رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

محاكمة القرن.. لماذا هي كذلك؟

  في الثالث من أغسطس سنة 2011م، بدأت أولى جلسات محاكمة الرئيس السابق «محمد حسني مبارك» ونجلاه «علاء» و«جمال» ووزير الداخلية الأسبق «حبيب العادلي» وستة من كبار مساعديه من القيادات السابقة بوزارة الداخلية.

وتشمل هذه المحاكمة قضيتين تم الجمع بينهما أمام دائرة واحدة، بالنظر لتوافر الارتباط بينهما؛ القضية الأولى تحمل رقم 1227 لسنة 2011م، جنايات قصر النيل، والمتهم فيها «حبيب العادلي» وستة من كبار مساعديه من القيادات السابقة بوزارة الداخلية، بشأن قتل المتظاهرين السلميين، إبان أحداث ثورة 25 يناير، على نحو تتوافر معه أركان جناية «القتل العمد مع سبق الإصرار». أما القضية الثانية، فتتعلق بالتحريض على قتل المتظاهرين واستغلال النفوذ في تحقيق مكاسب مالية، والمتهم فيها الرئيس السابق «محمد حسني مبارك» ونجلاه «علاء» و«جمال». وقد تم بث وقائع هذه الجلسة على الهواء مباشرة، من خلال كاميرات التليفزيون المصري، ومنه إلى العديد من القنوات التليفزيونية الوطنية والأجنبية. وأغلب الظن أن التهم المنسوبة إلى نجلي الرئيس «علاء» و«جمال» هي تهم مالية فحسب، ولا شأن لها بموضوع قتل المتظاهرين.

وقد أطلق على هذه المحاكمة تعبير «محاكمة القرن». وربما يرجع السبب الأساسي لإطلاق هذا التعبير عليها إلى شخصية المتهمين فيها، والذين يأتي على رأسهم الرئيس السابق «محمد حسني مبارك». إذ تعد هذه هي المرة الأولى في مصر التي يمثل فيها رئيس جمهورية سابق أمام القضاء، لمحاكمته عن التهم المنسوبة إليه إبان تولية المسئولية. ونرى أن ثمة أسباب أخرى لإطلاق تعبير «محاكمة القرن» على هذه المحاكمة. إذ تشكل هذه المحاكمة نوعا من التجسيد الرمزي لمحاكمة نظام بأكمله ومحاكمة طريقة في الحكم، تعتمد على تدخل أسرة الرئيس في شؤون الحكم. وقد يكون سائغا في هذا الصدد نجل الرئيس «جمال مبارك» باعتباره شريكا بالتحريض على قتل المتظاهرين. وهي تهمة لا تتعلق بالفساد المالي، كما جرت العادة في محاكمة أبناء الرؤساء والمسئولين السابقين، وإنما تتعلق بكيفية تعامل نظام الحكم، وآلية اتخاذ القرارات في شأن المظاهرات المطالبة بإسقاط نظام الحكم. وسندنا في ذلك هو تدخل نجل الرئيس في اتخاذ القرارات المتعلقة بكيفية التعامل مع المظاهرات السلمية. فبدلا من أن يكون الرئيس محاطا بأركان حكمه ولاسيما المختصين بالشؤون الأمنية، كان محاطا بابنيه «علاء» و«جمال»، ورئيس ديوان رئيس الجمهورية «زكريا عزمي». كما كانت السيدة الأولى السابقة «سوزان مبارك» تشارك في المناقشات من وقت لآخر. ولعلنا نتذكر جميعا المشادة التي جمعت بين نجلي الرئيس قبل التنحي مباشرة، والتي أوردتها وتناقلتها وسائل الإعلام المصرية والأجنبية. فقد كان «جمال مبارك» حريصا حتى آخر لحظة على أن يرث والده في حكم مصر. ولعل ذلك يشكل نتاجا للتدخل الفج والسافر الذي مارسته أسرة الرئيس السابق في شؤون الحكم.

