رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حادث المنصة.. لا يزال حاضرا

        في السادس من أكتوبر سنة 1981م، وقع حادث المنصة الشهير، والذي راح ضحيته الرئيس الراحل «محمد أنور السادات». ففي هذا اليوم، وأثناء العرض العسكري بمناسبة ذكرى حرب أكتوبر المجيدة، قام بعض الأشخاص باغتيال السادات الذي كان جالسا على المنصة لمشاهدة بعض العروض العسكرية لأبنائه – على حد قوله. وقد أدى هذا الحادث إلى فراغ سياسي في رأس السلطة، بحيث أصبح الطريق ممهدا أمام نائب الرئيس آنذاك «محمد حسني مبارك» للجلوس على كرسي الحكم، والذي جلس عليه فعلا قبل انقضاء مدة الستين يوما المنصوص عليها في الدستور.

         وعلى إثر وقوع الحادث، تم توجيه الاتهام لتنظيم الجهاد بالوقوف وراء جريمة الاغتيال، حيث صدرت أحكام بالإدانة ضد بعض القيادات وعلى رأسهم خالد الاسلامبولي والشقيقان عبود وطارق الزمر وعطا طايل. وفي ابريل سنة 1982م، تم تنفيذ حكم الإعدام رميا بالرصاص في خالد الإسلامبولي. وقد حملت القضية رقم (7) لسنة 1981م، وشملت اتهام 24 عضوا بتنظيم الجهاد، تم إعدام خمسة منهم.

        ومع ذلك، وفي بداية التسعينيات من القرن الماضي، وأثناء عضويته بمجلس الشعب، قدم النائب البرلماني «أبو العز الحريري» استجوابا بطلب إعادة فتح التحقيق في قضية اغتيال السادات، مؤكدا تورط وزير الداخلية الأسبق «النبوي إسماعيل» في الحادث. ولكن، هذا الاستجواب لم ير النور، حيث حظي طلب مناقشته بالرفض.

        وفي غضون شهر نوفمبر سنة 2006م، أصدرت محكمة عسكرية حكما بالسجن على النائب المستقل «طلعت السادات» ابن شقيق الرئيس الراحل، بالحبس لمدة سنة مع الشغل وبغرامة 200 جنيه، بتهمة إهانة القوات المسلحة وترويج إشاعات كاذبة. وتتلخص وقائع القضية في أن النائب المذكور صرح – في إحدى المقابلات التليفزيونية – بأن عمه الرئيس الراحل أنور السادات قد اغتيل نتيجة مؤامرة شارك فيها حرسه الخاص وبعض قادة القوات المسلحة على حد زعمه. وأبدى النائب «طلعت السادات» استغرابه من عدم محاكمة أي من أفراد قوة الحراسة الخاصة بالرئيس الراحل، والذين لم يطلقوا رصاصة واحدة خلال عملية الاغتيال، بل وتمت ترقية معظمهم. وقد وصل الأمر بالنائب «طلعت السادات» إلى حد التشكيك في إعدام الضابط «خالد الإسلامبولي»، مؤكدا أنه لم يعدم، ويمكن أن يكون موجودا في فنزويلا مع رئيس نيكاراجوا السابق الذي قيل أيضا أنه قد تم إعدامه على حد قوله.       

 

        ورغم مرور ما يقرب من الثلاثين عاما على وقوع الحادث، ما زال البعض يتحدث عن وقوع مؤامرة ما، بحيث يكيل الاتهامات إلى الرئيس المخلوع «محمد حسني مبارك» بأنه كان وراء مقتل السادات. بل لقد ذهب البعض إلى حد الإدعاء بضلوع الرئيس السابق – بالتنسيق مع بعض المخابرات الأجنبية – في تنفيذ هذا الحادث. وقد تفجرت هذه الاتهامات بشكل خاص بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة، والتي أطاحت بالرئيس السابق «محمد حسني مبارك». فقد أعاد «أبو العز الحريري» إثارة الموضوع من جديد، مؤكدا أنه يتهم «مبارك» مباشرة بالتورط في اغتيال «السادات» وأن لديه الدلائل ولكن لم يكن يستطيع اتهامه عندما كان في السلطة. واكتفى الوزير «حسب الله الكفراوي» - الذي كان موجودا بالمنصة – بأن هناك علامات استفهام كثيرة حول اغتيال «السادات»، قد يتم الكشف عنها خلال الأيام القادمة. وبعد هذه الأقوال، بادرت السيدة «رقيه السادات» إلى تقديم بلاغ إلى النائب العام، قائلة أنها تطلب شهادة كل من الوزير السابق «حسب الله الكفراوي» والنائب البرلماني السابق «أبو العز الحريري».

 

        وأود التأكيد هنا على أن موضوع هذا المقال لا يتعلق – من قريب أو بعيد – بحادثة الاغتيال في ذاتها أو بالاتهامات والإدعاءات التي ما زالت تدور حولها. إذ أجد نفسي بعيدا كل البعد عن امتلاك العناصر اللازمة للإدلاء بالرأي في هذا الشأن. وكل ما أعنيه بهذا المقال هو تحليل آثار وتبعات هذا الحادث على الساحة السياسية المصرية، والتي امتدت طوال فترة حكم الرئيس السابق «حسني مبارك»، ولا يزال أغلبها باقيا حتى الآن. بيان ذلك أن الرئيس السابق «حسني مبارك» بدلا من أن يأخذ العظة والعبرة من حادث المنصة، لجأ إلى تحصين نفسه ضد محاولات الاغتيال، مختارا البعد عن الجماهير وإقامة سياج حصين بينه وبين الشعب. ولعل أولى الخطوات في هذا المضمار تكمن في إلغاء العروض العسكرية التي كانت تتم بمناسبة ذكرى حرب السادس من أكتوبر، وبحيث كان العرض العسكري الحاصل سنة 1981م هو آخر هذه العروض. وقد استعاض الرئيس السابق عن ذلك بإلقاء كلمة متلفزة أو أمام مجلس الشعب في ذكرى حرب أكتوبر المجيدة. كما استعاض عن العروض العسكرية بحفل فني يتم من خلاله التغني بصاحب الضربة الجوية، إلى الحد الذي يوحي بأن الضربة الجوية وحدها هي التي كانت وراء نصر أكتوبر المجيد.

