رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"ثائر" يبحث عن مدفن منذ 30 عاما!


فى قلب ميدان التحرير بين مئات المتظاهرين الذين يطالبون بمطالب فئوية، يسير عم سالم عبد الموجود (عامل فنى كهربائى) وسط الميدان يحملق فيمن حوله. أسمر، أشعث فى العقد السابع من عمره، يبدو زاهدا فى الحياة، يفكر كثيرا فى الموت.

عندما اقتربنا منه بادرنا بالقول: أريد مدفنا لأموت فيه.. تحققت كل أمنيات حياتى.. رأيت سقوط حسنى مبارك ونظامه. لم يعد يشغلنى سوى المكان الذى سوف أدفن فيه بعد موتى وظللت أبحث عنه منذ 30 عاما ولم أستطع الحصول عليه.

ويواصل حديثه ذهبت إلى مقر مجلس الوزراء لمقابلة الدكتور عصام شرف لعرض مطلبي متفائلاً بثورة 25 يناير، إلا أنني فوجئت بأحد الموظفين يقول: إن طلبي لن تتم الاستجابة له قبل عام على الأقل، وكانت صدمتي شديدة عندما قال لي: "ستسألني بالطبع ماذا إذا وافاني الأجل قبل انتهاء هذا العام؟ وأجاب على نفسه بالقول: سأرد عليك بأن أهل الخير كثيرون"، ثم طلب مني الانصراف لانشغاله بقضايا مواطنين آخرين.

سألناه: ألهذا السبب فقط تشارك فى مظاهرات اليوم بميدان التحرير، فأجاب: وأى شيء أهم من المكان الذى يحفظ كرامتى بعد الموت..لا أريد أن أدفن فى مقابر الصدقة.. لقد أحلت على المعاش بعد أربعين عاما من العمل ككهربائي درجة أولى في الهيئة العامة للاستعلامات، وحاولت كثيرا الحصول على مقبرة وذهبت إلى مقرات محافظة القاهرة والجيزة ومؤخرا السادس من أكتوبر لتقديم طلب للحصول على قطعة أرض لهذا الغرض على مدى الثلاثين عاما الماضية.

وأضاف "كل ما أمتلكه من حطام الدنيا مبلغ عشرة آلاف جنيه حصلت عليها بعد أن ربحت قضية للحصول على قيمة الإجازات أثناء عملي بالهيئة، وبعد أن ضاعت مني مكافأة نهاية الخدمة بسبب تعرضي لعملية نصب، وأعيش حاليا أنا وزوجتي المريضة بالسكر من الفئة الأولى، حيث أقوم بالإنفاق على علاجها، ومعاشي لا يتعدى ثمانمائة جنيه.

ويضيف "مع ذلك حرصت على الحفاظ على المبلغ الموجود لدي لكي أتمكن من الحصول على المدفن، حيث قمت مرارا بتقديم طلبات وفي كل مرة يقولون لي: "لم نفتح الباب للطلبات"، "لا نقبل القرارات لأن

لدينا قرارات كثيرة"، ووجدت أن الموضوع في يد بعض الوسطاء الذين لاحظوا ترددي على المحافظة، وعرضوا توصيلي بمن يحصلون على الأراضي ويبيعونها بما يتجاوز الأربعين ألفا من الجنيهات للمدفن - وهو أضعاف الثمن الذي تعلن عنه المحافظة وهو خمسة آلاف جنيه تقريبا-".

عم سالم عبد الموجود - وفقا لما يؤكده الدكتور ممدوح حمزة المهندس الاستشارى المصرى الكبير- يعد مثالا قويا لمعتقدات المصرى القديم منذ الأزل حيث اعتقد المصري القديم في الخلود والبعث، وكان اهتمامه بالحياة بعد الموت هو ما دعاه

لبناء الأهرامات، بل وإعداد صنوف الطعام والأمتعة التي سترافقه في الحياة الأخرى.

الإنسان المصري البسيط الآن لا يعجز فقط عن الحصول على مسكن يعيش فيه، بل هو أيضاً أعجز من أن يجد مساحة أرض تواريه بعد وفاته فالمستحيل يصحبه أيضاً في آخرته. يقول المثل المصري الشعبي "إكرام الميت دفنه" ويؤكده التراث الإسلامي، وفيما شيد الرئيس السابق مقبرة فخمة مجهزة بأفخم الأثاث فإن المواطن "سالم عبد الموجود علي" يحلم بالحصول على مدفن، وبعد ثورة 25 يناير لم يزل الحلم يراوده، وقد أوشك على اليأس من نيل مراده، إلى الدرجة التي دفعته إلى الذهاب لميدان التحرير والانضمام لجموع المتظاهرين عسى أن يجد من يصغى إليه حين يقول بصوت خفيض ويكاد يبكى: "لا أريد مسكنا .. كل ما أريده هو مدفن يواريني ويحفظ كرامتي بعد الموت"!!.