من ناحية أخرى، ربما تعد هذه المرة الأولى التي يتم فيها بث وقائع محاكمة جنائية على الهواء مباشرة، في سابقة هي الأولى من نوعها في مصر والعالم العربي. والواقع أن البث التليفزيوني للمحاكمات الجنائية يبدو غريبا في النظام القانوني اللاتيني، وإن كان أمرا عاديا وشائعا في النظام القانوني الأنجلو سكسوني. وقد كانت محاكمة الرئيس العراقي السابق «صدام حسين» هي المرة الأولى التي ترى الشعوب العربية فيها وقائع محاكمة جنائية على الهواء من خلال شاشات التليفزيون. ومع ذلك، يبقى الفارق واضحا في هذا الشأن بين «محاكمة مبارك» و«محاكمة صدام حسين». ففي محاكمة مبارك، كان البث مباشرا، لحظة بلحظة، دونما تأخير. أما في محاكمة صدام حسين، فقد كان البث مسجلا، بحيث يتم بعد حوالي نصف الساعة من بداية المحاكمة، وذلك حتى لا يستغل «صدام حسين» جلسات المحاكمة لأغراض دعائية وإبراز نفسه في صورة البطل وليس المتهم. ورغم ذلك، يمكن القول بأن «صدام حسين» قد نجح في استغلال جلسات المحاكمة في إظهار رباطة الجأش والتأكيد على أنه لا يعترف بشرعية المحكمة أو بشرعية المحاكمة. وللتدليل على ذلك، يكفي التذكير برفض «صدام حسين» التعريف بنفسه رغم تكرار القاضي طلبه، وتأكيده بأنه لا يعترف بالسلطة التي خولت القضاة بمحاكمته، قائلا: «أنا صدام حسين، الرئيس العراقي». هكذا قال للقاضي حينما طلب منه تعريف نفسه. ويبدو أن هذه التصرفات هي التي استدعت تغيير هيئة المحكمة الأولى التي كانت مشكلة برئاسة القاضي الكردي «رزكار محمد أمين»، وأن يستبدل بها هيئة أخرى برئاسة القاضي الكردي أيضا «رؤوف رشيد عبد الرحمن». فقد كان السبب الرئيسي لهذا التغيير هو الانتقادات الموجهة إلى الهيئة الأولى بالتساهل مع تصرفات «صدام حسين». والعامل الأساسي الذي ساعد «صدام حسين» على استغلال وقائع محاكمته على النحو السابق هو طريقة تنحيته عن الحكم على إثر الاحتلال الأمريكي للعراق، بحيث بدت المحاكمة كما لو كانت بواسطة سلطة أجنبية محتلة، وليس بواسطة سلطة وطنية. وهنا يكمن الفارق الأساسي الثاني بين محاكمة الرئيس العراقي السابق «صدام حسين» ومحاكمة الرئيس المصري السابق «محمد حسني مبارك». فقد كانت المحاكمة الثانية نتاجا لثورة شعبية خالصة أشاد بها العالم أجمع، ونالت إعجاب شعوب العالم قاطبة. بالإضافة إلى ذلك، فإن أغلب جلسات محاكمة «صدام حسين» - إن لم يكن كلها – قد تم بثها عبر شاشات التليفزيون. وليس الوضع كذلك فيما يتعلق بمحاكمة الرئيس السابق «حسني مبارك»، حيث قررت المحكمة – في نهاية الجلسة الثانية للمحاكمة – وقف البث المباشر لوقائع المحاكمة اعتبارا من الجلسة الثالثة المنعقدة بتاريخ 5 سبتمبر 2011م. ولعل ذلك، يوضح أن السبب وراء البث التليفزيوني لوقائع الجلستين الأولى والثانية يعود إلى حملات التشكيك التي

سبقت المحاكمة، والتي طالت محاكمات رموز النظام السابق. وأغلب الظن أن البث المباشر لوقائع المحاكمة لن يعود قبل جلسة النطق بالحكم. ففي اعتقادي أن المحكمة ربما تقرر البث المباشر لجلسة النطق بالحكم، لاسيما وأن هذا الإجراء قد تم في محاكمات أخرى سابقة، لم تكن بذات القدر من الأهمية. 

