رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مش وردى ولا الدنيا ربيع

زماااان.. أيام التوهان الجميل فى الخيال وأحلام البنات، كنت أحب أسمع أغنيتين لما يهل شهر مارس، وأشوف الزهور بألوانها الزاهية بتتفتح وتملا المكان، والشجر الناشف يخضر ويزقزق الطير على الأغصان، الأغنية الأولى «الدنيا ربيع والجو بديع قفلى على كل المواضيع»، لما يكون البال رايق مع كباية شاى بالنعناع الأخضر فى بلكونة بيتنا مع حبات ترمس عملاه أمى لزوم الموسم، والتانية أغنية «أدى الربيع عاد من تانى» لفريد الأطرش مع باقى الأغنية الشجية، لما أكون زعلانة، بس أيامها كانت أحزانا قليلة وتنتهى بسرعة، أصل كان فيه لمة وعيلة، وبيت جيران نزورهم، وأصحاب طيبين نحكى معاهم ونفضفض بكل اللى فى قلوبنا، من غير من نخاف أنهم هيفضحوا أسرارنا لو يوم معاهم زعلنا.

زمااان كنا بنلعب فى الشارع ونجرى ولاد وبنات، إخوات.. إخوات، من غير ما نبص لنفسنا أننا وصلنا لباب الأنوثة ولا «خرطنا خراط» البنات، عمرنا ما خفنا حد يعاكسنا ولا يشاكسنا، ولاعرفنا يعنى إيه تحرش، ويعنى إيه زنا محارم واغتصاب أطفال فى المدارس والخرابات ولا رميهم من فوق البنايات، مع أن لبسنا كان قصير ومن غير أكمام، كان لو ولد غريب حاول يبلطج بكلمة بس طايرة «انت ياواد يا حلو يا أسمر» كان ياخد له علقة تمام من ولاد الحتة، ويحرم، وبعدها يبقى صاحبهم، ويبقى هو كمان حامى حمى البنات.. الإخوات.
زمااان، كنا ناخد المصروف قرشين، ولا خمسة ابيض، وكنا نشترى بيهم حاجات حلوة تفرحنا وتشبعنا، ويوم العيد كانت فرحتنا بالمرجيحة اللى على شكل مركبة ملونة، ولا فرحة ابن غنى زار «ديزنى لاند» أكبر ملاهى فى العالم.
زمااان كنت أحب المدرسة، وأحترم قوى مدرسينى، استخبى منهم فى الشارع لو شافونى، لتانى يوم يعاقبونى، ويقولوا إنى كنت بالعب ومش بذاكر، وهم كمان كانوا ماشاء الله عارفين واجبهم ومراعين ضميرهم، لا دورس خصوصية ولا تزويغ، ولا يوم فقعوا عين تلميذ، ولا ضربوه على راسه موتوه بنزيف، ولا مدرس اتحرش بطالبة حلوة، المدرسة والله كانت بيتنا التانى، أهالينا بيرتاحوا واحنا فيها، حتى أن أمى كان ممكن تشتكينى لمعلمتى لو فى البيت أنا واخواتى اتشاقيت، وساعتها كان ياويلنا، نتعاقب بالحرمان من الفسحة، أو من حصة الموسيقى، ولا نرفع على السبورة إيدينا، وبعدها ناخد درس تمام فى الأخلاق عن رضا الوالدين وعقاب الابن العاق عند ربنا.
زمااان لما كنت أشترى حاجة من البقال، كان يتوصى بيا فى الجبنة والحلاوة، ويدينى لبانة أو بنبوناية، عشان أحب بقالته واشترى منه على طول، عمره ما غش فى ميزان، ولا باع لنا حاجة وحشة، ولا كتب على حاجة سعر وباعهالنا بسعر أعلى، وكانت البركة كبيرة قوى فى الحاجة القليلة، أصل كنا ناكلها واحنا بنقول بسم الله، وبعدما نشبع نقول الحمد لله، كان فيه رضا وقناعة.
زمااان كنت أحب أروح مع والدى وهو بيقضى أى طلب من مصلحة حكومية، كانت المبانى نظيفة، الموظفين شكلهم يشرح القلب ومحترم، ومش هتصدقوا، والله كانوا يعزموا علينا بالشاى اللى فى ايديهم، بس إحنا عمرنا ما شربنا، وكنا بنخلص طلبنا بسرعة، كنت باحس إنى فى عالم مثير، وأنا شايفاهم زى خلية النحل شغالين ومبسوطين، عمر ما حد منهم طلب إكرمية.. ولا «شاى» ولا طلب نفتح مخنا، أصل الرشوة كانت عيب بالنسبة لهم قبل ما تكون حرام، والناس كانت عارفة بعضها، والموظف كرامته من كرامة الدولة، كنا بعد ما نقضى طلبنا، يسلم علينا الموظف ويقول لأبويا «خلينا نشوفك تانى يا عم أحمد».
زمااان، مش هتصدقوا، كانت الجيران عارفة بعض، وكان الجار للجار أقرب من الأخ

