رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

أنسوا .. الثورة الشعبية في مصر !

(الثورة المصرية 25 يناير في كل ميدان في مصر)..( يوم 25 يناير التغيير في مصر) .. (انا هولع في نفسي يوم 25 يناير /ثورة شعب مصر)..( تحرير مصر في 25 يناير)..( 25 يناير مش فى مصر بس) ..( 25 يناير يوم الثورة على التعذيب والفقر والفساد والبطالة في مصر وسوريا ) .. (حملة رسائل دعم الثورة فى 25 يناير "SMS") .. (25 يناير الثورة الشعبية في مصر ضد الحكم الغاشم ثورة ثورة حتى النصر ) ..( 25 يناير الثورة الشعبية في مصر ضد مبارك وحكمه المستبد ) .. (ثورة مصر البيضاء موعدنا 25 يناير 2011 - هلموا يا شبااااب) ، (ثورة محامين مصر يوم 25 يناير هننزل نحمى الشعب ) ..

هذه العبارات وغيرها هي عناوين العديد من مجموعات الفيس بوك التي دشنها شباب وحركات احتجاجية مصرية ، للدعوة ليوم غضب ضد النظام في مصر ، والتي وصل عدد المشاركين فيها – علي الفيس بوك فقط – قرابة 57 الفا حتي الان .

لا أهدف لإحباط هؤلاء الشباب والحركات الاحتجاجية أو أجهض أحلامهم عندما أقول أن الثورة الشعبية ليست واردة في مصر وأن يوم 25 يناير سيمر مثل غيره من أيام الاحتجاجات ببعض الاعتقالات والحشود الأمنية ، وأن هذه الثورة التي يطمحون لها لها مقومات وفق الحالة المصرية الخاصة ، منها أنه لابد أن يقودها أو يساندها قوات نظامية تتحرك أولا ثم يخرج الشعب كما حدث في ثورات يولية 1952 أو ثورة عرابي وغيرها ، ولكني أتحدث بمنطق تحليلي بحت .

فالواقع يقول أن حالة مصر تختلف عن حالة تونس وعن حالة ايران ، ولا ننسي أنه عندما اندلاعت ثورة ايران 1979 كان البعض في مصر – خصوصا من أعضاء الجماعات الاسلامية – يحلم بتكرار هذه الثورة قبل أن يسعي بالفعل لتنفيذها بقوة السلاح في 6 اكتوبر 1981 لحظة إغتيال الرئيس السادات ولكنها فشلت .

فحالة تونس تكاد تكون حالة متفردة لأن حال البلاد كان مستعصيا علي الفهم وحالة الانسداد الاعلامي والفكري والسياسي شبه تامه لا تسمح بمرور اي معارضة أو حتي راي مخالف لما يراه الرئيس المخلوع وزبانيته ، والفساد بلغ أوجه ، والبلاد تحولت لحالة أسوأ بمئات المرات مما كانت تشهده مصر في فترة مراكز القوي والتعذيب والاعتقال من انسداد إعلامي وفكري وسياسي وتدهور أقتصادي .

ففي الحالة المصرية هناك نظرية تطبقها السلطة منذ سنوات مع تصاعد حالات الغضب الشعبي ، تقوم علي ما مبدأ (حرية الصراخ) كما كان يطلق عليه القيادي الراحل عادل حسين أمين عام حزب العمل المجمد نشاطه من قبل الحكومة رحمه الله .. بمعني السماح للشعب أن يشكو في الفضائيات والصحف الخاصة والمعارضة وفي مظاهرات روتينية علي سلالم نقابة الصحفيين أو ميدان التحرير ، وعندما "يفش" غله يهدأ وتعود ريمه لعادتها القديمة !.

هذه النظرية ليست سفسطة ولكنها أمر واقع حقيقي نجح في إمتصاص غضب المصريين .. يكفي أن يخرج مواطن مطحون علي التلفزيون يصرخ قائلا : "مش عارفين نعيش .. الاسعار نار .. أولادنا يجلسون في البيت بعد تخرجهم من الجامعات .. حاكموا المسئولين عن هذا " ، ثم يهدأ ويجلس مبتسما أمام التلفزيون أو الصحيفة ليري صورته وتصريحاته النارية التي ترضيه وتهدئ ثورته الي حين !؟.

وهناك فكرة إجتماعية تتحدث عن إعتياد المصريين علي الهدوء الاجباري نتيجة قمع السلطة بفعل طول فترات الاستبداد منذ عهد الفراعنة وعدم استساغة فكرة الخروج علي الحاكم وقتها علي الحاكم (الأله) ، وهي نظرية تطورات حاليا لصعوبة الخروج علي النظام بسبب طول فترة القمع الطويلة والقوانين المكبلة لأي تحرك ديمقراطي ، مع السماح بعمليات تنفيس مستمرة – عبر الاعلام – لمنع مرجل البخار من الانفجار.

