رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الشـيخ مصطفى إسماعيل..وجـمـال التلاوة

فى أحد أيام الجمع من نهاية أكتوبر 1973 كنت أتجول فى شوارع مدينة الزقازيق وكان عمرى لا يتجاوز الثامنة عشرة.. اضطررت للجلوس على أحد المقاهى لاستكمال سماع قرآن الجمعة بعد أن شدنى صوت القارئ.. بصوته الحسن وتلاوته الجميلة لآيات القرآن الكريم، ثم سارعت لأداء الصلاة فى المسجد.. ولم أسأل عن اسم القارئ. ولكن ظل صوته عالقا فى ذاكرتى.

ثم انتقلت إلى القاهرة للدراسة الجامعية وتصادف أن جلست بجوار أحد الشيوخ فى أتوبيس النقل العام والذى كان متجها من التحرير إلى الجيزة فتعارفنا.. واتضح أنه المرحوم الشيخ أبو العينين شعيشع الذى أهدانى فيما بعد مجموعة من شرائط الكاسيت بها تسجيلات حية ونادرة له.. فاستمعت إليها بإنصات شديد.. وداومت على الاستماع لها..إلى أن وقع فى يدى- مصادفة أيضا- شريط كاسيت لصورة (يوسف) بصوت المرحوم الشيخ عبد الباسط عبدالصمد.. وبعد سماعى له.. أحسست بأننى حصلت على «كنز».. وسرت من عشاق الاستماع إليه بصوته الملائكى ذى النفس الطويل.. وكنت أتوقف كثيرا عند إحدى آيات السورة التى يقول فيها (ﯫ  ﯬ  ﯭ    ﯮ  ﯯ  ﯰ  ﯱ  ﯲ    ﯳ).. حيث إنها معبرة تماما عن قصة سيدنا يوسف وما لاقاه من أحداث جسام فى بداية حياته.. وما انتهت إليه من نهاية سعيدة.. عندما رفع أبويه على العرش وخروا له سجدا..

وعندما بدأت أكتب مقالات عن أنبياء الله الصالحين وعن شيوخ التلاوة فى مصر.. اتصل بى المهندس عاطف مصطفى إسماعيل وتحاورنا وأهدانى مجموعة من الإسطوانات لتسجيلات حيه لوالده فى فترات زمنية مختلفة، وعندما استمعت إليها وجدت نفسى أمام عالم آخر من التلاوة.. يتميز بحلاوة الصوت وجمال القراءة.. والقدرة على التحليق بالمستمعين إلى آفاق عالية من المتعة.. خاصة عندما يعيد القراءة بأكثر من طريقة وبنهايات مختلفة للآيات الكريمة.. حتى أدمنت الاستماع لسورتى التحريم والحاقة اللتين كان الشيخ الجليل يفضل دائما ختام قراءته بهما.

ثم اعتاد المهندس عاطف أن يدعونى لحضور الذكرى السنوية لوالده فى نهاية ديسمبر من كل عام، وفى الذكرى الـ 34 والتى أقيمت بدار الأوبرا المصرية وجدت جمعا غفيرا من المواطنين من عشاق الشيخ من مختلف الطبقات والفئات.. وكانت مفاجأة لى أن أجد بجوارى فى الاحتفال كلا من السيد عمرو موسى المرشح الرئاسى السابق، ود. مصطفى الفقى رئيس لجنة الشئون العربية بمجلس الشعب الأسبق.. وهو صديق عزيز.. وغيرهما من المشاهير من أساتذة الجامعات ورجال الدين والمحامين والتجار.. إلخ.

وكان الطيار علاء حسنى حفيد الشيخ قد بدأ الحفل بعرض فيلم تسجيلى عن حياة جده.. والذى تضمن تعليقات مختلفة من هواه ومتخصصين حول قراءة الشيخ لآيات القرآن الكريم.. وقدرته على الانتقال من المقامات الموسيقية المختلفة بيسر وسهولة.. لا يشعر بها المستمع سوى بمزيد من الاستمتاع.. فضلا عن «الوقفات».. و «القفلات» المختلفة للآيات.. حتى أنه كان يقول فى نهاية القراءة «الفاتحة».. وصدق الله العظيم.. كل مرة بشكل مختلف.. وسمعت عازف العود الشهير الفنان العراقى نصير شمة يتغزل فى صوت الشيخ وقراءاته بجمل وتعبيرات

لم أسمع بها من قبل، وكذلك المرحوم الفنان عمار الشريعى، وقد كان غواصا فى بحر النغم.. وأيضا القارئ المعروف الشيخ أحمد نعينع.. وغيرهم كثيرون.

ثم استمعنا لبعض قراءات الشيخ من سور مختلفة وكنا نتصايح من حلاوة القراءة وكأنه لايزال حيا بيننا.. رحمه الله رحمة واسعة.. وانتهى الحفل بما يشبه المشاجرة بينى وبين الصديق الكبير د. مصطفى الفقى، حيث همس فى أذنى المهندس عاطف بأنه أحضر لى إسطوانة سورة «النمل» ولكن أخذها د. مصطفى الفقى.. فأصررت على أخذها.. مع إصرار مقابل من د. مصطفى أنها ليست ضمن الإسطوانات التى حصل عليها.. وأرانى إياها فعلا.. وهو غاضب من إصرارى.. ثم اكتشفنا فيما بعد أن الذى أخذها هو الأستاذ عمرو موسى الذى استأذن فى الانصراف قبل نهاية الحفل!

فوعدنى المهندس عاطف بتعويضى.. وأهدانى ثلاث إسطوانات لسور (النمل، والتحريم، والحاقة) والتى يصول فيها الشيخ ويجول.. سبحانه العاطى الوهاب،ولكنى أتوقف دائما عند قراءة الشيخ الجليل لسورة التحريم، وخاصة عند الآيات التى تكشف عن موقف.. (      ﮔ  ﮕ  ﮖ  ﮗﮘ  ﮙ  ﮚ   ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ   ﮣ  ﮤ  ﮥ  ﮦ  ﮧ  ﮨ    ﮩ  ﮪ).. هذا مقارنة بزوجة فرعون (ﯔ   ﯕ  ﯖ  ﯗ  ﯘ  ﯙ  ﯚ  ﯛ  ﯜ  ﯝ  ﯞ  ﯟ   ﯠ  ﯡ  ﯢ  ﯣ       ﯤ)، فتلاوة الشيخ للآيتين تجعلنا نشعر بالفرق الواضح بين الحلال والحرام.. والصواب والخطأ.. وأن كل إنسان مسئول عن عمله ولا شافع له يوم الحساب.. سبحان الله.

ولكن يحزننى كثيرا أن الشيخ قضى من عمره 60 عاما يقرأ فيها القرآن الكريم بين التجويد والترتيل، وبلغ ما تم حصره من القراءة 53 ألف ساعة لم يسجل منها سوى ثلاثمائة ساعة فقط.. غالبيتها من المرحلة العمرية الأخيرة فى حياته.. أى من 1970 وحتى 1978..

وفعلا.. وكما قال الأستاذ كمال النجمى فى كتابه عن الشيخ «ما أفدح الخسارة التى لحقت بنا بسبب فقدان أغلب تسجيلات الشيخ الجليل»..

رحمه الله رحمة واسعة..

وأدخله فسيح جناته..