عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المسكوت عنه فى المسودة

القراءة الأولية والسريعة لمسودة مشروع الدستور الجديد.. تكشف أن هناك جهدا بذل فى إعدادها.. وهو جهد طيب.. والشكر واجب لمن بذلوه.. ولكن يبدو أنه غاب عنهم أن الدساتير تختلف عن القوانين واللوائح فالأولى تقتصر نصوصها على مبادئ عامة تحدد هوية الدولة وطبيعة نظامها السياسى ومؤسسات الحكم فيها والمبادئ المتفق عليها مجتمعيا وعالميا للحفاظ على الحقوق وحماية الحريات.. إلخ

بينما القانون عبارة عن نصوص محددة لتنظيم قطاعات أو أنشطة معينة مع تحديد العقوبات المناسبة على من يخالف ذلك.. وهكذا اللوائح التى تفسر النصوص القانونية فى إجراءات تنفيذية محددة..

والملاحظة الأولى لنصوص المسودة فى فصولها المختلفة تكشف أنها تتضمن تفصيلات.. وتكراراً لمعان واختصاصات وواجبات وحقوق مكانها الطبيعى القوانين التى تصدر مكملة للدستور.. أو للتنظيم أو تحديد الاختصاصات.. إلخ لأنها قابلة للتغيير والتعديل من البرلمان حسب تطورات الأحداث ومستجداتها وما قد تتطلبه الضرورة لذلك.

فالتوسع فى التفاصيل يضعف من قوة النص الدستورى كما أنه قد يمثل عائقا أمام المجتمع لو تغيرت الظروف مقارنة بإمكانية تعديل النص القانونى فى أى وقت طالما كانت هناك حاجة لذلك.

بل إن هناك بعض التفصيلات تكاد تكون «مضحكة» وهى بمثابة تعريف لما هو معروف ومؤكد.. فمثلاً نص المادة الأولى الذى يقول «جمهورية مصر العربية دولة مستقلة ذات سيادة» وهى موحدة لا تقبل التجزئة!
فما معنى أن مصر دولة مستقلة ذات سيادة.. ولماذا النص على أنها موحدة لا تقبل التجزئة؟!

مدى علمى أن الاستقلال والسيادة وضع مفترض فى كل دولة.. لديها شعب مقيم على أرض.. ولها علم ونشيد وطنى وقوات مسلحة تحمى حدودها.. فما بالك بمصر التى أسست الأمم المتحدة العضو العامل فى جميع المنظمات الدولية والإقليمية.. كما أنها ليست الهند ولا تشيكوسلوفاكيا السابقة.. فلا يوجد بها سيخ ولا هندوس.. فهى ليست دولة طوائف ولا ملل ولا أعراق مختلفة.. وطول عمرها وحدة واحدة فى الأرض والشعب من أيام الملك الفرعونى مينا موحد القطرين!!

أعتقد أنه كان يجب أن يقال إن «مصر دولة نظامها ديمقراطى قائم على الحرية والعدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان».
وكفى المؤمنين شر الاجتهاد!

ما سبق.. مجرد مثل على «عيب» الصياغة.. وخاصة عندما تقارن ذلك بما وضعه الآباء المؤسسون للدساتير المصرية السابقة.. مثل ما نقلته المسودة فى المادة 56 منها من أن «العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بالقانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائى، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون».

هكذا تكون الصياغة.. عدد من المبادئ والأحكام فى مادة واحدة مع جمال العبارات وقوة البناء وسلامة التعبير.

***

على أية حال.. سوف نعود للكتابة بالتفصيل فى الشكل والمضمون لاحقا.. إن شاء الله.. ولكن ما أود الإشارة إليه سريعا لماذا سكتت المسودة عن الحديث عن نسبة الـ 50% عمال وفلاحين فى عضوية البرلمان بغرفتيه (النواب والشيوخ)؟

ولماذا لم تكن صريحة فى

إقرار منصب نائب الرئيس؟

وأيضاً فى تحديد هوية النظام الاقتصادى الوطنى.. هل هو رأسمالى.. أم اشتراكى.. أم تعاونى أم مختلط.. بمعنى هل سيقود القطاع الخاص التنمية أم ستكون القيادة للقطاع العام.. أو قطاع الأعمال؟

ففى رأيى أن هذه أمور أساسية ما كان يجب أن تسكت عنها المسودة أو تتجاهلها عمدا أو سهوا، لقد أوضحنا من قبل أنه لا يمكن أن يتساوى الفرّاش مع المدير ولا العمدة مع الغفير.. صحيح أنهم كلهم مصريون وكلهم أمام القانون سواء.. ولكن مراكزهم القانونية مختلفة فيما يتعلق بالحقوق والواجبات.. ومن المعروف أن مصر كلها فلاحون وعمال.. وكان يجب الاستمرار فى الحفاظ على ضمان تواجدهم فى البرلمان ولو لثلاثة أجيال قادمة وحتى تنتهى الدولة من القضاء على ظاهرة الأمية والتى حددتها المسودة بعشر سنوات من تاريخ إقرار الدستور.

كذلك منصب نائب الرئيس.. صحيح أن النص تغير من «يجوز» إلى «يعيِّن» رئيس الجمهورية نائبا له أو أكثر.. إلى آخره.. ولكن المشكلة أن النص مازال بين قوسين.. وهو ما يعنى عدم الاتفاق على المبدأ أو إقراره، يدعم ذلك ما ورد أيضا فى نص المادة 158 من المسودة.. والتى تقضى بأنه «إذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية بسلطاته حل محله رئيس الوزراء.. وعند خلو المنصب.. يباشر رئيس مجلس النواب مؤقتا سلطات رئيس الجمهورية!

فأين نائب رئيس الجمهورية من كل ذلك.. وماذا يفعل إذن إن لم يحل محل الرئيس فى غيابه؟!

***

فى الحقيقة الموضوعات كثيرة.. وتحتاج لقراءة متأنية لأن الأمر يتعلق بالدستور «أبو القوانين».. والمفروض أن يكون دائماً ولو لعدة أجيال قادمة.. وحتى يقضى الله أمراً كان مفعولاً.
فلا بأس أن نكتفى بهذا القدر هذه المرة.. على أن نواصل - بإذن الله - المناقشة التفصيلية لكافة الأحكام والمواد.. التى وردت فى تلك المسودة التى يبدو أنها أعدت على عجل.. وافتقدت حُسن الصياغة ودقة التعبير.