رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

العلم الوطني والدستور

في ربيع الثورات العربي الذي نشهده حاليا، برز العلم الوطني إلى الواجهة، حيث اكتست الساحات والميادين بالأعلام الوطنية، وبحيث توارت الشعارات السياسية أو الدينية المميزة للأحزاب والجماعات والحركات السياسية. ففي مصر، لم يظهر شعار حركة «كفاية» الشهير أو شعارات حركة 6 ابريل. كما لم تقم جماعة الإخوان المسلمون برفع أعلامها المميزة لها.

واحتشد الجميع، مسلمين ومسيحيين، ووقفوا يدا واحدة تحت علم مصر. وهكذا، تحول ميدان التحرير إلى ألوان العلم المصري الثلاثة؛ الأحمر والأبيض والأسود. وذات الأمر ينطبق على ساحة الستين في اليمن وفي شوارع سوريا. وإذا كانت ثورة الشعب في الأمثلة آنفة الذكر قد رفعت العلم الرسمي للدولة، فإن الأمر شهد صورة مغايرة في الثورة الليبية، حيث رفعت الثورة من اليوم الأول علم الاستقلال، ذو الألوان الأحمر والأسود والأخضر، ويتوسطه هلال ونجمة بيضاوين. وهكذا، أعلنت ثورة السابع عشر من فبراير في الجماهيرية الليبية رفضها للعلم الأخضر الذي اعتمده نظام القذافي.

        وعلى إثر نجاح ثورة 25 يناير، طالب بعض شباب «الفيس بوك» بعدم وضع صورة رئيس الجمهورية في المصالح الحكومية والخاصة، وأن نستبدل بها علم مصر. ويؤكد هؤلاء أن ما فعلناه سابقا من تمجيد الرؤساء ووضع صورهم في كل مصلحة حكومية هو الذي أدى إلى دكتاتوريتهم واستبدادهم. فعلى حد قول هؤلاء، رئيس الجمهورية ما هو إلا موظف كبير يقوم على خدمة أبناء الوطن جميعا.

والواقع أن العلم الوطني هو أحد رموز الهوية الوطنية. ولذلك، وعندما قامت بعض التيارات الإسلامية في مصر برفع أعلام المملكة العربية السعودية، أثناء مظاهرة «جمعة لم الشمل»، يوم 29 يوليه الماضي، لا شك أن كل مصري غيور على وطنه قد انزعج من جراء هذا الفعل.

وباعتباره رمزا للهوية الوطنية، تحرص بعض الدساتير المقارنة على تحديد العلم الوطني. وغالبا ما يرد مثل هذا النص ضمن الأحكام المتعلقة بالسيادة الوطنية أو بالهوية الوطنية أو ضمن المبادئ العامة أو المبادئ الأساسية. فعلى سبيل المثال، تنص المادة الثانية الفقرة الثانية من الدستور الفرنسي لسنة 1958م على أن «الرمز الوطني هو العلم ثلاثي الألوان؛ الأزرق والأبيض والأحمر». وتنص المادة الثالثة من الدستور التركي لسنة 1982م على أن «رمز الدولة، والذي يتحدد بواسطة القانون، هو العلم ذو اللون الأحمر، والذي يوجد عليه نجمة وهلال أبيضان». وتنص المادة الرابعة البند الأول من دستور اسبانيا لسنة 1978م على أن «العلم الاسباني يتكون من ثلاث أقسام أفقية؛ حمراء وصفراء وحمراء. أما القسم الأصفر فيكون حجمه ضعف كل عصبة حمراء». وتحت عنوان «العلم»، تنص المادة 22 من الدستور الألماني على أن «ألوان علم جمهورية ألمانيا الاتحادية هي الأسود والأحمر والذهبي». وفيما يتعلق بدساتير الدول العربية، تنص المادة الخامسة من الدستور اللبناني لسنة 1926م – معدلة بالقانون الدستوري الصادر في 7 ديسمبر 1943م – على أن «العلم اللبناني أحمر فابيض فأحمر أقساما أفقية تتوسط الارزة القسم الأبيض بلون أخضر. أما حجم القسم الأبيض فيساوي حجم القسمين الأحمرين معا. وأما الارزة فهي في الوسط يلامس رأسها القسم الأحمر العلوي وتلامس قاعدتها القسم الأحمر السفلي ويكون حجم الارزة موازيا لثلث حجم القسم الأبيض». وينص الفصل الرابع الفقرة الأولى من الدستور التونسي لسنة 1959م على أن «علم الجمهورية التونسية أحمر تتوسطه دائرة بيضاء بها نجم ذو خمسة أشعة يحيط به هلال أحمر حسبما يبينه القانون». وينص الفصل السابع الفقرة الأولى من الدستور المغربي لسنة 1996م على أن «علم المملكة هو اللواء الأحمر الذي يتوسطه نجم أخضر خماسي الفروع».

