الثورة.

رائحة الثورة دائمًا ما تفزع حاشية السلطان و"أراجوزاته"، يخاف كل منهم على دوره المرسوم في ديوان القصر، إلا "المُهرّج" فربما الوحيد الذي لن يرحل مع رحيل السلطان،  دوره يطلبه كل السلاطين، وربما أيضًا لأنه يعرف جيدًا حجم مهاراته في تغير ملامحه لتناسب كل منهم، ويُدرك تفصيل النكات على مقاس حذاء يتفنن في لعقه كل يوم.

تعلّم جيلنا من "مبارك" أنه حينما يهزأ الحاكم وحاشيته من مآسي المواطنين وآلام الفقراء ويتجاهل المُعارضين تكون قد اقتربت الثورة، ولعله لم يغب عن كثير منّا كلمته الشهيرة "خليهم يتسلوا"، وكلمة نجله "رد انت يا حسين".. أيقونات ودروس لم يتعلم منها حكّام هذا العصر.

لغة التهديد التي يخرج علينا بها أنصار وحاشية و"أراجوزات" مرسى، إنما تخفى خلفها رعبًا وفزعًا من تكرار سيناريو مبارك وسقوطه، "عنترية" طارق الزمر، و"صفاقة" صفوت حجازي، و"هرتلة" عاصم عبد الماجد، و"هيافة" علاء صادق تذكرنا بتكبر صفوت الشريف وعصا حبيب العادلي و"كذب" أنس الفقي وتبريرات عبد الله كمال حتى ليلة الخامس والعشرين من يناير.. اختلفت الوجوه والإفك واحد.

انتظار الشعب لخطاب المُصارحة والمُكاشفة بعد عام من تولى "مرسي" مقاليد حكم البلاد على المقاهي وفى ميادين الغضب وتنويهات التليفزيون الرسمي بأن هناك خطابًا بعد قليل فلا تملوا، ورفع الأحذية بميدان التحرير إنما يذكرنا بخطابات "مبارك" التي طالما زادت من غضبة المتظاهرين وأوقدت الأزمة المُشتعلة.

حاول "مرسي" في خطاب المُكاشفة والمُصارحة الظهور بوجه آخر بعيدًا عند خطابات الصوابع والحارات المزنوقة، لكنه خرج منها فذهب إلى الحارات الضيقة التي حاصر فيها مبارك نفسه حينما تقمّص دور الكوميدي التراجيدي أو بمعنى آخر الضحك على أزمات وآلام المشاهدين وإخراج النكتة من رحم النكبة.

مرسى علم متأخرًا أن كلماته الجافة وإشاراته بالإصبع وتكشيرة الأنياب لم تعد تُجدي، وأدرك بعد فوات الأوان أن خطاباته ورغم عددها الذي تعدى الخمسين خطابًا زادته بُعدًا عن أفئدة الشعب، فحاول أن يكون دقيقاً لكنه لم يكن صريحًا، وأن يصبح مقدامًا لكنه لم يكن فارسًا، تولى قيادة المعركة ويوماً لم يمتط جوادًا أو حمل سيفًا.

كال الاتهامات ليطعن على نزاهة معارضيه ودلل بنماذج هي في الأساس لم تكن يومًا تحرك المياه الراكدة، أو تطفئ ثورة الثوار، وعبر عن غضبه من الإعلام المعارض المحرّض كما وصفه لكنه لم يشر للإعلام المؤيد المضلل.

كعادته وجماعته يلقى باللائمة على النظام السابق، وكأنه لم يكن يدرك أن التركة خربة، وأن النظام السابق لم يكن ليترك البلاد على طبق من ذهب، إذا اختفى الوقود يكون الفاعل غائبًا

تقديره "الفلول"، والمفعول به في الصحراء، وإذا ارتفعت الأسعار فتشوا عن الجشع والتجّار المجرمين، وإذا غاب الاستقرار فابحث عن الدول الشقيقة، اتهامات دون أدلة ولا اعتراف بالخطأ.

"مرسى" يعلم جيدًا أن رائحة الوقود عندما تختفي من محطاتها تنذر باشتعال البلاد، فأبدى أسفًا واعتذارًا للمواطنين رغم أن وزير التموين والتصوير نفى أي تقصير قبل ساعات من خطابه، واعتبر أن الأزمة افتعالات فلولية وخزعبلات في الأذهان، كما يدرك "مرسى" أن اختفاء النقود من ماكينات الصرافة تنذر بغضبة قد تحرقه، خاصة مع قرب حلول شهر رمضان، فأكد وشدد على توفيرها في 30 يونيو أضعافاً مُضاعفة ويعلم هو كما نعلم نحن المُستمعين أن البنوك لن تعبأ بما تعهد به فلن يعوضها الخسائر ولا يستطيع تأمينها.. فإذا كان المتحدث "مرسى" فالشعب "عاقل".
"ضحك فضكوا.. اتهم فصفقوا.. توعّد وأنذر فشجعوا وهللوا وكبروا.." عرض مسرحي جمهوره لم يدفع التذاكر.. سيناريو مُمل وممثل فاشل حاول تقمص الأدوار ليكن  هو الحاكم والمحكوم، العادل المستبد.. والطيب والشرير، ابتسم وزراؤه و"أراجوزاته" وأبدوا رضًا لإرضاء ولي النعم، إلا وزيري "الدفاع" و"الداخلية" ربما لإدراكهما أن كل ذلك لن يجدي، أو لمعرفتهما الميدانية بحكم علمهما بغضبة الثائر.

من قبل أدرك "مبارك" أنه لابد من تغيير في الوجوه وقليل من التنازلات لمزيد من الاستمرار، لكنها كانت صحوة الغافل عن لقاء شعبه، وتوبة فوات الآوان.. تأخر "مبارك" كما تأخر من بعده "مرسى"، قالها "مبارك" والجماهير تملأ الشوارع والميادين فلم يكن تعيين نائبٍ له وإقالة رموز نظامه الذين ظلوا جاثمين عشرات السنين في السلطة والتعهّد بتعديل الدستور يُرضي طموح الشارع، فبعد العودة للمنازل تتغير الكلمات وتُسحب الوعود، ولم يقبلها الشعب وقتها من مبارك كما لم يقبلها من مرسى الذى خرج فى خطاب قبل أيام قليلة من موعد حدّدته القوى السياسية والثورية لرحيله.. وفى كلتا الحالتين "رفع الشعب الأحذية".