رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ثورة الغضب وبقاء مصر فى غرفة الإنعاش

مسكين شعب مصر، تخبطه بين الخروج فى مسيرة هنا أو هناك، أو اعتصام، أو إضراب، أو احتراق أمام الأبنية الحكومية، وانتحار بشتى الطرق, كل هذا يثير الشفقة لأنه بلا جدوى، كنت أعلم مثل غيرى كثيرون، ممن خبروا طيبة شعبنا المصرى،  وخبروا نظامنا السياسى العتيق، والقبضة الأمنية الحديدية التى ترفع فى وجه الشعب فى أى لحظة، كنت أعلم أن وقفة 25 يناير لن تنجح، لن تزحزح كراسى حكومتنا من مواقعها، ولن يدفع ثمنها إلا حفنة من بسطاء الشعب، سيعتقلون ويرون ما لا عين رأت فى أقسام الشرطة وفى مقار أمن الدولة، تنفيذا لمثل جديد أطرحه لأننا شعب طيب يحب الأمثال والسخرية من مصائبنا  " اضرب المتظاهر يخاف النايم  " .

كل من اقتاتوا الحلم القادم من تونس على مدى 10 أيام ، اصيبوا بخيبة أمل كنت أتوقعها، ولا يغضب منى أخ مصرى إذا ما اعترفت لكم أنى كنت أشعر أن هذه الغضبة ستنتهى وتتحطم على أول صخرة أمن، لأنها مجرد محاولة تقليد لما حدث فى تونس .

هل كنا فى حاجة إلى العزيزى وثورة الجياع هناك لنستيقظ هنا، ونشعربما نعانيه على مر العقود، لا ، فثورة الغضب  لن تخرج مصر من غرفة الانعاش، تلك التى تعيش على فراشها منذ سنوات، مصر تعيش على مسكنات الألم  والتصريحات المهدئة، مسكنات تكاد تذهب بها إلى غيبوبة الموت، ثورة الغضب لن تنقذنا مما نحن فيه،  نحن نحتاج إلى مبادرة مصرية خالصة، نابعة من قلب مصر، من شعب مصر، مبادرة يقودها ساسة الأحزاب، مع أصحاب الرأى والفكر، وقفة جادة بعيدة عن الانتحار وإسالة الدماء, بعيدا عن التهديد بالانقلابات أو نيران العنف، وقفة بيضاء .

كنا نحتاج إلى تكرار ما فعله أحمد عرابى حين خرج إلى ميدان عابدين، أن نكتب مطالب الشعب فى وثيقة واضحة المعالم، ونقدمها إلى القصر الرئاسى، إلى كل مسئول متربع على كراسى الوازرة والحكومة العصماء، وأتصور بعين خيالى  هذه المطالب تتمثل فى :

تعيين نائب لرئيس الجمهورية، إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة لما أحاط بها من تزوير فاضح لإرادة الأمة، وعقد انتخابات برلمانية جديدة تقوم على الشفافية، وعلى احترام أصوات الناخبين بصورة حرة، لا أصوات من تم شراؤهم بالأقمشة واللحوم وقروش الحشيش، أن تمنح الأحزاب بكافة فصائلها وتوجهاتها الوطنية المشاركة العادلة فى الانتخابات والدعاية .

أن يتم تشكيل حكومة ائتلافية كالدول الديمقراطية المحترمة، و يتم إشراك الأحزاب التى ستفوز بمقاعد برلمانية، إشراك عناصر وكوادر ناجحة منها فى تشكيل الحكومة، أى أن يكون بين الوزراء عناصر من أحزاب أخرى غير الحزب الوطنى، وقبل هذا كله، أن يتخلى رئيس الجمهورية عن رئاسة الحزب الوطنى، وأن يختار الحزب رئيسا آخر له، لإعطاء فرصة شعبية متكافئة سياسيا واجتماعيا للأحزاب الأخرى أمام الحزب الوطنى ،  أن يكون السماح بنشاط الأحزاب حقيقى لا هيكلى، أو مجرد ديكور لإكمال صورة الديمقراطية المزعومة فى مصر  .

أن يتم رفع السيف المسلط على قانون تشكيل الأحزاب ، فيسمح بمزيد من الأحزاب ذات الأهداف السياسية والاجتماعية، فخروج التوجهات السياسية المختلفة إلى النور أفضل وأمان من العمل فى الظلام، فخفافيش الظلام أخطر من طيور النور، فماذا  يضر الحكومة أن يتشكل حزبا لحماية البيئة كأحزاب الخضر فى أوروبا، أو حتى أحزاب لحماية الحيوانات، أو لرعاية الطفولة أو المرأة وغيرها .

التعددية الحزبية فى دولة المؤسسات متنفس لأصحاب الرأى والفكر، المكبوتين الحانقين الغاضبين، متنفس للجميع ليقول بحرية ويتكلم من أرض مصر ولأجلها لا من خارجها، ويعبرعن رأيه لتصب جميع الآراء فى النهاية فى  مصلحة مصر، على الحكومة أن تترك الآراء تختلف، وتتجمع، بشرط أن يكون هناك غطاء عام أو عباءة عامة تسير تحتها كل الأحزاب، وهى مصلحة مصر، المصلحة الوطنية لا غير .

