رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

جريمة المفتي

يبدو أن جريمة المفتي ستسقط بالتقادم.. خاصة بعد أن هدأت العاصفة، وتحولت الأنظار الى المشهد السياسي المرتبك الذي يسيطر علي اهتمامات المصريين في اللحظة الراهنة.
عندما جاءني نبأ زيارة الدكتور علي جمعة للمسجد الأقصى تصورت في البداية أن الأمر لا يعدو كونه شائعة من الشائعات التي تعودنا عليها في الأيام الأخيرة، وبعد انتشار الخبر تصورت أن هناك مكيدة الهدف منها النيل من المؤسسة الدينية في مصر،

لأن الحقيقة التي لا جدال فيها أن شخص الدكتور علي جمعة سقط من نظر الكثيرين منذ فترة طويلة.. أما المنصب الذي يشغله فمازال يحظى باحترام وتقدير غالبية الشعب المصري المتدين الذي يحترم المؤسسة الدينية.. أما وأن زيارة الدكتور علي جمعة أصبحت بالصوت والصورة فإن الأمر يستلزم وقفة جادة مع الرجل الذي أساء لمنصب المفتي قبل أن يسيء لنفسه.
لقد استفزني مشهد المفتي وهو يزور المسجد ويتجول في جنباته ويؤدي الصلاة في ساحته، فالمشهد مستفز في مظهره قبل جوهره.. أما المظهر فقد رأينا الرجل وكأنه في جولة سياحية وليس في زيارة مقدسة فقد اختفت مشاعر الوقار والسكن والطمأنينة التي يجب أن تسوده في مثل هذه اللحظات وشاهدنا الرجل يظهر بصورة بعيدة عن أي عبادة وقدسية.. شاهدناه وهو يرتدي الكوفية ويتجول أمام الكاميرا وكأنه في مزار سياحي ولم يظهر عليه أي خشوع يليق بمكانة هذا الحرم المقدس والمحبب إلى نفوسنا جميعاً.
أما الجوهر.. فقد جاءت الزيارة خالية من أي معنى ومخالفة لإجماع العلماء الرافضين لزيارة المسجد الأقصى وهو تحت الاحتلال الإسرائيلي.
لقد استفزني تصريح المفتي وهو يقول إن زيارته للمسجد الأقصى كانت بصفته الشخصية وبدعوة من مؤسسة أردنية.. ولا أدري ما إذا كانت تلك الكلمات من تأليف المفتي أو من تلقين مستشاريه.. على أية حال فإن هذا التبرير لا يستند إلى أي منطق ويكشف ضحالة فكر الرجل الذي يجلس على منصة الافتاء في مصر..لأن هذا الموقف لا يمكن أن تنفصل فيه الصفة الشخصية عن الصفة الرسمية، والأمر كان يقتضي من الدكتور جمعة أن يتقدم باستقالته من منصب المفتي قبل أن يتوجه إلى مطار القاهرة للشروع في الزيارة، وفي هذه الحالة يكون من حقه أن يقوم بالزيارة بصفته الشخصية ووقتها لن يتعرض له أحد بالنقد أو الهجوم أو حتى السؤال لأن شخصه لا يثير أي اهتمام.. أما حكاية الدعوة التي تلقاها سيادته من مؤسسة أردنية أو علماء بهذا البلد الشقيق فهى دعوة تثير الضحك لأن الدعوة هنا جاءت من جهة لا تملك من الأمر شيئاً.. فما هى علاقة المؤسسة الأردنية بالمسجد الأقصى، وما سلطاتها على المكان، فالمسجد لا يقع في الأردن، ولكنه تحت الاحتلال الإسرائيلي ولم نسمع أن أحداً من المسلمين فوض المملكة الأردنية في إدارة شئون المسجد الأقصى، ولم نسمع أيضاً أن هناك مؤسسة في الأردن فرضت وصايتها على المسجد وأصبحت هى المسئولة عن تنظيم زيارات المسلمين إلى هذا الحرم المقدس.
إن جريمة المفتى هى جريمة منظمة.. وهناك شركاء في هذه الجريمة يجب كشفهم أمام الرأي العام.. خاصة أن الزيارة جاءت في إطار منظومة غريبة ولم تكن مجرد زيارة عابرة.. فمثلاً: هل زيارة الدكتور جمعة للمسجد الأقصى كانت مرتبطة بزيارة الداعية الحبيب علي الجفري الذي سبقه الى نفس المكان بأسبوع أم أن الأمر مجرد مصادفة؟ وهل هناك ارتباط بين اختيار المفتي والجفري خاصة إذا علمنا أن الجفري هو داعية مريب يثير علامات استفهام كثيرة؟ وهل هناك علاقة بين زيارة مجموعة من الأقباط المصريين لبعض الكنائس وزيارة الدكتور

