رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

في خندق المتشائلين!

وسط العتمة أشعر دوما بحاجة إلى رؤية الطريق من وجهة نظر الآخرين، حتى أكون على يقين من الخطوة التالية. فربما يكون المرء قد فقد القدرة على الرؤية، ويعتقد أنه «أبوالشوف»،

ومن الممكن أن تكون كثرة المعارك التي نخوضها في حياتنا اليومية، وضعت سحابة بيضاء، تحجب المستقبل وراء ستارة نورانية لا نعرف السبيل إليها. دفعتني هذه الهواية إلى مجالسة صديقي السفير سونغ آي قوة سفير الصين بالقاهرة. فالصين كما نعرف أهل حكمة، والصبر عندهم له أشكال وأصناف لم نعرفها نحن في بلاد العرب والمسلمين المدعويين إلى التمسك به في كل وقت وحين. سألت الحكيم الصيني عن رؤيته للمستقبل، ونحن في بلد يعلم تماما أنها تمر بمرحلة خطيرة في حياتها، هلك فيها من هلك وطاش فيها من طاش، وربح فيها من ربح.

ظننت أن الرجل سيخشي الكلام عن الثورة، باعتبار بلاده الصين لا تحب هذه النوعية من الحركات الثورية التى وضعتها في حرج مع الأنظمة العربية. فالصين تقليديا تحب أن تكون علاقتها ممتازة بالدولة، ولا تفرق بين الشعب والحكومة التي تديرها، كي تكسب ود الطرفين في آن واحد، وهي نوعية من الدبلوماسية تتفرد بها الصين عن غيرها من الدول. فلا يمكن مثلا أن تتعاون الصين مع نظام سياسي ثم تمول جمعيات مناهضة له كما تفعل الولايات المتحدة أو غيرها، ولكنها إذا خاصمت دولة فإنها تقاطعها ولا تتعامل مع أناسها أيا كانوا، وإينما وجدوا. هذا المبدأ تؤكده الصين، سواء جاء ذلك على لسان مسئولين أو في الوثائق الرسمية كما ظهر مؤخرا في الكتاب الأبيض السادس الذي صدر في بكين الشهر الحالي. فوجئت بالصديق الصيني يطلب مني الكف عن التشاؤم الذي يغلف مشاعري وكلامي حول المستقبل. فالحكيم الصيني يرى أن مستقبل مصر سيكون أكثر إشراقاً خلال السنوات القليلة المقبلة، وسترتفع قيمتها بين دول العالم أكثر من ذلك بكثير.

حسبت أن الحكيم الصيني غلبت عليه دبلوماسيته، أو غطت على عمق الصداقة التي تربط بيننا، وأبعدته عن أجواء المكاشفة وعين الحقيقة. قال الرجل: قد لا تصدق هذا حاليا، ولكن أنظر فقط إلى ما فعلتموه، فأنتم شعب ثار من أجل الحرية والكرامة، وهذه الثورة لم تأت من فراغ بل من مرارة سنوات طويلة، وحافظتم على قوة هذه الثورة بما جعل الناس أكثر حرصا على مؤسسات الدولة، فلم تنهار الدولة، بل استمرت الحياة بصورة طبيعية، عشت هذه الأيام معكم، وأبدت استغرابي من التحول الخطير الذي حدث، بينما كانت مؤسسات الدولة المهمة، ظلت متينة وقوية، فلم يخرج الناس علي المألوف في حياتهم العادية، بل عندما غابت أجهزة الأمن وجدنا الناس تحافظ على الأمن وكيان الدولة، بما ألغى حالة الفوضي التي تحدث في أي مجتمع آخر، عقب الثورات والأحداث السياسية الفاصلة. قبل أن أنطق بكلمة، استشف الرجل بأنني سأقول له ما يدعو للارتياب في كلامه، فإذا به يكمل قائلا: هذه الثورة عبر عن مدى حضارة الشعب المصري المتمسك بكل علاقة متينة تربطه بتراثه العريق، فقد عكست قدرته على التعايش عبر الزمن وثقافته في حب الحياة والفن والجمال، فها هم الذين ثاروا ونظفوا الميادين وصانوا المتاحف وحموا الكنائس والمعابد مثل المساجد، فلم تحدث اضرابات كبرى ولا مجاعات عظمى.

