رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إلغاء الجهاز المركزي للمحاسبات!

 

تعددت الاجهزة الرقابية والسرقات تخطت المليارات.. هذا هو حال مصر التي نهبت ثرواتها وشرد شبابها تحت أعين ترسانة الاجهزة الرقابية التي لم تحرك تقاريرها ساكنا، بل إن بعضها كان يتخذ كغطاء أو ديكور لتمرير صفقات مشبوهة، والبعض الآخر من التقارير الرقابية كان يوضع في أدراج رؤساء الجهات التي أعدتها كبديل بعدما اكتظت أدراج الوزراء بها.

وأكاد أجزم أنه لا توجد دولة في العالم بها ترسانة متعددة الاشكال والاطياف من الاجهزة الرقابية ونهبت ثرواتها وانتشر فيها الفساد مثلما حدث في مصرنا الحبيبة، والسؤال الذي يربك ويشل تفكير كل مصري الآن هو: لماذا لم يتحرك جهاز الكسب غير المشروع ومباحث الاموال العامة والجهاز المركزي للمحاسبات وغيرها من الاجهزة الرقابية قبل خراب مالطا؟ واذا كانت الرقابة الادارية قد تحركت وحدها في بعض القضايا فلم كل هذا الفساد؟ ولماذا لا تمنح هذه الاجهزة استقلالية تامة وتمكن من أداء دورها أو تلغي وتستبدل بأجهزة أكثر فاعلية قادرة علي مواكبة تطورت المرحلة الجديدة التي دخلتها البلاد بعد ثورة 25يناير؟.

هل يعقل أنه بعد أربعة أشهر من اندلاع الثورة لا تعرف هذه الاجهزة حجم ثروات رموز النظام السابق وتنتظر بلاغات المواطنين لتنقب مثلنا عن عمق نفق الفساد الذي تبين أنه أطول بكثير من شبكة مترو الانفاق؟ أربعة أشهر وجميعنا - مواطنون وأجهزة رقابية ووسائل اعلام - يضرب أخماسا في أسداس ولا يعرف أحد حجم الثروة الحقيقية لرئيس الجمهورية السابق وأعوانه؟!

عندما يتستر جهاز رقابي علي ضياع 50 مليار جنيه انتزعت من حضن الشعب  ووضعت في جيوب تجار الاراضي من رجال الاعمال المرتبطين بالنظام فماذا ننتظر من هذا الجهاز الرقابي الذي ملأ وسائل الاعلام ضجيجا في الآونة الأخيرة؟ هل يشفع لهذا الجهاز ان يفاجئنا بعد الثورة ان لديه عدداً هائلاً من تقارير الادانة لوزراء "المقاولات" ورجال "الأحمال الثمينة"؟ لماذا لم تظهر هذه التقارير وتقدم للنائب العام وقت ارتكاب جريمة الفساد، خصوصا أن تواريخها تفيد إنها أعدت وقت ارتكاب الحادث ولكن للأسف ظل المجرم طليقا وأدلة الادانة حبيسة الأدراج، كل ذلك لاننا نتعامل مع المال العام علي أنه مال "سايب" ولأن أغلب أنظمتنا الرقابية لصيقة بالنظام وتربت وترعرعت في حجره وليست مرتبطة بالشعب ولا تعبر عن إرادة المواطنين.

انشغلت أجهزتنا الرقابية طيلة النظام السابق بصغائر الامور وفساد صغار الموظفين وتجاهلت صفقات الهوامير رغم أنها كانت واضحة وضوح الشمس واسألوا أهل "مدينتي" التي شيدت أمام أعين الجميع بالمخالفة للقانون ولم يتصد لها أي جهاز رقابي وتركوها للظروف حتي انتفض أحد المواطنين الشرفاء ولجأ للقضاء الذي انصفنا وحكم ببطلان العقد.

هل سمع أحد منا قبل الثورة عن تصدي أي من اجهزتنا الرقابية لاستحواذ الفتي المدلل "احمد عز" علي مصنع الدخيلة بطرق غير مشروعة واحتكاره لواحدة من أهم السلع الاستراتيجية في البلاد؟ هل تجرأت اجهزتنا الرقابية وفحصت  الصناديق الخاصة في الوزارات وعلي رأسها صناديق وزارة الداخلية

والتي تزيد مبالغها علي ملياري جنيه سنويا وكانت تصرف بمعرفة وزير الداخلية الاسبق ومساعده للشرطة المتخصصة وتشمل: مبالغ تأمين اللوحات المعدنية للسيارات وصندوق رخص المرور وشهادات البيانات، علما بأن موارد هذه الصناديق وغيرها هي موارد للموازنة العامة طبقا للقانون؟

أين تحركات وتقارير أجهزتنا الرقابية عن الخصخصة والتي ضاعت فيها المليارات علي خزينة الدولة ومنها: بيع شركة اسمنت السويس وعمر افندي وكوكاكولا وطنطا للكتان وبنك القاهرة، وغيرها من الكيانات الاقتصادية التي فرط فيها النظام السابق بملايين محدودة ثم أعاد من اشتراها بيعها بالمليارات؟ أتحدي اجهزتنا الرقابية المتشعبة ان تكشف لنا مصير حصيلة هذه الخصخصة والتي تقدر بـ 13 مليار جنيه.. أين ذهبت هذه الأموال ومن فاز بها؟!

كنا نشعر بالامان - أو هكذا تخيلنا - كلما تعددت وكثرت الاجهزة الرقابية ونظن ان النظام السابق أتي بها ليطمئننا، ولكن الحقيقة المؤلمة اننا استيقظنا مع الثورة لنجد أنفسنا في مواجهة بركان اسمه "الفساد"، وأن ركام هذا البركان هو الذي كان يغطينا طيلة السنوات "المباركة" وأن حممه الملتهبة أحرقت الأخضر واليابس، ولم يتبق لنا سوي تصريحات وإطلالة بعض رؤساء أجهزتنا الرقابية ليقولوا لنا إننا كنا هناك.. صحيح ان بعضهم كان هناك لا ليطفئوا الحرائق ويمنعوا وقوع الجريمة ولكن ليشيعوا الموتي ويحنطوا ادوات المأساة.

بصراحة ستظل ثورتنا الشعبية محلك سر مالم يعاد النظر في هيكلة وتوجهات واستقلالية أجهزتنا الرقابية، وصدقوني لقد شلت يد الجهاز المركزي للمحاسبات تجاه مليشيات الحزب الحاكم بعدما نقلت تبعيته الي رئاسة الجمهورية، ليس هذا فحسب بل وقف الجهاز حائرا منذ ذلك الحين حيال دوره الرقابي تجاه رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء.. هل سمعتم يوما أن الجهاز أعد تقريرا أو أبدي ملاحظة علي موازنة الرئاستين؟ هذا الامر لا يقتصر علي الجهاز المركزي للمحاسبات الذي "يعافر" من اجل البقاء والصمود وانما ينسحب ايضا علي بقية أجهزتنا الرقابية التي تنتظر كسر القيود وإلا سيظل وجودها مثل عدمه.

[email protected]