عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مراحل صياغة الفتوي

صناعة الإفتاء من العلوم المعقدة التي تحتاج إلي حرفية خاصة للقيام بها وإصدارها في صورة صحيحة، وتعد عملية صياغة الفتوي من أعقد العناصر في هذه الصناعة، حيث تمر الفتوي في ذهن المفتي بأربع مراحل أساسية، تخرج بعدها في صورتها التي يسمعها أو يراها المستفتي، وهذه المراحل الأربع هي: مرحلة التصوير، ومرحلة التكييف، ومرحلة بيان الحكم، ومرحلة الإصدار، وفيما يلي بيان لهذه المراحل.

المرحلة الأولي: مرحلة التصوير:

وفيما يتم تصوير المسألة من قبل السائل الذي يريد أن يستفتي في واقعة نزلت به أو بغيره، والتصوير الصحيح المطابق للواقع شرط أساسي لصحة الفتوي ومطابقتها للواقع الفعلي المسئول عنه، فعدم صحة التصوير يؤدي إلي أن الفتوي الصادرة ستكون لما فهم من السؤال وليس لما هو في نفس الأمر، وعبء التصوير أساساً يقع علي السائل، لكن المفتي ينبغي عليه أن يتحري بواسطة السؤال عن الجهات الأربع التي تختلف الأحكام باختلافها، وكثيراً ما يتم الخلط والاختلاط من قبل السائل بشأنها، وهي الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، كما ينبغي علي المفتي أيضا أن يتأكد من تعلق السؤال بالأفراد أو بالأمة لأن الفتوي تختلف باختلاف هذين الأمرين.

والتصوير قد يكون لواقعة فعلية وقد يكون لأمر مقدر لم يقع بعد، وحينئذ فلابد من مراعاة المآلات والعلاقات البينية، وبقدر ما عند المفتي من قدرة علي التصوير بقدر ما تكون الفتوي أقرب لتحقيق المقاصد الشرعية وتحقيق المصلحة ودرء المفسدة.

وقد نص الغزالي في كتاب «حقيقة القولين» كما أورده السيوطي في «الرد علي من أخلد إلي الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض» علي أن وضع الصور بالمسائل ليس بأمر هين في نفسه، بل الذكي ربما يقدر علي الفتوي في كل مسألة إذا ذكرت له صورتها، ولو كلف وضع الصور وتصوير كل ما يمكن من التفريعات والحوادث في كل واقعة عجز عنه، ولم يخطر بقلبه تلك الصور أصلا، وإنما ذلك من شأن المجتهدين.

المرحلة الثانية: مرحلة التكييف:

والتكييف هو إلحاق الصورة المسئول عنها بما يناسبها من أبواب الفقه ومسائله، فنكيف المسألة مثلا علي أنها من باب المعاملات لا العبادات، وأنها من باب العقود، وأنها من قسم مسميمنها، أو من العقود الجديدة غير المسماة، وهذه مرحلة تهيء لبيان حكم الشرع الشريف في مثل هذه الواقعة، والتكييف من عمل المفتي، ويحتاج إلي نظر دقيق، لأن الخطأ فيه يترتب عليه الخطأ في الفتوي، والتكييف قد يختلف العلماء فيه، وهذا الاختلاف أحد أسباب اختلاف الفتوي، والترجيح بين المختلفين حينئذ يرجع إلي قوة

دليل أي منهم، ويرجع إلي عمق فهم الواقع، ويرجع إلي تحقيق المقاصد والمصالح ورفع الحرج وهي الأهداف العليا للشريعة.

المرحلة الثالثة: مرحلة بيان الحكم:

والحكم الشرعي هو خطاب الله تعالي المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع، ويؤخذ هذا من الكتاب والسنة والإجماع، ويتم إظهاره أيضاً بواسطة القياس والاستدلال، ويجب علي المفتي ان يكون مدركاً للكتاب والسنة ومواطن الإجماع وكيفية القياس ودلالات الألفاظ العربية وترتيب الأدلة وطرق الاستنباط، وإدراك الواقع إدراكاً صحيحاً، وتأتي هذا بتحصيله لعلوم الوسائل والمقاصد كالأصول والفقه واللغة والحديث ونحوها، وبتدريبه علي الإفتاء الذي ينشئ لديه ملكة راسخة في النفس يكون قادراً بها علي ذلك، وكذلك تحليه بالتقوي والورع والعمل علي ما ينفع الناس.

المرحلة الرابعة: إصدار الفتوي:

أو مرحلة التنزيل أي إنزال هذا الحكم الذي توصل إليه علي الواقع، وحينئذ فلابد عليه من التأكد أن هذا الذي سيفتي به لا يكر علي المقاصد الشرعية بالبطلان، ولا يخالف نصاً مقوعاً به ولا إجماعا متفقا عليه ولا قاعدة فقهية مستقرة، فإذا وجد شيئاً من هذا فعليه بمراجعة فتواه حتي تتوفر فيها تلك الشروط.

هذه هي المراحل الأربع لصياغة الفتوي وهذا عرض موجز لها لتبسيط مفهومها للقارئ، ويجب الإشارة أن الاختلاف بين المجتهدين في صياغة الفتوي قد يقع في أي مرحلة من هذه المراحل، فقد يختلف المفتون في عملية التصوير مما يترتب عليه اختلاف فتواهم في نفس المسألة، وقد يقع الاختلاف عند التكييف أو بيان الحكم أو حتي في المرحلة الرابعة الخاصة بإصدار الفتوي، واختلافهم في كل ذلك رحمة للمسلمين وصدق قول الشاعر:

وكلهم من رسول الله ملتمس   غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمّ.