عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شادية وفاتن حمامة..امرأتان من مصر

بوابة الوفد الإلكترونية

من السخف ان ننتظر، أن يموت فنان له قيمة وتاريخ، حتى نتذكره ونكتب عن إنجازاته ومآثره، أو نتحين فرصة يوم مولده، لنتحدث عنه! بينما نفرد الصفحات لمن هم اقل شأناً

لمجرد انهم يحدثون ضجيجا، ويملأون الساحة صخبا، بلا فائدة أو إنجاز يذكر! بعضنا لم يكتب حرفاً عن الفنانة وردة، إلا بعد إعلان وفاتها، ونسينا أنها أمتعتنا بروعة صوتها وتفرده، من خلال عشرات الأغنيات الساكنة فى وجداننا، آه لو قابلتك من زمان.. كانت حياتى اتغيرت، هل كنا ننتظر وفاتها لنعيد اكتشاف الأغنية، وغيرها من أروع ماقدمت من ألحان بليغ حمدى أو عبد الوهاب والسنباطى والموجى وسيد مكاوى؟
وعلى طريقة أمك نزلت تلعب فى الشارع! بدأت بعض الصحف تمهد لخبر نخشى ان نسمعه عن واحدة من أهم فنانات مصر، فى مجال الغناء والتمثيل، بل ان بعض الجرائد خصصت صفحات كاملة للحديث عن حبيبتنا وحبيبة مصر شاديه، وكأنها قد رحلت فعلا، ولا مانع عندى أو عند غيرى ان نفرد لها أعدادا ضعف تلك المساحة، فى ظروف ومناسبات أخرى، فهى تستحق على أية حال، بل إن تجاهلها طوال تلك السنوات، يعد جريمة فى حقنا وليس حقها وحدها! ولكن أن ينحصر اهتمامنا بترقب وفاتها، والشاطر فينا هو من يسبق الآخر فى إعلان خبرها؟ فهذا هو السخف بعينه! وعلى صعيد آخر أبدى البعض اهتماما بعيد ميلاد فاتن حمامة، بوصفها واحدة من أبرز سيدات شاشة السينما المصرية، فقد بلغت فى 26 مايو عامها الـ 82 متعها الله بالصحة والعافية، قضت منها 70 عاما على الأقل تعمل فى مجال السينما والإذاعة ثم التليفزيون، وقدمت ما يزيد على ثلاثمائة فيلم معظمها يعد من كلاسيكيات السينما المصرية!
وبين شادية وفاتن أوجه كثيرة للشبه، ووجوه أكثر للاختلاف، ورغم انطلاق نجوميتهما فى نفس الزمن «نهاية الأربعينيات»، إلا انه لم يحدث بينهما تنافس، أو أى نوع من الصراع كما كان بين فاتن وماجدة الصباحى فى الخمسينيات، وفاتن وسعاد حسنى فى الستينيات، شادية لم تعرف فى تاريخها صراعات، ولم تكن تنافس أحداً، ولم ينافسها أحد، لافى مجال الغناء ولا التمثيل!


