عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

معلش.. «آثفين يا دكتور»

هو حباه الله بالدين والخلق ورزقه حب العلم، حين تخرج فى كليته التى أهلته كمدرس للغة العربية، أثبت كفاءته العالية بالتدريس، استحق بها أن يصبح مدرسا اول فى وقت قياسى بالمدرسة التى عمل بها، فأسند إليه تدريس الشهادتين الإعدادية والثانوية عن جدارة،

جدارة شهد بها طلابه، الذين تفوقوا وحصل أغلبهم على الدرجات النهائية، وشعر هو أن الشهادة الجامعية لا يجب أن تكون منتهاه، فالتحق بجانب عمله بمعهد الدراسات للبحوث التربوية شعبة إعداد معلم لغة عربيه للناطقين بغيرها، وحصل على دبلومة بدرجة الامتياز تمهيدا للماجستير ومن ثم الدكتوراه، كان ينهى عمله بالمدرسة، ويهرول إلى الكلية لاستكمال الأبحاث وحضور المحاضرات، ليعود بعدها إلى أسرته الصغيرة، زوجته وولديه، فقد تزوج مبكرا كعادة العائلات المحافظة.
لم يسع لإخبار مديرة المدرسة أو أى من زملائه بأمر دراسته العليا، واعتبر الأمر عادياً لا يحتاج إلى حديث، غير أن فضول أحد الزملاء، أدى إلى معرفة الأمر، والذى أشاع الخبر عن قصد أو دون قصد، وإذا بالمديرة تستدعيه وتسأله وكأنها توجه له اتهاما: هل تعد للماجستير ؟ وأجابها بنعم، فليس فى الأمر ما يشين أو ما يجب إخفاؤه، وإذا بالمديرة تصدر أمرا بفصله بعد هذا اللقاء بأيام وكان السبب، أن المدرسة لا تناسب من سيصبح دكتورا فى اللغة العربية، ولن تقدر على دفع الراتب الذى سيطالب به.
صدمته المفاجأة غير المتوقعة، حاول أن يقنع المديرة أن المشوار لا يزال طويلا أمام الدكتوراه، وأنه لم ولن يطالب برفع راتبه، ولكنها أغلقت أذنيها دونه، وشعر وكأنه يستجدى، فغادر المدرسة كسيفا حزينا، ولأنه مدرس أول، حاول البحث فى كل المدارس القومية والخاصة عن عمل يناسبه، لكنه كلما قدم «السى فى» الذى يضم شهاداته وخبراته والمدون بها «مدرس اول»، تكون الإجابة واحدة، لا نريد مدرساً أول، نريد مدرساً «عادياً»، ولا يوجد لدينا راتب يوافى قدر المدرس الأول ولا هذه الخبرات والشهادات.
بل كانت كلمة دكتور تطارده، وكأنها باتت «جربة» أو مرضاً معدياً، لا يجب تواجده أو انتشاره بالمدارس، فاعتذرت عدة مدارس عن قبوله بجملة «آسفين يا دكتور، لا يوجد لدينا ما يناسب شهاداتك وخبراتك» ويقسم لهم أنه لا يشترط أجرا خاصا، وأن ما يسرى على بقية المعلمين، يسرى عليه، ولكن صكت الأبواب دونه، وغلقت نوافذ الأمل، أشهر عدة وهو على هذا الحال، طموحه العلمى وشهاداته وخبراته تحول دون أى فرصة له للعمل، رغم أن الطلاب يسعون لطلب الدروس الخصوصية بسبب قدراته الفائقة فى تدريس اللغة العربية وتعقيدات القواعد

النحوية بأسلوب سهل، بجانب قدرته فى التعامل مع مراحل السن الصعبة «المراهقة» بكل توتراته، لكن كل ملكاته لم تشفع له، لأنه سيصبح دكتوراً فى اللغة العربية.
صار ينظر إلى شهاداته وخبراته بمشاعر مختلطة من الغضب وفقدان الأمل، لأنها حالت بينه وبين رزق أولاده، واضطر قبل أيام للعمل كمصحح للغة العربية  بضع ساعات فى إحدى المؤسسات بدخل زهيد، لا يكاد يكفى نفقات أسرته، ولكنه افضل من الدين او مد يد الحاجة لوالده، ولا يزال يجوب أبواب المدارس بحثا عن فرصة عمل تتناسب مع خبراته، ولكن هيهات، فبلدنا ليس بلد شهادات، ولا قدرات تعليمية، بلدنا بلد الفهلوة والوساطة والمحسوبية حتى بعد أن قامت الثورة، لأننا مازلنا نحتاج إلى ألف ثورة لتغيير مفاهيمنا وتقديرنا للعلم والعلماء، وهو للأسف يفتقد للفهلوة ولا وساطة لديه ولا محسوبية، ويعتمد على دينه وخلقه وتعليمه فى البحث عن عمل كمدرس أول، المهم ألا يدفن قدراته التعليمية ويحرم منها أجيالا هى فى أمس الحاجة الى تعلم لغتنا الجميلة على أصولها، فى زمن يكتب فيه خريج الجامعة كلمة «لكن» بدلا من لكن، و«آثف» على أنها آسف و«خثارة»، بدلا من خسارة، إى والله.
ولأنه ليس قريبى، ولا من أبناء العائلة أو حتى الجيران، قررت أن أكتب قصته، التى تحمل بين ثناياها أكثر من مأساة ودراما سوء حظ تفوق دراما «نجيب الريحانى»، عسى أن تقرأ احدى المدارس المحترمة وتسعى إلى طلبه، وأقول نيابة عن المدارس التى رفضته «آثفين».. يا دكتور لأنك «خثارة» كبيرة للمدارس التى رفضتك لسعيك للدكتوراه أقصد آسفين لأنك خسارة ولأننا لا نقدر قيمة علمك، ولو كنت فى بلد غير بلدنا، لكان الأمر مختلفا!.
[email protected]