رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

التجربة المصرية (1)

النموذج المصري نموذج يستحق الدراسة في ماضيه وحاضره ومستقبله وذلك لانه نموذج رائد ولانه أيضاً نموذج فريد ولان النماذج التي جاءت من بعده تحتاج الي اعادة تقويم ولان كثيراً من اللبس والخلط قد حدث في تحليله وفهمه مرة عن سوء قصد ومرات عن حُسن نية ولكن إما عن جهل بحقيقته وإما عن تحيز في مدرسة تحليله يميناً ويساراً وإما لعدم الوعي بتطوره أو بتغيره.

ويحتاج شبابنا كثيراً الي دراسة هذا النموذج ليس فقط لتقويمه وانما أيضاً لمستقبل الثقافة في مصر ولمستقبل الثقافة في العالم العربي والاسلامي ولمزيد من الصلة مع العالم كله ولان هذا الموضوع موضوع كبير فاننا سنعرض لمفرداته إجمالاً ثم نبدأ في تفصيلها ونعالج هذه المفردات كلا علي حدة. ونقصد بالنموذج المصري تجربة الدولة الحديثة بكل جوانبها السياسية والثقافية والقانونية والدينية والاجتماعية والعلمية وسائر الجوانب التي تكون الحياة منذ عصر محمد علي وحتي الآن. أما المفردات فيمكن إجمالاً أن نصوغها في الاسئلة التالية:
1 - ما موقف التجربة المصرية من الليبرالية والديمقراطية؟. 2 - وما مدي اعتمادها علي السلطة الدينية وهل مصر تحكم بالدين - كما يقول بعضهم - أو انها دولة كافرة كما يقول آخرون؟. 3 - وما مدي قبول الشعب المصري للمشروع العلماني؟. 4 - وما مدي نجاح ذلك المشروع؟. 5 - وما الفرق بين الدعوة الي الحرية والدعوة الي التغريب؟. 6 - وما مفهوم الهوية والخصوصية؟. 7- وهل نحن في حاجة اليها؟. 8- وما معني المساواة والحرية؟. 9- وما معني الابداع؟. 10- وهل هناك أزمة تمر بها الثقافة المصرية، ما ملامحها وما أسبابها؟. 11- وهل هي أزمة دولة أو أزمة عصر أو أزمة شعب وكيف الخروج منها؟. 12- وهل نحن في حاجة الي الاصلاح؟. 13- وما برنامجنا اذا احتجنا اليه؟. 14- وكيف نزيل الامية الهجائية والمهنية والثقافية والتكنولوجية وهل نحن أمة في خطر؟. 15- وكيف نقضي علي البطالة الصريحة والمقنعة وكيف نشيع قيم العمل والبحث العلمي والرغبة في أن نصبح أقوياء وأن نشارك في بناء الحضارة الانسانية وأن ننفع أنفسنا والآخرين وما الذي لا نعلمه لاولادنا والذي نعلمه لاولادنا حتي نتوارث الامية والبطالة في أجيال متعاقبة علي الرغم من أننا شعب ذكي صاحب تاريخ وحضارة يحسدنا عليها العالم كله؟. 16- وهل هناك تجارب يمكن أن نستفيد منها كما استفادت اليابان من تجربة محمد علي في القرن الـ19 كاليابان والصين وكوريا وسنغافورة وماليزيا أو كانجلترا وأمريكا والفاتيكان وما علاقة ذلك بالخصوصية والهوية والابداع العلمي والثقافي؟. 17- وما مدي معرفتنا بعلوم الادارة الحديثة وما مدي اطلاعنا الحقيقي علي مجريات الاحداث في العالم وأين نحن من جيراننا؟. 18- وأين نحن من بناء أدوات ثقافة المستقبل (الموسوعات والترجمة الي العربية ومنها والفنون والآداب والتربية والتعليم والتدريب). 19- وكيف نتعامل مع التراث الاسلامي ومع التراث الانساني؟. 20- وكيف نصوغ بعد كل ذلك نموذجنا المعرفي وكيف يكون قادراً بأن يتواءم مع كل عصر علي أساس أن ذلك النموذج نسق مفتوح له وعليه؟.
هذه بعض الاسئلة التي نريد أن نجري حولها الحوار وكل سؤال يشتمل علي كثير من المشكلات ونحتاج فيه الي تحرير كثير من المصطلحات التي احتلت أو التي اختلت بازاء مفاهيمها ويمكن بعد ذلك أن نضع أيدينا علي مواضع الخلل اذا أردنا أن نسير في الاتجاه الصحيح ويمكن لنا أيضاً أن يتضح لنا مدي تفوق النموذج المصري علي كثير من النماذج المعاصرة في العالم