 

        ولم يقتصر الأمر على حد إلغاء العرض العسكري، وإنما امتد إلى إدارة شؤون الدولة كلها من وراء ستار، وبدون أن يحدث اتصال أو احتكاك مباشر بين رأس السلطة وبين الشعب. فلم يحدث أن قام الرئيس السابق بإلقاء

خطاب مباشر في إحدى الساحات العامة. بل أن الأمن قد لجأ إلى غلق الطريق العام عند خروج الرئيس من قصره، لافتتاح أحد المشروعات العامة أو لإلقاء خطاب في مجلس الشعب، الأمر الذي أدى إلى سخط شعبي عارم في كل مرة يخرج فيها الرئيس السابق من قصره الجمهوري. وفي مقابل الابتعاد عن هموم الشعب والاتصال به، أسرف الرئيس المخلوع في الاهتمام بمباريات الكرة، إلى درجة القيام بحضور تدريبات المنتخب المصري لكرة القدم قبل مباراته الفاصلة في تصفيات كأس العالم 2010م. وأثناء الحملة الانتخابية الأخيرة لرئاسة الجمهورية، حاول الرئيس إظهار قربه من الشعب، فجرى تدبير مشهد كوميدي يجمع بين الرئيس وبين إحدى الأسر المصرية التي تعمل بالزراعة، وظهر الرئيس في المشهد وهو يحتسي كوبا من الشاي وسط الحقول الزراعية.

        وهكذا، عمد الرئيس السابق إلى الابتعاد عن هموم شعبه، ووصل به الأمر في السنوات الأخيرة من حكمه إلى الإقامة شبه الدائمة في شرم الشيخ، بعيدا عن تلوث القاهرة ومشاكلها. وللتدليل على أن هذا النهج الرئاسي كان مستحدثا، يكفي أن نتذكر الرئيس السادات ببساطته المعهودة وزياراته المتكررة إلى مسقط رأسه «ميت أبو الكوم» حيث كان يجلس بملابسه الريفية البسيطة بين أهل قريته. كذلك، لا يمكن أن ينسى خطاب الرئيس جمال عبد الناصر في الجامع الأزهر، في بداية العدوان الثلاثي على مصر. حيث ذهب إلى الجامع الأزهر، وبمجرد انتهاء الصلاة، أمسك الميكرفون مخاطبا الجماهير، طالبا منهم التصدي للعدوان.

 

        ولما كان الرئيس المخلوع قد آثر الابتعاد عن بني وطنه، حرصا على حياته، لم يكن مسموحا لأحد من أركان حكمه أن يبدو بمظهر الشخص الشعبي، حتى لا يؤثر على شعبية الرئيس. فلم يكن مسموحا لرموز حكمه الاتصال بالشعب وبناء قاعدة شعبية بين المواطنين. بل أن الرئيس المخلوع كان حريصا على الاحتفاظ بالوزراء غير المقبولين شعبيا. وعندما ارتفعت شعبية «عمرو موسى» أثناء توليه منصب وزير الخارجية، جرى الحديث همسا عن استبعاده وتهميش دوره من خلال ترشيحه لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية.

وما دامت المجموعة الحاكمة لا تسعى إلى الاتصال المباشر بالجماهير، فإن ذلك لم يكن مسموحا بدوره لأحزاب المعارضة أو لغيرها من منظمات المجتمع المدني، إلى الحد الذي جعل الحكومة تتحسس من أي نشاط خيري أو اجتماعي تقوم به منظمات المجتمع المدني أو غيرها من الجمعيات الخيرية.

ورغم انتهاء حقبة الرئيس المخلوع، ما زال المشهد قائما لم يتغير. فلا زالت القوى الليبرالية منغلقة على نفسها، مبتعدة عن الجماهير، ولاسيما في المناطق الريفية والصعيد. فالكثير من رموز التيار الليبرالي يختزلون العمل السياسي في البرامج التليفزيونية والمؤتمرات الصحفية. وأدمنت ائتلافات شباب الثورة الاعتصام في ميدان التحرير، دون أن يتحرك أفرادها تجاه الأغلبية الصامتة. بل أن هؤلاء راحوا يطلقون التصريحات المتكررة عن نسبة الأمية الكبيرة في الشعب المصري، والتي تبلغ في بعض التقديرات 40%. واعتقد أن ذلك ليس عذرا. فالأمي ليس شخصا منعدم التفكير، غير قابل للإقناع، وإنما هو شخص يحتاج إلى طرق مختلفة في التعامل معه تقوم بشكل أساسي على الاتصال المباشر واستخدام لغة بسيطة للخطاب، بعيدا عن بعض الألفاظ المعقدة التي تترد كثيرا هذه الأيام مثل «الدولة المدنية» و«المبادئ فوق الدستورية» و«المبادئ الحاكمة للدستور». ألم أقل لكم: إن حادث المنصة لا يزال حاضرا !!!