ومن ناحية ثالثة، وفي الجلسة الأولى للمحاكمة، طالب أحد المدعين بالحق المدني بسماع أقوال كل من المشير «محمد حسين طنطاوي» بصفته وشخصه، والفريق «سامي عنان» رئيس أركان القوات المسلحة، لمناقشتهما وسماع شهادتيهما في شأن موضوع القضية. وبالفعل، وخلال الجلسة الرابعة للمحاكمة، المنعقدة في السابع من سبتمبر 2011م، أمرت محكمة جنايات القاهرة (الدائرة الخامسة) باستدعاء المشير «محمد حسين طنطاوي»، للاستماع لشهادته يوم الأحد الحادي عشر من سبتمبر، واستدعاء الفريق «سامي عنان» يوم الاثنين الثاني عشر من سبتمبر، للاستماع إلى شهادته حول أحداث الثورة. كما قررت المحكمة الاستماع إلى شهادة اللواء «عمر سليمان» رئيس المخابرات العامة السابق ونائب رئيس الجمهورية السابق يوم الثلاثاء الثالث عشر من سبتمبر. وقررت المحكمة كذلك استدعاء اللواء «منصور العيسوي» وزير الداخلية الحالي، يوم الأربعاء الرابع عشر من سبتمبر، واستدعاء اللواء «محمود وجدي» وزير الداخلية السابق يوم الخميس الخامس عشر من سبتمبر، للاستماع إلى شهادتيهما بشأن أحداث الثورة.

وقد أدلى كل هؤلاء بشهادتهم أمام هيئة المحكمة، في الموعد المقرر، وذلك باستثناء المشير «طنطاوي» والفريق «سامي عنان». حيث تأجل الاستماع لشهادتيهما، بسبب الظروف الأمنية التي مرت بها البلاد، على إثر اقتحام السفارة الإسرائيلية بالدقي، يوم الجمعة التاسع من سبتمبر 2011م. وقد تم التأجيل لجلسة المحاكمة المنعقدة يوم السبت الرابع والعشرين من سبتمبر 2011، بالنسبة لشهادة المشير «طنطاوي»، وإلى يوم الأحد الخامس والعشرين من سبتمبر 2011م، بالنسبة لشهادة الفريق «سامي عنان».

وبالفعل، وفي اليوم المحدد، أدلى المشير «محمد حسين طنطاوي» بشهادته أمام هيئة المحكمة. وقد استغرقت شهادة المشير أقل من ساعة، حيث بدأت في الساعة التاسعة والنصف صباحا. وقيل بأن الداخلية قد تعمدت بدء الجلسة مبكرا، حتى لا يستطيع المحامون الدخول، حيث كانت الجلسات السابقة تنعقد في الساعة العاشرة. وقيل بأن رئيس المحكمة كان قد حدد عشرة أسئلة، يمكن لمحاميي المدعين بالحق المدني توجيههم للمشير، ولكن المشير لم يجب سوى على سؤالين فقط ورفضت المحكمة أن يستكمل المحامي بقية الأسئلة، كما رفضت هيئة المحكمة سؤالين قامت النيابة العامة بتوجيههما. وقام محامي وزير الداخلية الأسبق بتوجيه سؤال واحد للمشير (بوابة الوفد الالكترونية، يوم السبت 24 سبتمبر 2011م، خبر تحت عنوان «المشير يدلي بشهادته ويرحل من الأكاديمية»، وخبر آخر تحت عنوان «المحامون: المحكمة منعتنا من استجواب المشير»).

وبصرف النظر عن مضمون الشهادة، وأيا كان وجه الرأي في شأن مدى جواز سماع شهادة العسكريين أمام القضاء المدني والآية المتبعة لذلك، ودون الخوض في الوقائع المصاحبة لها، فإن هذه الشهادة تشكل علامة فارقة ويوما مشهودا في التاريخ القضائي والقانوني المصري. إذ لا يخفى على أحد أن المشير «طنطاوي» يمثل أعلى سلطة في البلاد حاليا، باعتباره رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير البلاد حاليا، ويعد بالتالي القائم بأعمال رئيس الجمهورية. وعلى حد علمنا، لم يسبق لرئيس جمهورية مصري أن مثل أمام القضاء، للإدلاء بشهادته. وبالنظر لأهمية هذه الشهادة، نرى من الملائم أن نفرد لها مقالا خاصا، نحاول من خلاله أن نلقي الضوء على الجوانب القانونية التي تثيرها هذه الشهادة.

لكل الأسباب آنفة الذكر، يبدو مبررا إطلاق وصف «محاكمة القرن» على قضية التحريض على قتل المتظاهرين، إبان أحداث ثورة 25 يناير، والمتهم فيها الرئيس السابق «محمد حسني مبارك». 

---------------------------------------------  
أستاذ القانون الجنائي المساعد بجامعة القاهرة