رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

محمد الدويك يكتب: ريشة في مهب الريح

ريشة في مهب الريح.. هكذا الانسان.. ربما التقطتها يد حانية وضعتها بين دفتي كتاب.. وربما ساقتها الاقدار الى الطين تدوسها الاقدام.
ربما تلك الجملة هي الأكثر تعبيرا عن قصة فورست جامب. الطفل الذي لديه قصورا واضحا في قدراته الذهنية وإعاقه بدنية في ساقه تضطره للبس جهاز حديدي طول الوقت. والتي قام بتمثيلها توم هانكس ببراعة شديدة. والذي عرفت عنه للمرة الأولى عبر الراحل الاستاذ عبد الوهاب مطاوع.

فورست رزقه الله بأم كان حلمها الوحيد أن تراه انسانا سويا بين اقرانه في المدرسة. لم تدخله مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة ليكمل بها تعليمه لكنها أصرت على المدارس العادية.
ودخل فورست لينال كما لا بأس به من الاهانة والسخرية من الاطفال بالمدرسة.. ولا يفعلون شيئا سوى مطاردته والاعتداء عليه..
ورزقه الله بأم ثانية في هيئة طفلة صغيرة زميلته في المدرسة.. "جين".. كانت لا تفعل شيئا سوى أن تقول له مذعورة ودموغها في عينيها الواسعة، اركض فورست..
ولأنه يحبها ويثق فيها. فكان يجري.. يطلق ساقه للرياح والتلاميذ من ورائه.
وهنا اكتشف ان بمقدوره الركض دون الجهاز التعويضي.. وكانت تلك هي الميزة الاولى أن استطاع المشي دون جهاز.
تلك كانت طفولة فورست.. مشاهد متوالية من الهروب والمطاردة من قبل زملائه.. كانوا يجرون وراءه في البداية ثم استخدموا الدراجات العادية.. فاضطر أن يزيد من سرعته لينجو بنفسه.. وبعد ذلك تطور الأمر وصاروا يطاردوه بدراجات بخارية.
وكان فورست يطلق ساقيه للريح حين يسمع نداء جين المذعورة..
وفي مرة أثناء الهرب.. اقتحم فورست ملعب رجبي.. كرة القدم الأمريكية (أحمد مكي في المزاريطا) فرآه المدرب. وساومه على اللعب معهم. فتلك اللعبة تتمحور حول فكرة واحدة. المطاردة. وسرعة الجري.. وتلك كانت وظيفة فورست التي لم يتعلم غيرها في حياته. فلم يعترض ووافق ربما دون مقابل..
وكان زملائه في الفريق لا يفعلون شيئا جديدا سوى أن يسلموه الكرة ويقولون اجر فورست.. مثلما كانت تفعل معه جين في المدرسة.
وتمر الأيام ويصير فورست أشهر لاعب كرة قدم امريكية في الولاية. ويكرمه الرئيس الامريكي جون كيندي.
*
بعد ذلك تنغلق الدنيا في وجهه ولا يدري كيف تمضي الحياة.. ليست لديه القدرة الذهنية لتسيير حياته أو اتخاذ قرار مهم في مستقبله.. فيتطوع في الجيش الامريكي أملا في مكافئة نهاية الخدمة..
ولحظه العاثر يذهب في الفرقة التي تحارب في فيتنام حيث المذبحة الاشهر للجنود الامريكان في التاريخ.
وتتعرض الفرقة لقصف شديد من قبل الفيتناميين.. ولأن فورست ذكائه أقل من المتوسط فهو لا يدرك ماذا يفعل. ظل في مكانه ولم يهرب مع باقي الجنود..
وفي الأثناء كان قائد الفرقة قد أصيب في مكان قريب ولا يستطيع الحركة. فاستغاث بفورست.. وقال له الكلمة الشهيرة، اجر فورست.
فحمله فورست وأطلق ساقيه للريح.. ونجا القائد..
وفي الاثناء رأى جندي زميل آخر يستغيث. فعاد وأنقظه.
وثالث.. وعاشر.
وعاد فورست الى امريكا بعد تلك الهزيمة كبطل شجاع أنقذ الجنود والقادة.. ويلتقي به الرئيس الامريكي ليندون جونسون ليكرمه.
وكان فورست قد أنقذ الملازم "دان" من الموت. إلا أن الملازم دان اضطر الاطباء لبتر قدمه.. فصرخ دان في وجه فورست باكيا: لماذا لم تتركني أموت بدلا من أعيش مشلولا بساق واحدة..!
و أثناء وجوده في الجيش يصاب فورست جامب وتنكسر قدمه.. ويخسر نقطة تميزه الوحيدة.. ويدخل المستشفى لشهور.
وينصحه الطبيب بعدها بلعبة البينج بونج لتمرين عضلات الساقين.. فيكتشف فورست مساحة جديدة من الابداع في يديه لم يكن يعرفها إلا بعد ممارسة كرة المضرب.. ويتمرن فورست يوميا حتى ميعاد بطولة النوايا الحسنة والتي اشتركت فيها الصين.
ويلتقي بلاعب الصين ويهزمه في النهائي.. فيما يمثل انجازا كبيرا لامريكا في تلك اللعبة التي يحتكرها الصينيون.
ويلتقي بالرئيس نيكسون ليكرمه..!
وتنتهي خدمة فورست في الجيش ويأخذ مكافأة نهاية خدمة جيدة يبدأ بها حياته..
ذهب فورست واشترى مركبا كبيرا لصيد الجمبري. وسماه "جيني"