جمعة للمسجد الأقصى خاصة أن هناك تزامناً بين الزيارتين؟ وهل يأتي هذا الأمر في إطار تطبيع إسلامي مسيحي حذرنا منه كثيراً؟
والسؤال المهم: هل استيقظ الدكتور جمعة من نومه وتوجه الى المطار قاصداً المسجد الأقصى.. أم أن الأمر كان له ترتيب خاص؟ من المؤكد أن المفتي أجرى اتصالاً بالقائمين على أمر هذا البلد سواء في الحكومة أو المجلس العسكري ليستأذنهم في السفر؟ وإذا علمنا أنه تم إبلاغ الإعلاميين المرافقين للمفتي قبل الزيارة بـ 24 ساعة ليستعدوا للسفر دون الإفصاح عن المسئول الذي سيقوم بالزيارة فإن هذا يعني أن الزيارة تم ترتيبها على أعلى مستوى وكان مقصوداً إحاطتها بالكتمان والسرية حتى لا تنفجر ثورة الغضب قبل الزيارة.. وأن هناك جهة كبرى تقف وراء هذه الزيارة وتخطط لها.
إن الاسلام لم يعرف في تاريخه الكهنوت ولا قدسية رجال الدين.. وليس هناك أحد فوق الحساب أو المساءلة.. وكل ما حرص عليه الإسلام فقط هو احترام وتوقير العلماء طالما لم ينحرفوا عن الصواب.. ولذلك فإن محاكمة المفتي هو أمر واجب وحتمي، وإذا تقاعس المجلس العسكري عن إجراء هذه المحاكمة فإننا سنطالب الرئيس الجديد بتصحيح الأوضاع حتى لاتسقط تلك الجريمة بالتقادم.
إن المؤسسة الدينية في مصر تحتاج إلى ثورة فلا يعقل أن يجلس الدكتور أحمد الطيب على قمة الأزهر ذلك المنصب الرفيع الذي يتمتع بمكانة كبيرة في نفوس المسلمين في مختلف أنحاء العالم، وهو الذي كان عضواً في المكتب السياسي في الحزب الوطني المنحل، وكان ينفذ تعليمات أمن الدولة أثناء رئاسته لجامعة الأزهر، وشارك في القضية الملفقة المعروفة باسم ميليشيات الأزهر ولو بالصمت عليها.. وأبداً لن ننسى موقفه المخزي من الثورة فقد كان مسانداً لنظام مبارك حتى اللحظة الأخيرة.
أما الدكتور علي جمعة فإن الأمر يحتاج الى وقفة حاسمة.. فاستمرار الرجل في منصبه بعد كل هذا هو إهانة للثورة وإهانة للبلد.. فكلنا يعرف موقف الرجل الرافض للثورة ودعوته للشباب بالعودة إلى بيوتهم وإخلاء ميدان التحرير ولم ينطق بكلمة واحدة عندما سقط مئات الشهداء برصاص رجال حبيب العادلي.
كنا نتوقع أن يتقدم كل من شيخ الأزهر والمفتى باستقالتيهما بعد الثورة احتراما للمشيخة ودار الإفتاء، وحفاظا على تاريخ الأزهر وسمعته.. أما وأن ذلك لم يحدث فإن ثورة التصحيح قادمة ووقتها لن تنفع الاستقالة ولن يكون هناك بديل سوى المحاكمة.