رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الخروج من القمقم الأمريكي

اهتمت الصحف العالمية بمحاولة مصر إعادة العلاقات الدافئة مع روسيا، التي انهارت في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات. ومن قبل تلك ظهرت تحليلات عن نمو العلاقات المصرية ـ الصينية، تتجه بمن يطلع عليها بأن مصر تحاول العودة إلى الخلف، بأن تتجه إلى الشرق هربا من الولايات المتحدة التي ظلت الشريك الأول لمصر سياسيا واقتصاديا خلال 33 عاما متصلة.

من يطلع على تلك التقارير يجد أغلبها يركز على الجانب السلبي في عملية التحول السياسي. بعض الأقلام تؤكد أن مصر المريضة اقتصاديا، تبحث عن قشة تنقذها من الغرق، وأخرى تؤكد أن شهر العسل بين جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحاكم وبين الإدارة الأمريكية انتهي بسرعة، بما جعل الرئيس مرسي يفكر في البحث عن بدائل تحمي نظامه، وتؤمن له مستقبله السياسي، وسط حالة من الفوران الشعبي ضده. كثرت التقارير الصادرة في الغرب، والتي شارك في كتابتها العديد من الخبراء والصحفيين المصريين الذين يجيدون الكتابة لهذه الإصدارات باللغة الانجليزية، دون أن تشير الصحف وأجهزة الإعلام المحلية إلى أي منها. فمقابلات الرئيس بدولة جنوب أفريقيا مع رؤساء دول البريكس وهي الصين والهند والبرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا، لم تنشر في أغلب وسائل الإعلام المصرية، رغم أهمية توقيتها ونوعية القضايا التي أثيرت بها. وزيارة الرئيس لروسيا لم تنشر في أكثر وسائل الإعلام مع خطورة القضايا التي أثيرت بها، ومن بينها عودة مصر لطلب مساعدات فنية لبرامج نووية روسية، مازالت محل شك فني وتكنولوجي في أنحاء العالم.
إن توجه مصر إلى الشرق لم يكن محض صدفة، فقد بدأت تلك السياسة منذ عدة سنوات، عندما شرعت الولايات المتحدة، في الضغط على مصر من أجل دفعها إلى الاندماج في مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي حاولت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش جرجرة مصر إليه بشتى الطرق. استخدمت الإدارة الأمريكية، وسائل التهديد بخفض المعونة الاقتصادية والعسكرية، واتبعت سياسة الترغيب مع قيادات الحزب الحاكم والمعارضة وخلقت كيانات سياسية بديلة تعمل تحت ستار المجتمع المدني، تكون مهمتها إحراج النظام السابق، وجعله ينصاع للإرادة الأمريكية. لعل المتابع للعلاقات المصرية الأمريكية،يعلم مدى الغضب الذي أظهره الرئيس المخلوع على الإدارة الأمريكية، والتي تحسنت بعض الشئ مع قدوم الرئيس الحالي أوباما. غضب مبارك، جعله يحاول مرارا الخروج من قمقم الإدارة الأمريكية، بمزيد من التقارب السياسي والعسكري مع الصين. رغم تحمسه لتحسين العلاقة مع الصين، وروسيا فإن الولايات المتحدة استغلت رجاله الذين نسجوا خيوطهم حوله في عرقلة هذه التحولات بسهولة. فرجال الرئيس السابق خلال السنوات العشر الأخيرة كانوا من كبار رجال الأعمال والساسة الذين أثروا ثراء فاحشا من أموال مشروعات المعونة الأمريكية وشركات البترول والبتروكيماويات وسماسرة صفقات السلاح. هوى رجال الأعمال وافق شهوة نجل الرئيس المخلوع الذي تربي على أيدي الأمريكان، وحاول أن يوظف علاقات أبيه، في الحصول على دعم البيت الأبيض لمشروع توريث الحكم. وقد كان المشروع قابلا للتنفيذ حتى عام 2007، ثم تلاشى تدريجيا بعد أن ساءت علاقة مبارك بإدارة بوش الابن، ووجدت الولايات المتحدة أن ظاهرة توريث النظام الجمهوري تعرض مصالحها للخطر، بعد أن عبر الناس عن تململهم منها، في اليمن وسوريا وليبيا وتحديهم لها في مصر.
من يقرأ تلك التحولات كان يعلم أن مصر لا يمكن أن تستمر علاقتها مع الولايات على نفس الوتيرة التي صنعها السادات، حينما أعلن أن 99% من أدوات اللعبة السياسية في أيدي أمريكا، وارتمت مصر بتاريخها الكبير في أحضان عشيق خائن. فالتجربة أثبتت أن أمريكا كانت تستقبلها بحفاوة وعيونها دوما ساهرة على مصلحة إسرائيل. والواقع أثبت أن مصر عندما تتخلى عن دورها الريادي وتكتفي بدور التابع، تتعرض للتحلل والتهميش، وهو ما حدث في عصر الدولة العلوية، و حسنى مبارك.
إذا لم تتجه مصر إلى الشرق من فراغ. فرغم تأخرها إلا أن الوقت لم يفت بعد، فعلاقات الدول تتجدد إذا ما ظهر المحفز المؤدي إلى تصنيع كرات دم حمراء جديدة. ولدينا في التوجه إلى الشرق الكثير من الحوافز، التي تدفعنا إلى تجديد الدماء. فروسيا اليوم تبحث عن دور قديم، ولن تجد أفضل من مصر كي تذكر العالم به. وروسيا لم تعد تلك الدولة