الاسلامي. اتجه محمد علي باشا الي بناء الدولة العصرية الحديثة في مصر وهي دولة حاولت أن تستقل عن أشخاصها بقدر الامكان والاستقلال بين الدولة وأشخاصها يتم عن طريق المؤسسات ويتم عن طريق النظام ويتم عن طريق الدستور ويتم عن طريق التقنين ويتم عن طريق الفصل بين السلطات ونحو ذلك. والديمقراطية بالاساس مبنية علي المساواة بين المواطنين وأن فكرة المواطنة وليس فكرة الرعايا هي التي تسود في دولة والمساواة هنا تشمل المساواة في الحقوق وفي الواجبات وتشمل عدم الاستثناء من القانون أو التمييز العنصري وكلما تحقق ذلك كانت الدولة أقرب الي تحقيق الديمقراطية. والليبرالية تعني احترام الحريات، حرية العقيدة، حرية الانتقال، حرية العمل، الحرية السياسية، والتي هي بالاساس مبناها التعددية ومبناها التمثيل الشعبي. ثم بعد ذلك تأتي النظم والتنظيمات التفصيلية التي قد تختلف من بلد الي آخر طبقاً للتجربة التاريخية وطبقاً لما يمكن أن نسميه بالثقافة السائدة والتي لا يجوز الخروج عنها إلا بقدر تحقيق المصلحة لان الخروج عن الثقافة السائدة - خاصة في صورة طفرات - يؤدي الي ضياع المصالح والي اضطرابات أكثر ما يؤدي الي تحقيق المصالح والمقاصد لشعب ما. أراد محمد علي أن يحقق ذلك بالتوازي مع البقاء علي الثقافة السائدة وعلي الشريعة الإسلامية التي هي المكون الاساسي لجمهور الشعب في مصر فأنشأ تعليماً موازياً للازهر الشريف ولكنه سحب السلطة من المماليك بتراثهم المعروف ومن رجال الدين أيضاً حيث كان لرجال الدين سلطة في اتخاذ القرار ولم يعد للازهر سلطة في اتخاذ القرار السياسي ولكن ظلت له سلطة علمية أدبية وليست تنفيذية والفرق بينهما كبير علي قدر اتصاله بالرأي العام واتصاله بوجدان الامة وعلي قدر الثقة فيه الناشئة من تاريخه أولاً ومن منهجه العلمي الوسطي ثانياً ومن شموليته ثالثاً ومن احترام علمائه لانفسهم ولامتهم ولتراثهم رابعاً وهكذا. ولكننا نؤكد ان السلطة والمسئولية وجهان لعملة واحدة ومادام أن السلطة الزمنية قد رفعها محمد علي باشا من علماء الدين فان لا مسئولية زمنية عليهم ومادام الشعب والرأي العام قد أولي الازهر سلطة أدبية فانه يكون مسئولاً أدبياً أيضاً أمام الرأي العام علي قدر ما أولاه من سلطة من هذا النوع. فما الذي حدث في عصر إسماعيل باشا؟ سنري ذلك في لقائنا التالي (يتبع).

-------

*مفتي الجمهورية