خلافا لذلك، تضمن الدستور المصري لسنة 1971م تفويضا للمشرع العادي بتحديد علم الدولة، وبحيث يتم ذلك بقانون. حيث تنص المادة 186 منه على أن «يبين القانون العلم المصري والأحكام الخاصة به، كما يبين شعار الدولة والأحكام الخاصة به».

وهكذا، فإن تحديد العلم المصري إنما يكون بقانون. والواقع أن ذلك كان هو الوضع منذ أن عرفت مصر الدساتير. ففي سنة 1923م، وبعد إعلان استقلال مصر، صدر القانون رقم 47 لسنة 1923م، والذي يحدد شكل علم الدولة الملكية المصرية، وهو أخضر اللون يتوسطه هلال وثلاثة نجوم خماسية بيضاء اللون. وبعد قيام ثورة 23 يوليو 1952م، وعلى الرغم من إعلان الجمهورية في 18 يونيو 1953م، ظلت مصر محتفظة بعلمها الوطني الأخضر ذو الهلال والنجوم الثلاثة البيضاء، دون تغيير حتى سنة 1958م. ولكن، وفي تلك الفترة، ظهر علم آخر غير رسمي أطلق عليه «علم التحرير»، مكون من ثلاثة مستطيلات طويلة متساوية ذات ثلاثة ألوان؛ الأحمر ثم الأبيض فالأسود. ورغم أن هذا العلم لم يكن له وجود رسمي، إلا أنه كان يستخدم في المناسبات الشعبية. ومع قيام الوحدة مع سوريا، في فبراير 1958م، اتخذ علم التحرير أساسا لعلم دولة الوحدة، مع إضافة نجمتين خماسيتين خضراوين في المستطيل الأبيض ترمزان إلى مصر وسوريا. وبعد فشل الوحدة، استمر العلم كما هو بألوانه الثلاثة، ولكن مع نزع النجمتين منه. واستمر الحال كذلك حتى إعلان قيام الاتحاد بين مصر وسوريا وليبيا، في ديسمبر 1971م، تحت اسم «اتحاد الجمهوريات العربية». ومع قيام الاتحاد، صدر قرار رئيس الاتحاد رقم 3 لسنة 1971م، والذي تبنى علم الوحدة المصرية السورية بألوانه الثلاثة مع إبدال صقر ناشرا جناحيه مطرزا بالقصب، بدلا من النجمتين الخضراوين، وعلى القاعدة التي يرتكز عليها الصقر يكتب اسم دولة الاتحاد، مع السماح لكل دولة عضو بكتابة اسمها أسفل اسم دولة الاتحاد. ورغم أن هذا الاتحاد لم يستمر سوى مدة محدودة، فإن القرار الرسمي المصري بشأنه قد تأخر إلى أكتوبر سنة 1984م، حيث صدر القانون رقم 143 بشأن انسحاب مصر من اتحاد الجمهوريات العربية. ولم يكن القرار السابق سوى تمهيد وتوطئة لصدور القانون رقم 144 لسنة 1984م بشأن علم جمهورية مصر العربية، وهو ذات العلم السابق مع وضع نسر ناظرا إلى جهة اليمين، وذلك بدلا من الصقر، ويكتب اسم جمهورية مصر العربية بالخط الكوفي على القاعدة التي يرتكز عليها النسر.

 