فهى حالة متفردة، منفردة لايمكن القياس عليها، ولم يحدث فى تاريخ السينما المصرية، أن حققت مطربة نجاحا فى مجال التمثيل مثل شادية، لقد اجتمعت مع فاتن حمامة سيدة الشاشة مرتين إحداهما فى فيلم «موعد مع السعادة» إخراج عز الدين ذو الفقار، والمرة الثانية كانت فى فيلم «المعجزة»، وقد كان المخرج حسن الإمام يعتبر ان الجمع ما بين فاتن وشادية معجزة فى هذا الوقت لان كلا منهما كانت فى قمة مجدها وألقها «1962»، وبينما لعبت فاتن حمامة دوراً يتفق مع الصورة الذهنية التى تفضل أن يعرفها بها الجمهور، وهو دور صحفية تهتم برصد مشكلات المجتمع وتأثيرها على نفوس البشر، كانت شادية تتمتع بقدر أكبر من حرية الاختيار، وقدمت دور نشالة جميلة، تعمل ضمن عصابة، وعندما تحاول الصحفية أن تغير من حياتها وتهيئ لها فرصة للتوبة، وتبعدها عن العصابة، وتستضيفها فى منزلها، لم تتورع النشالة عن خطف خطيب الصحفية الحالمة، وكان المخرج حسن امام قد اختار الفتى الوسيم عمر الترجمان، الذى ظهر فى السينما كالومضة ثم اختفى نهائيا، ليصبح مجال صراع وتنافس بين المرأتين، أما فى مجال التمثيل، فقد حسمت شادية التنافس لصالحها، بما يشبه الضربة القاضية!
اشتهرت شادية بلقب الدلوعة، وقد نالت هذا اللقب لانها كانت تجمع بين الجمال «الطعم» وبين البراءة، والطعامة صفة تزيد الجمال رونقا وعذوبة، فتاريخ السينما المصرية يضم الكثير من الجميلات يفتقدن للطعامة، فلم تتمكن أى منهن ان تصل لقلوب الجماهير، والمثال الصارخ على ذلك ليلى فوزى «جميلة الجميلات»! وقد قدمت شادية عشرات الأدوار فى بداية عملها فى السينما، لم تخرج فيها، عن شخصية الفتاة المراهقة التى تنتظر العريس، وتقدم أغنيات يغلب عليها البراءة، والدلع وخفة الظل، مثل خمسة فى ستة بتلاتين يوم، غايب عنى وغاب النوم، أو يادبلة الخطوبة عقبلنا كلنا، واحد اتنين.. واحد اتنين أنا وياك ياحبيب العين، وسوق على مهلك سوق بركه الدنيا تروق! ولكنها بعد أن وصلت الى مرحلة النضج واكتمال الأنوثة، فاجأت الجمهور بدورها الجرىء فى فيلم «ارحم حبى» الذى قدمت فيه أغنيتها الخالدة «القلب يحب مرة.. ميحبش مرتين» خرجت فى هذا الفيلم من قالب الفتاة المراهقة التى تحلم بالعريس إلى قالب المرأة التى تسعى للرجل الذى تريده، حتى لو كان لامرأة أخرى! أما خبطتها الكبيرة التى لفتت النظر لمقدرتها المتناهية على التمثيل، فكانت مع «المرأة المجهولة» الذى يمكن أن تعتبره، بداية مرحلة جديدة فى مشوارها السينمائى، قصة الفيلم مأخوذة عن رواية «مدام إكس»، وقد ظهرت فى معظم أحداث الفيلم وهى سيدة عجوز متآكلة، هدتها السنون، وأبعدتها عن زوجها وطفلها لسنوات طوال، وتلتقى بهما مرة أخرى بعد أن أصبح الطفل رجلا، والزوج كهلا، وتحولت هى الى قاتلة تنتظر حكم الاعدام!! طبعا كان الفيلم يغلب عليه الميلودراما فى أضعف صورها، ولكن ما يعنينا هنا، قدرة شادية على تلوين أدوارها، وعدم احتياجها للغناء فى فيلم لايحتاج الى ذلك، ولكن لأن شجاعة المخرج خانته، وخشى من ان يقدم مغامرة فنية متكاملة شادية بدون غناء، وكمان فى شخصية امرأة عجوز شمطاء! حاول البعض تكرار التجربة مع فيلم «لاتذكرينى» ورغم أنه افضل فنيا، إلا أنه لم يحقق نفس النجاح الذى حققه المرأة المجهولة، لسبب بسيط أنه جاء بعده! ولكنه على أية حال كان مقدمة لأدوار متنوعة لا تستطيع نجمة