قلت للرجل، ولكن مصر تدفعها بعض الأيادي إلى الفوضي التي تجعلها.. فوضي منظمة فرد بسرعة، لا تخش تلك الأفعال البسيطة، قلت: بسيطة؟! قال نعم بسيطة وللغاية..، فأنتم لم تقدروا حتى الآن هول ما وقع من تغيرات، ولاتعرفون الفوائد العظيمة لثورتكم، ولكن الأمر يحتاج إلى الصبر!. عجبت من تمسك الرجل بالصبر وقد كاد يهرب من صدرونا، بعد ما نراه من تغييرات كبرى، جعلت الثورة ترجع إلى الخلف. فهناك من يرغب في بقاء الوضع على ما هو عليه وإن واصل العسكريون الاستيلاء على السلطة، وأعلنوا الأحكام العرفية، ووضعوا كافة القوى السياسية في السجون. وهناك من يتحالف مع الشيطان لوأد أية رغبة عند الناس في البحث عن حرياتهم، طالما لن يكون ذلك

على هواهم الليبرالي أو تفكيرهم الإلحادي أو الشيوعي وأي دين يتبعونه.

جاءت النظرة الأكثرة تشاؤما بعد مجالستي لصديق عائد من أوروبا، بعد أن كشف عن شكوكه في نوايا الغرب في نجاح المصريين في تحقيق الثورة. قال يا صديقي من قال إن الغرب يريد أن تنجح الثورة، فهل تريدون حريتكم من أجل أن تقولوا لن نتعامل مع إسرائيل، ولن نصدر لها الغاز، أو حريتكم من أجل أن تقطعوا علاقاتكم بها أو تشعلوا ضدها حربا!؟ أية حرية يريدها الغرب لكم إذا كنتم ستختارون بإرادتكم أسلمة الدولة أو تحكيم الشريعة في كافة تعاملاتكم، أو تهديد المصالح الغربية في الشرق الأوسط وأفريقيا؟. هل جننتم أن تفكروا في تزعم العالم العربي مرة أخرى، والوقوف في وجه الأمريكان والأوروبيين الذين يسيطرون على العالم، ويحكمونه وفق مصالحهم؟. إن تفكيركم مازال ساذجا، إذا ظننتم أن حالة الفوضي التي تشهدها الدول الثائرة مثل تونس أو ليبيا أو مصر أو اليمن سوف تنتهي إلا بعد أن تحدد الدول الغربية القوى السياسية التي ترغب في التعامل معها!. فها هي ليبيا بعد أن سقط القذافي ستظل رابضة في ليبيا لتأمين مصالحها بقوات مباشرة من حلف شمال الأطلنطي «الناتو». وها هى مصر كل شيء يبدو فيها غامضاً لأن الغرب لم يجد القوة السياسية القادرة على التعامل معه بما يؤمن مصالحه، حتى المجلس العسكري ذاته، الذي أعلن مرارا تعهداته ببقاء العلاقات السلمية مع إسرائيل واحترامه للاتفاقات التي تخص في أغلبها الدول الغربية، لم يحصل على ذلك التفويض الذي يمكنه من الاستمرار في السلطة أو الجهة التي ستشاركه فيها!. وها هي سوريا ستظل مشتعلة لحين تقرر إسرائيل القوة التي تفضلها في المستقبل.. فالغرب يا عمنا لن يهدأ له بال إلا إذا التف حول ثورتكم ويجعلها تصب في نهاية الأمر في صالحه وتحمي إسرائيل، لذا ستستمر حالة الفوضى لأنها منظمة، ومخطط لها من قبل أناس يعلمون جيدا كيفية تحريك الأدوار من خلف الستار، وهم يعرفون من يحركونهم في السلطة، ومن يأمرونهم من خارجها.

نظرة الصديق العائد من الغرب لها كثير من الوجاهة، والعديد من الشواهد، مع ذلك لم تفلح في زعزعة ثقتي بقدرة المصريين على رسم مستقبلهم أو تشعل نار الغضب في أناس نشكك في أهدافهم، ولا نستطيع محو وطنيتهم، وفي نفس الوقت أوقفتي بين حالتي التفاؤل والتشاؤم، فأصبحت كما يقولون «متشائلا»، وأنتظر خروجي من هذه الحالة، بصدور قرارات من المجلس العسكري تحدد توقيتا للانتخابات المقبلة بقانون جديد يخرج البلاد من حالة الفوضي والغموض الذي دخلنا نفقه المظلم، بعد نجاح أول ثورة شعبية حقيقية شارك فيها الشعب المصري بكل طوائفه.

Adfrlsabry33yahoo.com