رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مرتزقة الفضائيات

 

في مصر خطابان إعلاميان.. أحدهما مسئول عنه الإعلام العام (مقروء ومسموع ومرئي) والثاني يصدر عن المؤسسات الخاصة المملوكة لرجال أعمال سواء كانت صحف أو قنوات فضائية.. الإعلام العام أشبه بالرجل المريض الذي طال عمره وقصر فعله ويبدو للعيان مثل الدولة نفسها التي هو لسان حالها – تائه وغير قادر على التفكير المنظم والإبداع المؤثر والتغيير المنشود – ومشكلته أنه أسير الفكرة الفاسدة التي تخلط بين الدولة والنظام مما جعله مؤسسة تنفيذية مكدسة بموظفين، وتحول الإعلامي إلى موظف وبدلاً من الوعي بأن الملكية العامة لوسائل الإعلام تعني أنه – أي الإعلام العام – هو ملك للشعب ومعبر عنه أصبح إعلام نظام وأجاد السباحة في اتجاه واحد فقط هو الاتجاه الذي يؤيد ويطبل بغض النظر عن الحالة السياسية التي تعيشها البلاد والنتيجة أن كل نوافذ الإعلام العام تطل على فضاء السلطة أولاً ثم توجه خطابها للعامة وبدلاً عن أن يكون الإعلام العام المتحدث الرسمي باسم الناس والمنحاز لمصالحهم أصبح المتحدث الرسمي باسم النظام والمبرر لأفعاله.

هذا الواقع موجود ويتلون مع كل مرحلة تاريخية منذ 1952 وحتى يومنا هذا.. أما مصيبتنا ووكستنا الحقيقية اليوم فهي في إعلام السوق – إعلام رجال الأعمال والمصالح وجماعات الضغط والنخب الوهمية - إعلام يتصدر شاشاته وصحفه مهرجون وبهلوانات تركوا مشاكل البلد من انفجار سكاني وتخلف تعليم وتلوث مياه وتدهور قطاعات الصحة والزراعة وانشغلوا وشغلوا العامة بحكايات الشواذ والملحدين  والمثليين والراقصات والجن والعفاريت والعلاج بالقرآن والأعشاب.
ووكسة الوكسات أن جهابذة الإعلام الخاص نصبوا أنفسهم دعاة وخبراء استراتيجيين في السياسة والاقتصاد والدين وأقاموا محاكم للتاريخ هم فيها القضاة والجلادين والشهود وعلقوا المشانق للأئمة والفقهاء والرؤساء والملوك والصعاليك.. وقد بات واضحاً أن هناك أجندة عمل يومية لعدد كبير من أشاوس الإعلام الخاص الذين تضخمت ذواتهم إلى حد أنهم يستضيفون بعضهم البعض ويرسمون سياسات ويوجهون مؤسسات ويهددون أخري، وأعتقد أن كتيبة الإعلام الخاص اليوم نسخة كريهة من لجنة سياسات جمال مبارك.. يعني حكومة ظل أحياناً تكون أقوى شكيمة من الحكومة الرسمية ويظهر ذلك جلياً بمتابعة بسيطة لشيخ من مشايخ كتاتيب الإعلام الخاص عندما ينبرى كل ليلة للتنكيل برئيس الوزراء والسخرية من رجالات الدولة وانتقاد رأس السلطة.
وأنا لا أنظر إلى أي مسئول في البلد بمن فيهم الرئيس السيسي أنهم معصومون من النقد والمساءلة.. ولكن لكي نحترم أنفسنا وبلدنا ومهنتنا فمن يتصدى للنقد هم الضيوف الذين يختارون وفقاً لعلمهم وخبراتهم، ولابد أن يكون هناك الضيف والضيف الآخر – أي الرأي والرأي

الآخر – أما أن يتنطع متنطع من أبواق إعلام رجال الأعمال ويطبق على نفس الشاشة والمشاهدين ساعتين يتحدث وحده، فهذه مصيبة وسخافة وسماجة وقلة أدب واستنطاع كريه.. من أذن لهذا أو ذاك أن يقتحم على الناس غرف نومهم لساعات كل ليلة بدعوى أنه الفاهم والعالم والمتبحر والمتجذر في كل شيء.. لم يجرؤ على هذا التطاول والتبجح في يوم من الأيام طه حسين أو العقاد أو فكرى أباظة أو يوسف إدريس.. ولم تفكر يوماً بذلك ليلى رستم أو أماني ناشد أو أحمد فراج أو سلوى حجازي.. على الرغم من أن شماشرجية إعلام المقاولات بالنسبة لهؤلاء أقزام ومتسولون في أسواق المعرفة ومرتزقة رأي وتجار مبادئ.
المرتزقة الجدد خرجوا علينا بعد يناير 2011 من بالوعات الصرف الإعلامي.. بعضهم متخصص في نبش القبور واستحضار الأرواح كأن يتسافل أحد الأمنجية ويستدعي من قبور النسيان رئيس أسبق استبد بالسلطة فلفظته الجماهير وألقت به في دهاليز النسيان.. طفيل إعلامي يتصور أن بيده عصا موسي التي يحولها إلى ثعبان يلدغ الثورات والشعوب الحرة لصالح ممالك السيراميك.. قبح الله عمال تراحيل الإعلام الذين يحطون بمقاطفهم وفئوسهم الصدأة تحت أقدام من يدفع، والمعادلة المعروفة أن من يدفع أجر الزمار يتحكم بالنغمة.. وتلك مصيبة مصر في زماريها.
أتمنى على هؤلاء لو فكروا في غسل ضمائرهم وتطهير أنفسهم أن يخرجوا للناس ويقولوا لهم كم من سلطان آنسوه وكم من تاجر قصدوه وكم من أمير تملقوه.. ارحموا مصر واكتفوا بما جمعتم في أسواق النفاق والشقاق.. الزموا الفنادق التي تسكنوها وانظروا طويلاً في مرآة الوطن قد يصعب عليكم حال البلاد والعباد وتكونوا شجعاناً ولو مرة واحدة وتعتزلوا المضاربة في بورصات الأوطان.


[email protected]