أجمل الأسماء في الكون كما يرى.. وبدأ في العمل الذي يجهل عنه كل شيء.
ويشرك معه الملازم "دان" الرجل الذي يعيش على هامش الحياة بساق واحدة مستسلما للاكتئاب والسخط ..
كل من حوله يعامله أنه معتوه. يسخرون منه أو ينصبون عليه.. وأوشك فورست على الإفلاس.. وفي مرة ألقى الشباك كالعادة، ولكن فجأة انقلب الجو وارتفع موج البحر وصار يهدد مراكب الصيد.. وغادرت كل السفن عرض البحر وسارعت إلى الشاطئ. إلا فورست. فلم يقل له أحد اجر فورست. ويبقى معه الملازم دان الذي يعيش برغبة انتحارية يومية.
ويقف فورست في وسط العاصفة لا يدري ماذا يفعل.. ولكن العاصفة تقلب باطن البحر لتأتي بجواهره.. وتصطاد شباك فورست أفضل صنوف الجمبري.. ويخرج ليجد العاصفة قد حطمت كل المراكب المرابضة في الميناء ولا ينجو سوى مركبه.
ويفتتح فورست مطعما كبيرا يقدم الجمبري.. ويصير اشهر مطعم في الولاية لخلو الساحة من المنافسين.
ويبدأ صديقه دان باستثمار بعض المال الفائض في شركة فاكهة. وتنجح التجارة نجاحا كبيرا تجعل منه من أصحاب الملايين..
وبعد أن نجح في عمله استطاع دان أن يحصل على قدم صناعية تعينه على المشي.. ثم يتعرف على فتاه رقيقة تحبه وتشاركه الحياة.
ويذهب لصديقه فورست ويشكره لأنه أنقذه في الحرب ليرى هذا الجانب الحافل من الحياة.
*
كانت جين حبيبته منذ الطفولة، قد رحلت أثناء فترات غياب فورست.. وتعرفت على شاب جديد يعاملها معاملة سيئة.. ثم تلتقي بفورست بالمصادفة وتمكث معه يوما واحدا في فراشه، ليتذوق طعم الشهوة لمرته الأولى، مضطربا خائفا.
وتغيب جين مرة ثانية لشهور..
وتعود..
وهي تحمل مرضا غريبا. وتحمل أثرا لنطفته في رحمها. وتنجب طفلا تسميه على اسم أبيه "فورست". ويطلب منها أن تبقى معه.
وذات يوم يخرج فورست يمارس رياضة الجري.. فيقلده الناس.. فيجرون.. ويصير حدثا رياضيا كبيرا، مارثون يستمر لثلاث سنين.. ويصير فورست مشهورا.
في هذه الاثناء كان مرض جين يتفاقم دون أن يجدوا علاجا له.. فترة قصيرة وترحل جين. ويبقى فورست وحيدا مع طفله الصغير.
ويحين يوم الدراسة الأول للطفل.. فيأخذه فورست وينتظر الحافلة التي تقله للمدرسة.. وتأتي الحافلة فيصعد الطفل ويلوح لأبيه.. وبينما كانت الحافلة تغادر جلس فورست على جذع الشجرة الذي جلست عليه أمه قبل ثلاثين سنة حينما سلمته للمدرسة في يومه الأول حين كان طفلا.
وفي الأثناء تطير الريشة من بين دفتي الكتاب في الهواء..
هكذا حياة الانسان.. ريشة في مهب الريح.. ربما التقطتها يد حانية تضعها بين دفتي كتاب.. وربما ساقتها الاقدار إلى الطين تدوسها أقدام ثقيلة صماء.