فى المرض والكرب، يصبحوا ويمسوا على بعض، ووشهم ما يعرفش التكشيرة، يعزموا على بعض بالاكل، يتهادوا بطبق ترمس، ولا عاشورا، أو كحك وصينية فتة فى الأعياد، بعد صلاة العيد، كان جارنا الحاج حمدى «رحمه الله» ييجى يعيد علينا، وياخد معاه والدى، ويزور جار تالت، وياخدوا معاهم الجار الثالث ويزوروا الرابع، وتستمر الحكاية، وساعة الظهر، يكون رجال الحى فى فوج ولا الحج، بيزوروا آخر جار فى الشارع، ونفس الحكاية بين سيدات الحى، واحنا والولاد بين دول ودول، هايصين فرحانين بالعيديات اللى بنلمها، والحاجات الكتير الحلوة إلى بندوقها عند كل جار.
زمااان، ماكانش فيه شاب عاطل، كان اللى يتخرج من الدبلوم ولا المعهد أو الكلية، يقدم ورقه على طول للحكومة، وهى مسئولة تشغله، ماكانش فيه واسطة ولا محسوبية، كل واحد كان عارف حقه، وكمان واخد حقه، وكان اللى يتأخر عليه جواب التعيين من الحكومة، يروح يتطوع فى الجيش، كان دخول الجيش ده فرحة وحكاية، تلاقى الجندى منهم يلبس البدلة، ولا حسين فهمى فى السيما، ماكانش فيه خاين ولا ارهابى بيكره جنودنا ولا يهدد حياتهم، عمرنا ما سمعنا بشهيد، الا على الجبهة فى حرب ضد أعدائنا الصهاينة.
زمااان كانت الشوارع نضيفة وهادية وواسعة، التاكسيات سواقينها لابسة نضيف ومحترمة، بتحترم الزبون كأنه ملك، لا حد يحكى لك حكاية آخرها مأساة عشان يبتز عطفك وأموالك ولا حد يشتمك لوماسبتش كام جنيه فوق العداد اكرامية، وماكانش فيه شحاتين فى الشارع بالملايين، لا أولاد شوارع ضحايا ومجرمين، الاتوبيسات ما كانتش زبالة ولاخنقة، القطارات رغم بساطتها نضيفة.
ضاع زمانى وعشت فى زمنكم، وادى الربيع عاد من تانى، ومش قادرة «أقفل على كل المواضيع»، لأن ده مش ربيع ولا الدنيا وردى، ولا حتى الربيع العربي كان ربيع، كان خدعة، الربيع المرة دى، بكانى مع أغنية لبنانى، بتقول: عن أيّ ربيع بغني عن أيّ ربيع بقول، هالوجع اللي طالع مني صرخة من قلبي المشغول، هالناس يلي عم تسقط هنّ أبريا ومين المسئول، حلمنا بربيع مزهّر عطر و ينتشر عالناس، طلع الربيع محيّر زهر دم ولاد وناس، بديت بعربية خضرة ولعت ثورة بالميدان، عملوها ثورتنا حمرا تقتل باسم الأديان، دول كبيرة دخلت فينا بمصالحها السياسية، الشعوب اللى قررت تعيش بحرية، الثورة يا خسارة ردّتهم للعبودية، ثورة التغيير تطور مش ترجع لورا، خوفي لهالثورة تأخر وتصيرنا مسخرة..!

[email protected]