التي تساعد الآخرين مجانا، مقابل تصدير الفكر الشيوعي، لأنها تحررت من تلك الأوهام التي أدخلها الماركسيون بعد أن تجرعت السم من أفكارهم وأفعالهم الشاذة. وروسيا اليوم تمتلك خبرات حديثة وفائضاً مالياً كبيراً، وتكنولوجيا تريد تصديرها وخلق أسواق أحكم الغرب قبضته عليها منذ عدة سنوات. وعندما تعضد مصر علاقاتها بالصين، فهي تتعامل مع أكبر سوق مستهلك في العالم، وثاني اقتصاد عالمي. وتقود الصين حاليا تجمع دول «البريكس» الذي يضم البرازيل والهند وروسيا وجنوب أفريقيا، بما يعني نحو نصف سكان الكرة الأرضية، وأكبر الأسواق الواعدة خلال السنوات المقبلة.
لن يكون الخروج من القمقم الأمريكي بالأمر السهل، لأن رجال السلطة البائدة، مازالوا يتحكمون في أمور الدولة. فمن هؤلاء من يدير الغرف التجارية والصناعية والتجمعات السياسية والإعلامية وغيرها من المؤسسات التي غذت كياناتها الأموال والثقافة الأمريكية على مدار 38 عاما. فمن يراجع شهادة السفيرة فايزة أبو النجا وزيرة التخطيط والتعاون الدولي السابقة، يعلم إلى أي حد ما تتمتع به الولايات المتحدة من سطوة في هذا البلد. تقول السفيرة في شهادتها المنشورة الأسبوع الماضي بمجلة «الأهرام العربي»: حاولت الولايات المتحدة إجهاض الثورة والإبقاء على مبارك، بعد أن قدمت 150 مليون دولار لصحفيين وفضائيات وطلاب جامعات دربتهم واشنطن على تنظيم الإضرابات والاعتصامات للضغط على النظام. وأعلنت الوزيرة التي مكثت في الولايات المتحدة سنوات طويلة، في شهادة تاريخية لم تلفت انتباه الإعلام المصري، أن الإدارة الأمريكية تدير علاقاتها بالقاهرة من خلال عدسة إسرائيلية، وأنها تكره الثورة المصرية لأنها كانت مفاجأة كبرى للدولة العظمي وأجهزة مخابراتها ورجالها المنتشرين في كل بقعة من أنحاء البلاد، يعملون بطرق غير شرعية ومنظمات الحزب الجمهوري والديمقراطي وفريدوم هاوس.وتقول السفيرة: إن الولايات المتحدة التي وجدت الثورة الشعبية وقد خرجت عن سيطرتها عملت بكل ما لديها من إمكانيات وأدوات لاحتواء الموقف وتوجيهه في الاتجاه الذي يحقق المصلحة الأمريكية والإسرائيلية، حيث كل الشواهد تدل على رغبة واضحة وإصرار على إجهاض أية فرصة لتنهض مصر كدولة حديثة ديمقراطية ذات اقتصاد قوي حيث سيمثل ذلك أكبر تهديد للمصالح الأمريكية والإسرائيلية ليس في مصر وحدها، ولكن في المنطقة ككل. وتؤكد الوزير في شهادتها على أن الثورة خلقت فرصة تاريخية حقيقية لتتبوأ مصر المكانة التي تليق بقيمتها وقامتها إقليميا ودوليا، وبالتالي فالسبيل لإجهاض هذه الفرصة التاريخية أمام مصر والشعب المصري، هو خلق حالة من الفوضى تتمكن من خلالها القوى المناوئة لمصر دولية كانت أو إقليمية من إعادة ترتيب أوراقها في التعامل مع التطورات في مصر بعد الثورة.
لن يكون الخروج من القمقم الأمريكي أمرا سهلا، وعلينا ونحن نتجه شرقا أن نتجه بعقولنا وعيوننا على مصالحنا العليا، فليس هناك حب بين الدول، ولكن هناك مصالح وتبادل علاقات مبنية على التوازن والمصالح المشتركة.
[email protected]