أخرى أن تقدمها! منها شخصية العاهرة «نور» فى قصة نجيب محفوظ «اللص والكلاب»، للمخرج كمال الشيخ، وشخصية حميدة فى قصة أخرى لنجيب محفوظ هى «زقاق المدق» وكان المخرج هذه المرة هو حسن الامام، ومعه قدمت التلميذة، أول أفلام حسن يوسف، كانت نهاية الخمسينيات فترة ازدهار فنى لشادية من خلال شاشة السينما، ومن خلال أغانيها أيضا، وعندما حلت سنوات الستينيات كانت شادية تكاد تكون الوحيدة التى تجمع بين نجومية الغناء والتمثيل، وقدمت فى هذه المرحلة فيلم «الطريق» اخراج حسام الدين مصطفى، و«ميرامار» اخراج كمال الشيخ، طبعا واضح جدا انحيازها لأدب نجيب محفوظ الذى اعتبرها النموذج المثالى للأنثى التى يكتب عنها، وذلك بعكس فاتن حمامة التى انحازت لأدب احسان عبد القدوس وقدمت له أفلام: «الطريق المسدود، ولا أنام، وامبراطورية ميم، والخيط الرفيع» درة تعاونهما الفنى، وهو يكاد يكون الفيلم الوحيد الذى خرجت فيه عن صورتها الذهنية التى طبعتها عنوة فى أذهان الجماهير والتزمت بها لأكثر من نصف قرن، فى «الخيط الرفيع» قدمت فاتن حمامة لأول مرة دور محظية أو عاهرة ملاكى لأحد أثرياء سنوات السبعينيات، وهو أحد أهم أفلامها أو أهمها على الاطلاق، وكانت قبل سنوات قد رفضت أن تلعب دور العاهرة الفقيرة «نفيسة» فى فيلم «بداية ونهاية» قصة نجيب محفوظ واخراج صلاح أبو سيف، وهو الدور الذى صنعت به سناء جميل مجدها الفنى وتبعته بدورها فى «الزوجة الثانية» مع صلاح أبو سيف أيضا!


تجاوزت شادية كل التوقعات والاحتمالات وفتحت لنفسها طاقة جديدة تؤكد تفردها كممثلة، عندما لعبت دور فؤادة فى فيلم «شىء من الخوف»، هذا الفيلم الذى أصبح بعد ذلك أحد أهم كلاسيكيات السينما المصرية، ولكن شادية التى كانت قد وصلت الى مرحلة ما بعد النضج وقد تخطت الأربعين من عمرها، وهى المرحلة التى لاتتعامل معها السينما المصرية كثيرا، فقد كان عليها أن تقدم ما يناسب عمرها، وهنا ظهر دور المخرج أشرف فهمى الذى قدم لها مجموعة من الأفلام شديدة التميز «امرأة عاشقة، أمواج بلا شاطئ، رغبات ممنوعة» لم يعرض فى صالات السينما، «لاتسألنى من أنا» آخر افلامها!
قدمت شادية مجموعة من الأفلام الكوميدية المميزة معظمها من اخراج فطين عبد الوهاب منها: «الزوجة 13، مراتى مدير عام، عفريت مراتى، أضواء المدينة» أول فيلم غنائى، بمعنى ان الغناء فيه ليس مجانيا لمجرد ان بطلة الفيلم مطربة، يبقى لازم تقدم كام أغنية حتى لو كانت خارج السياق، ولكن فيلم «أضواء المدينة» كان فيه الغناء بديلا عن الحوار فى كثير من المشاهد، ولذلك غنى أحمد مظهر وعبد المنعم ابراهيم وعادل إمام وابراهيم سعفان إنها محاولة مصرية لتقديم فيلم غنائي على غرار أفلام هوليوود «سيدتى الجميلة وصوت الموسيقى» وغيرهما.
بعد نجاحها الطاغى فى تجربتها المسرحية الوحيدة التى أخرجها حسين كمال عن نص لبهجت قمر، ومسرحية «ريا وسكينة»، قررت شادية أن تعلن اعتزالها فى منتصف الثمانينيات، ولم تعلن حتى الآن السبب الحقيقى الذى دفعها لذلك، ولكنها انسحبت بهدوء شديد، واحترمت تاريخها الفنى، ولم تعلن مثل غيرها تبرئها من أفلامها، والتزمت بالصمت ومتابعة ما يحدث على الساحة الفنية، وكانت تشارك برأيها فيما يعجبها من أعمال فنية، ولكنها لم تتجاوز، ولم تدع أنها أكثر تقوى من غيرها، ولم تزم أحدا أو تلعنه، إنها نسمة مرت على تاريخنا الفنى وصوتها شارك فى أحداث ثورة يناير وكانت «ياحبيبتى يامصر» تجلجل فى أنحاء الميدان تطمئن الثوار أنهم لابد منتصرون، ولايزال صوتها يشجينا سواء فى أغانيها العاطفية او الوطنية، وسوف يظل معنا الى آخر العمر، سواء كانت بيننا أم ذهبت لمكان آخر أفضل كثيرا من عالمنا هذا.