وقد تصاعدت الدعوات مؤخرا إلى تعديل العلم المصري. وقد بدأت هذه الدعوات مع بداية ظهور «الفيس بوك»، وبالتحديد في بداية سنة 2010م. إذ اقترح البعض تصميم علم جديد لمصر على شكل مثلث في إشارة إلى الهرم، وتكون خلفيته خضراء في إشارة إلى النيل. وطالب البعض بتغيير النسر في العلم المصري إلى هلال وصليب، تعبيرا عن الوحدة الوطنية. وقد تصاعدت الدعوات لتغيير العلم بعد ثورة 25 يناير، حيث طالب الكثيرون بضرورة تغيير العلم الوطني، تماشيا مع مصر في روحها الجديدة بعد قيام ثورة 25 يناير، وبحيث يتناسب مع هوية مصر الرفيعة، ويعكس حضارتها التي أبهرت الدنيا. وتستند هذه الدعوات إلى أن العلم الحالي لا يميزنا عن دول كثيرة تتشابه فيها الأعلام. ولعل هؤلاء يقصدون الشبه الكبير بين العلم المصري وبين أعلام كل من اليمن وسوريا والعراق. وبناء على ذلك، وضع البعض تصميما للعلم المقترح، عبارة عن ورقة بردي قديمة، مرسوم عليها «عين حورس»، لإبراز تميز الحضارة الفرعونية العريقة الضاربة في عمق التاريخ. فالعلم المقترح لمصر ينبغي – من وجهة نظر البعض – أن يتضمن أحد رموز الحضارة الفرعونية، مثل عين حورس أو زهرة اللوتس، أو الهرم أو المسلة الفرعونية. في المقابل، أعد البعض الآخر تصورا للعلم المصري الجديد، ركز فيه على اللون الأخضر بالأرضية، شاملا هلال أبيض كبير به عشرة نجوم. ويؤكد صاحب هذا الاقتراح أن الأرضية الخضراء ترمز لتاريخ مصر الزراعي منذ العصر الروماني، فضلا عن أن اللون الأخضر يرمز للنظرة المستقبلية للتنمية والنهوض الاقتصادي. وترمز النجوم العشرة لفترات الحضارة التي ساهمت فيها مصر منذ سبعة آلاف سنة حتى مشارف الألفية العاشرة، بما يرمز بنجمة لكل ألف عام.

ونعتقد أن ليس من المصلحة تغيير العلم المصري الحالي. فالقول بالتشابه بينه وبين أعلام بعض الدول العربية الأخرى هو شاهد حي على الدور المحوري الذي كانت تلعبه مصر – أثناء الحقبة الناصرية – في محيطها العربي. ولا يعقل أن نقوم بتغيير العلم الوطني لمجرد أن دولا عربية أخرى تبنت علما مشابها. أليست الوحدة العربية حلما تسعى الشعوب العربية إلى تحقيقه، وإذا لم يتحقق هذا الحلم على أرض الواقع، فلا أقل من يبقى في الضمير الجمعي العربي. بالإضافة إلى ذلك، فإن العلم الوطني قد أصبح جزءا لا يتجزأ من التاريخ المصري المعاصر. فقد شهد هذا العلم معظم حروب مصر بعد استقلالها عن الاحتلال البريطاني، والتي كان من أبرزها حرب أكتوبر المجيدة. فكيف نفسر لأولادنا صور جنودنا البواسل وهم يرفعون علمنا على أرض سيناء. ونود أن نشير أيضا إلى الدراسة التي قامت بها الدكتورة «عزة سليمان»، باعتبارها إحدى الباحثات المتخصصات في الحضارة المصرية، والتي تؤكد فيها أن علم المصريين القدماء كانت له نفس الألوان الثلاثة؛ الأحمر والأبيض والأسود، وأن اكتشاف مقبرة الزعيم في منطقة «البصيلة» بأسوان أوضح لنا أن العلم كان موجودا وأن هذا الزعيم قد استخدم الألوان الثلاثة كراية لمصر. وتؤكد الباحثة المذكورة أن هذه الراية كانت مستخدمة في أزمنة سابقة تتراوح بين عشرة آلاف وأربعة عشر ألف سنة، وأن اللون الأبيض في اللغة المصرية القديمة كان يعني «حج»، وكان أجدادنا يرتدون اللون الأبيض في طريقهم للحج إلى أبيدوس وأما الأحمر فيعني باللغة المصرية القديمة «دشر» ومنه جاءت كلمة «دشرت» أي صحراء. واللون الأسود في اللغة المصرية القديمة يعني «كيم» وتحولت إلى «كيميت» أو «الأرض السوداء»، وهو اسم مصر التي ترمز إلى الخصوبة. وأما الصقر والنسر، فهما رمز القوة.

وفي الختام، نود التأكيد على أن العلم الوطني هو علم مصر، وليس علم ثورة بعينها مهما كانت أهمية هذه الثورة. كما يهمنا التأكيد على عدم جواز اختزال مصر في حقبة زمنية معينة، أيا كانت أهمية هذه الحقبة، ولا يجوز بالتالي اختزال الهوية المصرية في المرحلة الفرعونية، ولا ينبغي أن يتضمن العلم أي إشارات مباشرة سواء للفرعونية أو الإسلامية أو القبطية.  

أستاذ القانون الجنائي المساعد بجامعة القاهرة