وهناك نظرية أخري تقول أن السلطة في مصر نجحت في الهاء المواطن العادي (في نفسه)، بحيث يركض طوال اليوم لتوفير قوت يومه والبحث عن رغيف الخبز والرزق الذي لا يكفيه ، ما يؤدي لإنهاكه بصورة لا توفر له الوقت للاحتجاج ، ولهذا أصبح هم المواطن الوحيد هو خفض الاسعار أو توفير سلع ناقصة وليست له مطالب سياسية حقيقية محددة حتي لو جهر بالغضب من المسئولين ، وبالمقبل إقصاء اي شخصية تبدو جاذبة للجماهير وتلويثها ( أنظر ما فعلوه مع البرادعي ) .

وقد أجري المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية استطلاع رأى مؤخرا علي 3 ألاف شخص لمعرفة بماذا يحلم المصريون ، بين أن غالبيتهم (86%) يحلمون بالسيطرة على الأسعار من أجل حياة أفضل لهم ولأسرهم وأن تتحسن الأحوال المعيشية (!) ، وأن 77% منهم يسلمون أمرهم لله عزوجل ليس تواكلاً وانما لأنهم متدينون بطبيعتهم وسيجتهدون للوصول الى حلمهم ويتركون الباقى على الله .

وما ينطبق علي مصر ينطبق علي دول أخري أدركت هذه المعادلة التي فجرت الاوضاع في تونس ، مثل الجزائر ، وهي ( الفقر – الاستبداد – القمع الأمني – الانغلاق الاعلامي) ، فسعت لفتح مرجل البخار الشعبي عبر أحد أضلاع مثلث الانفجار هذا ، فسمحت بنوع من المناقشة الاعلامية والحرية النسبية للأحزاب والصحف والفضائيات بالحديث عن الفساد أو مشكلات الناس ، ما ادي لتنفيس وتسريب هذا الانفجار وإضعافه !.

لست أقلل من شان ولا جهد هؤلاء الشباب وقوى المعارضة والحركات الاحتجاجية الداعية لهذه الثورة الشعبية في مصر – علي غرار ما جري في تونس – والذين رفعوا شعار (فعلتها تونس 15 يناير وسنفعلها في مصر يوم 25 يناير)، وإختاروا يوم عيد الشرطة في مصر (25 يناير) ليكون هو "يوم الإرادة المصرية والثورة على الظلم والفساد" كما قالوا .

ولكني انبه لتعارض هذه الثورة مع الأنماط الاجتماعية الطبيعية للشعب المصري الصابر بطبعه والملهي في قوته رعما عنه ، فضلا عن غياب القوي السياسية الفعالة الجديدة ذات مصداقية في هذا اليوم الثوري خصوصا جماعة الاخوان والأحزاب الكبري كالوفد والتجمع ، وقصرها علي العشرات من شباب الحركات الاحتجاجية الذين سبق أن تظاهروا في مناسبات أخري ودعوا لاعتصامات ظلت محدودة وجري قمعها .

الحل في تقديري لإصلاح الحالة المصرية يظل بالتالي – مؤقتا - استغلال هذه الطاقة المفتوحة من قبل السلطة لحرية التعبير والحريات ، ومحاولة رفع سقف هذه الحرية تدريجيا .. فقبل 2005 لم يكن مباحا نقد الرئيس مبارك في الصحف ، ولكن بعد 2005 أصبح هذا أمرا مباحا في الصحف بفعل الامر الواقع لا برضاء السلطة ، أما علي المستوي البعيد فهو مزيد من الوعي لدي الجمهور وأسلوب العصيان المدني .

الحل في الاستمرار في كشف الفساد والمفسدين ومطاردة ومحاكمة زبانية التعذيب الذي يقتلون المصريين في مراكز الشرطة ، ومطاردة كل ديكتاتور وفاسد حتي لو ترك الحكم ، وتوسيع دائرة المحاكمات وعدم قصرها علي الداخل ، وإنما ايضا علي المحاكم الدولية لو لم ينجح المواطن في الحصول علي حقوقه في الداخل .

الظلم والجمود لا يمكن أن يستمر ، ومصر أعتادت علي دورات تاريخية يأتي علي رأس كل فترة فيها حاكم يقضي نصف حكمه كحاكم نزيه ثم لا يلبس أن يحيط به بطانة السوء البيروقراطية التي تميز الدولة المصرية منذ العهد الفرعوني ، فيتحول الشق الثاني من حكمه لحالة ديكتاتورية خالصة باستثناء بعض التنفيسات لمنع الانفجار .

ومصر الان تعيش بالفعل فترة أو مرحلة إنتقالية لحكم جديد قادم بحكم الزمن وتقدم سن الرئيس مبارك ، قد تكون الانتخابات الرئاسية  المقبلة 2011 هي بدايتها .. وحسنا أن جاءت الثورة التونسية في هذا التوقيت المناسب لأن أثارها الايجابية لا شك ستنعكس علي اختيار الرئيس المقبل برغم ضبط القوانين والدستور وتفصيلها علي شخص بعينه من الحزب الوطني أو خارجه (المؤسسة العسكرية) ، والطريق الصحيح للمعارضة هنا أن تزيد من ضغوطها مستفيدة من "رعب" ثورة تونس في توسيع نطاق المشاركة في هذه الانتخابات وتعديل الدستور بما يسمح بتوسيع دائرة إختيار الرئيس المقبل فمنه يبدأ التغيير غالبا وتلتف حوله المؤسسات ، بحسب التاريخ المصري .