عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ما أروع الطفولة

كان الواقع الذى يجرى أمامنا كأنه الحلم الذى يراه النائم فى منامه، لولا أننا نلمسه بأيدينا ونشم روائحه العطرة وأنغامه العذبة وننتظر فى اللحظة المقبلة، المزيد من أحلامنا التى تمنيناها طويلاً وقد بدأت تتحقق كأنه السحر. وأجمل ما فى حلمنا أنه حلم جماعى نراه ونعيشه معا فى لحظة واحدة. وكان دائماً أفضل من أى واقع لأنه لا علاقة له بالواقع!!

طالما حلمنا ونحن أطفال بالفانوس السحرى الذى ندعكه فيخرج منه المارد لينحنى لنا ويقول (شبيك.. لبيك عبدك بين إيديك)، فنطلب منه ما لم يخطر على البال من قبل فيأتينا به فى لمح البصر. وطالما حلمنا بطاقية الإخفاء التى نضعها على رأسنا فنختفى ونفعل كل ما نريد فلا يضبطنا أحد. وبهذا المارد أو تلك الطاقية نسود العالم كله.
أرجع للمظاهرات الشعبية التى خرجت تدعو لمولانا فاروق الأول فى بداية عهده والآمال التى عقدوها على شبابه ليحقق لهم الأحلام وكان حلمه لبلده المحتل هو قيادة الخلافة الإسلامية كده خبط لزق!
وراجع الانقلاب العسكرى المصرى الذى قلد الانقلابات السورية المتتالية. مجموعة الضباط من رتبة مقدم وانت نازل استولوا على الحكم وعطلوا الدستور وحلوا مجلس النواب ومجلس الشيوخ وألغوا الأحزاب للأبد وصرحوا فقط بجماعة الإخوان المسلمين التى كانت قد قتلت رؤساء وزراء وقضاة وغيرهم. راجع حلم الناس فى هؤلاء الثوار الأحرار وكيف خرجوا يهتفون لمحمد نجيب ثم سرعان ما انقلب «ناصر» على «نجيب» وحبسه وأعطى لنفسه الحكم المطلق لمصر لا ينتهى إلا بموته، وضم إليها زعامة العالم العربى والعالم الإسلامى وبلاد العالم الثالث وقارة أفريقيا التى ساهم فى تحريرها كلها عدا مصر وثلاث دول عربية أخرى، مات وتركها محتلة!. انظر جنازته التى سار فيها خمسة ملايين. ولم لا وكان الحلم أن يحرر بقية دول العالم لو امتد به العمر إلى بعد المائة. وكان الشعب فى انتظار أن ينتصر على كل البلاد العربية ليحقق الوحدة العربية! وأن يؤدب أمريكا التى خيرها بأن تشرب من البحر الأبيض أو الأحمر أما فرنسا فقد قرر أن يتركها للجزائر وأما إسرائيل فسوف يلقيها فى البحر. ولا عجب فالحلم ليس له أى منطق. والرئيس كان يملك الفانوس السحرى وهو إرهاب كل من يفتح فمه بمن فيهم زملاؤه! والإخوان الذين كانوا معه. أما السلاح الآخر فهو إخراج العمال للهتاف مقابل 25 قرشاً. وأغانى تتغنى بالحلم الجميل قالت

قبل أى معارك (يا أهلاً بالمعارك) فكان ما كان. وأظن أنه لا مبرر لنقص سيرة السادات ثم مبارك فهى تحصيل حاصل.
دائماً خدعنا معظم السياسيين الذين أعطوا الناس عشرات من أحلام اليقظة الخرافية، أعطوها للمساكين وللأميين والمتخلفين عقليا والجهلاء والسفهاء والتوابع والأذيال. ولم يصدقها كثير من المثقفين والأذكياء والمتعلمين من المهندسين والعلماء والأطباء والمخترعين وكذلك الفلاحين والعمال والفنانين من كل الفئات. كانت المشكلة واضحة فالحلم الذى باعوه لنا كان دائماً بلا رصيد.
وفى 25 يناير تحقق الحلم أخيراً عندما قمنا بثورة ألهمت كل الدول والشعوب. أسقطنا الطاغية وزمرته فى لمحة عين، وغيرنا الدستور وأجرينا الانتخابات لمجلسى الشعب والشورى ثم حصلنا أخيرا على أول رئيس جمهورية مصرى منتخب بلا تزوير. الآن تحقق لنا الحلم والاستقرار لأول مرة منذ أن فتح البطل عمرو بن العاص أرض مصر. وكان الرئيس قد خطب وهو بعد فى فترة ترشيحه أمام جامع عمرو تيمنا به. فنصره الله قبل الناخبين وبدأت بشائر مشروع النهضة وها هى أنواره تسطع على أرض الكنانة بلمسة من فانوسه السحرى. وفى سنة واحدة حقق ما لم يحققه الأوائل، رغم انقطاع التيار الكهربائى عن الوطن وشيوع الظلام لساعات طويلة، فهى على العكس بشرى خير، ففى عصر عمرو لم يكن هناك أى نور أو أى إضاءة أو حتى مياه صالحة للشرب.
وليس غريباً فى الماضى، أن يأتى أول تبرع لجماعة الإخوان من الإنجليز الذين كانوا يحتلوننا. وليس غريباً اليوم أن تشترك أمريكا فى دفع نفس الجماعة إلى سدة الحكم. ولا عجب فالأمم المتخلفة شأنها شأن الأطفال.