رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فن صناعة الأعداء وهيبة الدولة

«دجالة» هكذا وصفتها عندما رأيتها لأول وهلة حتى قبل أن أتعامل معها وأكتب عنها تحقيقاً صحفياً، «يوماندا» كانت لعبتها التى جنت منها الملايين هى التلاعب بأحلام الآخرين، منحهم الأمل الغامض حتى لو كان أملاً «خائباً» للمواطنين، بأن شفاءهم من الأمراض سيأتى من داخلهم، دون الحاجة إلى طبيب أو إلى دواء، أقنعتهم أن شفاءهم سيأتى أيضاً من طاقة مجهولة غير مرئية تمنحها لهم بأيديها، عندما تمرر يدها على رؤوسهم وهى تتمتم بكلمات ناعمة، تصول وتجول متأنقة فى ملابس فضفاضة زرقاء تكسبها مشهداً سماوياً ساحراً غامضاً، صدقها كثيرون، وزاد من الطين بلة أن الحكومة الهولندية غضت عنها الطرف لتمارس شعوذتها وتقنع الناس بالأمل الكاذب طالما ليس هناك ضرر، حتى تلك اللحظة، التى ماتت فيها ممثلة مشهوره شابة، كانت الممثلة قد لجأت إلى يوماندا المشعوذة وهى تعانى من مرض السرطان اللعين، ومارست المشعوذة معها نفس اللعبة، قالت لها إن شفاءها يكمن فى طاقتها الداخلية، وفى الطاقة الإضافية المجهولة التى ستمنحها لها، وصدقت الممثلة، لم لا والجمع الغفير يصدق، والحكومة صامتة تتفرج.

كان موت الممثلة صدمة للمجتمع الهولندى وأيضاً للحكومة، وآفاق الجميع، لا توجد طاقة خفية ولا مجهولة، لعلاج أى مرض، العلاج فى الطب الذى أرشدنا إليه الله بالعلم، لكل داء دواء، والوصول للدواء لا يتم إلا بالبحث والعلم والعمل واجتهاد الجميع شعباً وحكومة، وثار الشعب الهولندى، طالبوا بالقصاص من يوماندا، بإعدامها رغم أن قانونهم ليس به أحكام إعدام، واكتفى القضاة بسجنها 3 سنوات، يأتى الحكم صادماً ومخيباً للآمال، وتراجعت الأسطورة التى عشقها شعب علمانى، لأن الحكومة تركت من يتلاعب بأحلامهم، ويمنحهم الوهم دون أى آليات، أقنعتهم بأن الشفاء سيأتى من داخلهم دون دواء فعلى، ولم تكن الممثلة هى الوحيدة التى تضررت، بل هناك مئات آخرين تعقدت حالتهم الصحية، وساروا إلى الموت، لأنهم صدقوا الوهم وتوقفوا عن العلاج الفعلى لأمراضهم.. انتهت القصة والمعنى فى بطن الشاعر، وأمنح لنفسى ولكم فاصل وأواصل فى سياق متصل.
صناعة الأعداء فن، ولا أعتقد أنه يوجد فى العالم كله حكومات تتمتع بهذا القدر من الفن فى صناعة الأعداء من الشعب نفسه قدر حكوماتنا المصرية، بما فى ذلك الحالية، الحكومة الموقرة بكل أجهزتها التنفيذية المختلفة، أصيبت فجأة بيقظة «الهوجة»، أو الصحوة من غيبوبة طويلة، وتنبهت أن هناك مخالفات على الأرصفة، وعشوائيات احتلت قلب الشوارع والطرقات، ومبانى ارتفعت بلا ترخيص، واعتداءات صارخة على ضفاف النيل المسروق، فجأة خلال الأيام الأخيرة بحملات شعواء، قوات من الأمن المركزى، وحدات لتنفيذ الهدم، جرافات، أوناش، ترسانة مسلحة وكأننا فى حرب، خناقات.. صرخات المواطنين, اعتداءات بالضرب نساء تولول.. أنقاض مشهد يذكرنا «مع احترامنا للفارق» بين ما تفعله قوات الاحتلال فى بيوت الفلسطينيين، وهات يا هدم وتكسير، ومصادرة لعربات اليد وما عليها من خضار وفاكهة لرجل بسيط غلبان يجوب شوارع القاهرة بأقدام متشققة وجلباب مهلهل لكسب جنيهات ليأكل هو وأولاده.
مشهد بكيت له وغيرى، عجوز، هدمت الشرطة كشك الحلوى بمنطقة «صقر قريش» على كل البضائع التى كانت به، كان الرجل يبكى وهو بين الأنقاض يجمع ما نجا من زجاجات البيبسى وعلب البسكويت والحلوى فى جوال، شباب يساعدونه بغضب ويتوعدون بالانتقام، لأن بعضهم تعرض للضرب والإهانة من قبل قوات الأمن حين حاول الاعتراض على هدم الكشك بهذه الطريقة اللاإنسانية، ما تفعله أيادى الدولة فى المواطنين البسطاء بهذا الأسلوب هو صناعة لأعداء جدد، وحتى نكون منصفين، نادينا دوماً كإعلاميين بضرورة التصدى لمخالفات الشوارع والطريق، وإعادة الشارع المصرى إلى جماله القديم فى الستينيات، يوم كان المواطن يجد رصيفاً يمشى عليه، وكانت كل