أن يكون للبرلمان حق فعلى فى  الرقابة على الحكومة والذمة المالية لمجلس الوزراء وأعضاء المجلس، على أن يقوم البرلمان بدوره فى الإعلان عن ممتلكات كل وزير قبل دخول الحكومة، وممتلكاته بعد الخروج منها، و يتم مصادرة أى أموال ترصد أكثر من دخله المشروع، تصادر لصالح الشعب .

أن يتم تمليك الأراضى فى المناطق العمرانية الجديدة للشباب بأسعار رمزية، أو بأقساط ميسرة الدفع على سنوات، ليزرعوا أو يبنوا بيوتا للمستقبل، على أن تتكرم الحكومة بتقديم الخدمات والمرافق. فقدان الشباب الأمل فى المستقبل يدفعهم للتطرف والعنف ، ويجعلهم فريسة للإرهاب، وأن يتم إحياء المشروعات الشبابية السابقة التى انتحرت بسبب الروتين والتعقيدات، وغياب المرافق .

أن تتم إعادة النظر فى الدعم، فالدعم حقيقة تم إلغاؤه بصورة شبه كلية، ونظره إلى أسعار السلع الغذائية وسعر رغيف الخبز والحجم " الحقير " الذى تضاءل وتقلص إليه، سنعرف جميعا أن الدعم ابتلعته الحكومة ليئن مزيد من الفقراء

جوعا .

أن يقوم كل مجلس محلى بحصر أعداد العاطلين عن العمل، المتسربين من التعليم، الأميين، ويتم التعامل مع كل فئة لإيجاد الحل، بصورة لا مركزية، لا تعتمد على القرار القادم من المجلس الوزارى بالقاهرة، فكما يحدث فى الدول المحترمة التى لا تعتمد على النظام المركزى، فكل مدينة أو مجلس محلى من حقه اتخاذ الإجراءات أو سن القوانين الفرعية التى تتناسب مع حل المشكلات التى يعانى منها سكان المدينة أو المقاطعة ، بشرط ألا يكون بهذه القوانين تضاربا مع القوانين العامة,أومواد الدستور .

وأن يتم التعامل مع العاطلين عن العمل انطلاقا من مسئولية الحكومة لايجاد مصدر دخل لكل عاطل عن العمل ، ورصد كل مجلس محلى لأعداد العاطلين سيجعل من الحل أمرا فى المتناول ، وليس مستحيلا تماما .

وارصد هنا التجربة الهولندية التى أرى فيها حلم يمكن تحقيقه فى وطنى مع بعض الصبر، فكل مجلس مدينة بهولندا مسئول عن رصد المواطنين القاطنين فى دائرته ، من اطفال وشباب ومسنين ، الأطفال الذين لا يزالون فى السن الالزامية للدراسة، يتم إخطار أسرهم عبر البريد بموعد الالتحاق بالمدرسة، ويعاقب قانونا من يسرب طفله من التعليم بالسجن او بحرمانه من رعاية طفله واسناده لاسرة اخرى او دار رعاية تتولى تعليمه ،  ومن هم فى سن العمل يتم توجيههم الى الاماكن اوالمشروعات التى يمكن ان تكون مصدر دخل لهم ، ومن يفشل فى ايجاد فرصة عمل، يلجأ الى مكاتب العمل المنتشرة، التى تعد وسيطا بين اصحاب العمل وطالبى العمل، مقابل مبلغ مالى بسيط، لا يحصل عليه المكتب الا بعد ايجاد فرصة حقيقية للعمل.

ومن يفشل فى هذه وتلك ولا يجد عملا ، يتولى مجلس المدينة إرساله الى قسم تابع له للحصول على  مبلغ شهرى هو بدل للبطالة ، ويمثل الحد الأدنى من الأجور لمدة 6 اشهر، لإتاحة الفرصة له للانتقال من مكان لآخر بحثا عن عمل، ويمكن تجديد هذه الفتره من بدل البطالة اذا استمر الفشل فى الحصول على العمل، بشرط التأكد من جدية طالب العمل فى السعى وتقديم تقرير كل فترة عن الاماكن التى بحث فيها عن عمل لاثبات جديته فى عدم الارتكان على بدل البطالة،وان يتم رفع الحد الأدنى للأجور، ليتناسب مع اسعارالسلع و الغلاء الفاحش .

ان يتم تشديد قوانين العقوبات فى الرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ ، لمكافحة الفساد واستئصال بؤره، ان يتم تخييص الاموال المصادرة من الجريمة والاعمال غير المشروعة فى اقامة مشروعات صغيرة للشباب ، كما يحدث فى بعض بلدان اوروبا ، حيث خصصت الاموال التى يتم مصادرتها من العصابات المنظمة والمافيا وغسيل الاموال فى مشروعات ، وقروض للشباب العاطل عن العمل للاسهام فى مكافحة البطالة والجريمة .

قلت فى مطلع اسطرى ، إننى ارى بعين خيالى ان هذه المطالب ، ستتضمنها وثيقة شعبية يقدمها الشعب وقادة الاحزاب واصحاب الرأى والفكر  الى الحكومة ، فهل يمكن ان يتحقق هذا ، ام ستبقى المطالب محض خيال كاتب ، يتطلع مع غيره بالحسرة الى ثورة الغضب ، لتبقى مصر حقبة اخرى فى غرفة الانعاش انتظارا للموت او حلم الافاقة.