الأبنية والمقاهى تحترم نفسها ولا تخرج عن حدودها لتحتل الرصيف أو جزءاً من نهر الشارع، نعم طالبنا ومازلنا نطالب بذلك، ولكن المهم هو كيفية التنفيذ، دون إثارة العداء واستفزاز الفقراء، يتم بإنذار المخالفين بصورة قانونية، وإمهالهم فرصة كافية لنقل أشيائهم أو بضاعتهم فى أماكن إلى أماكن أخرى، وأن تساعد الدولة وكل المسئولين المعنيين فى إيجاد بدائل سريعة ومناسبة لهم قبل تنفيذ الهدم وردم التراب والأنقاض على أموال الغلابة البسطاء.
على كل مسئول أن يفكر، أين سيذهب هذا الشخص ومن أين سيأكل لقمة «حلال» وأؤكد «حلال» بعد أن نخب بيته وندفن ما يبيعه تحت الركام أو نصادره بلا عودة، أبشركم بوجود غليان فى الشارع المصرى بين الباعة وأصحاب المحلات والمقاهى، نوع جديد من الكراهية ورغبة الانتقام تتولد لدى المواطنين البسطاء ضد قوات الأمن المركزى، وضد الأدوات التنفيذية لأعمال الهدم من شرطة المرافق أو غيرها من الجهات، إعادة هيبة الدولة لا يتم بترك السرطان يتغلغل ويتوغل أولاً فى جسد الشارع المصرى، ثم نقوم قومه فجأة مرة واحدة لقتل الجسد اعتقاداً بأننا نقضى على هذا السرطان، ونحن لا نعلم أننا نخلق خلايا جديدة فى المجتمع أشد فتكاً بالدولة، خلايا من الفقر.. الحقد، من رغبة الانتقام، لأن هؤلاء جميعاً يشعرون بغياب عدالة الدولة، لأن الدولة لا تطول المخالفين الأغنياء المسنودين، أصحاب النفوذ، بينما يدها طويلة جداً وقاسية جداً على رقاب الغلابة، هيبة الدولة ليست بصناعة عداء الفقراء ومصادرة أقواتهم دون بديل، آلاف من البيوت المصرية تم تخريبها خلال الأيام الماضية بسبب مصادرة البضائع وهدم الأكشاك على ما بها، وأتساءل أين تذهب بالمناسبة هذه البضائع التى تستولى عليها شرطة المرافق؟.. مجرد سؤال.
الحكومة تصنع أعداء جدداً، أعداء فقراء، وستكون عداوتهم للدولة أشد فتكاً من عداء الإخوان الإرهابيين، عداء الإخوان ليس مبنياً على حق، ولكن عداء من تم تخريب بيته وقطع قوت أولاده، وتحويله إلى متسول، هو عداء حقيقى وله أسبابه المنطقية, ألا تنسوا أن الثورة التونسية بائع متجول، لأن الشرطة صادرت عربة اليد التى كان «يسترزق» منها وصفعته شرطية على وجهه، أرجوكم لا تتفننوا فى صناعة الأعداء داخل مصر، يكفى ما نحن فيه، التزموا الرحمة، التزموا الحكمة، التزموا الصواب فى تنفيذ الأحكام لإزالة المخالفات، لا تكونوا يد حديد ضد الغلبان فقط، وكونوا قبل هذا مع أصحاب النفوذ قبل الفقراء، اللهم بلغت.. اللهم فاشهد.


[email protected]