رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أموالنا المسروقة فى قبرص!

ركعت قبرص على ركبتيها طلباً للرحمة من الاتحاد الأوروبى، لإنقاذها من الإفلاس. وظلت أجهزة الإعلام الدولية تتابع الأزمة القبرصية على مدار الساعة، طوال الأسبوعين الماضيين، وتترقب لحظة أن توافق ألمانيا قائدة الاتحاد على خطة إنقاذ قبرص، حتى حانت لحظة الحسم مساء الاثنين الماضى. تنفس القبارصة الصعداء وهم يرون الاتحاد الأوروبى يمنحهم فى الثوانى الأخيرة 10 مليارات يورو، فوافقوا على تجرع السم الأوروبى على أن تشهر الدولة الصغيرة إفلاسها.

ظلت أجهزة الإعلام العربية والمصرية على وجه الخصوص مبتعدة عن متابعة قضية قبرص، إلا ما تنشره عن مظاهرات، نظمها العمال الخائفون والموظفون المشردون، والعجائز الذين امتلأت بهم الشوارع بعد فشلهم فى الحصول على مدخراتهم من البنوك، وعدم قدرتهم على دفع ديونهم. بدا المشهد وكأنه يجرى فى نهاية الكرة الأرضية، رغم أنه يحدث فى قبرص التى ترتبط معنا فى حدود المياه الاقتصادية بالبحر المتوسط. لم نجد من يحلل الحدث التاريخى لدولة تتعرض لأخطر أزمة مالية منذ الحرب الأهلية التى نشبت بها عام 1974، والتى أجبرت رئيس الدولة على خفض راتبه بمقدار الربع، والوزراء الذين يعملون معه بنسبة20%، نزولاً منهم على رغبة المواطنين الذين طالبوا حكومتهم بالتقشف الذى يعانى منه كل فرد فى الدولة.
تجاهلت وسائل الإعلام المصرية، ربما عن عمد أو جهل بطبيعة الموقف، مدى تأثير الأزمة القبرصية على المصريين أنفسهم. فما ذكرته وسائل الإعلام الدولية التى تحلل وتتقصى الحقائق أن أكثر المستثمرين تأثراً بالأزمة القبرصة كانوا من بلدان الشرق الأوسط وروسيا وشرق أوروبا. ويعلم أهل الخبرة أن تلك الدولة التى تكتوى الآن بنار الأزمة المالية، جنت ما صنعته أيادى رجال الأعمال وبعض المحامين والسياسيين بها، خلال السنوات الماضية. فقد فتحت قبرص أبوابها أمام المصريين الذين يهربون أموال الشعب المسروقة إلى بنوكها عبر شركات وهمية. ورغم عدم وجود أرقام محددة عن الأموال المصرية المهربة إلى قبرص استطاع بنك الشعب المركزى فى الجزيرة حصر الأموال الروسية بنحو 31 مليار دولار. وتظل التقارير الواردة من هناك تؤكد أن الأموال العربية تأتى فى المرتبة الثانية بعد أموال الشركات الروسية. وعندما تذكر التقارير الأموال العربية فهى عادة تشير إلى ما يأتى من مصر ولبنان وسوريا، باعتبارهم من أهم مصادر التهريب إلى تلك الجزيرة التى تمتلك الآن عاشر أسطول بحرى فى العالم.
عندما نبحث عن الأموال المصرية المسروقة فى قبرص سنعلم تمام العلم لماذا سقطت تلك الدولة فى فخ أزمة مالية طاحنة؟!. فتلك الجزيرة التى فتحت أبوابها للأعمال غير المشروعة لرجال الأعمال وبخاصة الروس والمصريين، كانت على علم بكل جرائم تهريب الأموال وسبل غسيلها، تمهيداً لنقلها إلى أماكن آمنة، وهى غالباً تقع فى سويسرا أو أوروبا والولايات المتحدة. لقد مكنتنى الظروف الاطلاع على أعمال إحدى الشركات المصرية الكبرى التى شاركت فى صناعة الفساد وتهريب أموال جمال مبارك إلى قبرص خلال السنوات الماضية. فعندما رأيت مستندات الشركة القابضة التى تمتلك عدة شركات تابعة، تتاجر إحداها فى السيارات المصفحة مع وزارة الداخلية وشركات نقل الأموال، وجدت أن تهريب الأموال للخارج أمر فى منتهى السهولة. فالشركة التى تستورد المعدات من شركة أوروبية تحصل على أمر توريد من الجهات المصرية مقابل دفع قيمة الشحنات بالعملة الصعبة. وعندما تبدأ عمليات التوريد تطالب الشركة الموردة بدفع مستحقاتها فوراً لمكتبها الكائن فى القاهرة، والذى تمت معه صفقة البيع. فجأة تظهر مطالبة من شركة ثالثة مقرها قبرص تطالب الشركة الموردة فى القاهرة بسداد قيمة إصلاح المعدات التى جلبتها من إيطاليا إلى مصر ورواتب الخبراء الذين أشرفوا على الصفقة بما يقدر بنحو 80% من قيمة الصفقة ذاتها. نكتشف من الأوراق أن الشركة القبرصية هى الطرف الثالث بعينه الذى ينفذ جريمة نقل الأموال فى عز الظهر، عينى عينك وأمام الحكومة والداخلية ولكن كل شىء يخرج بالمضبوط. فالشركة القبرصية هى مملوكة لنفس الأشخاص والشركة الأولى فى القاهرة، ولأن الفلوس لازم تخرج من البلد بطرق رسمية ابتدعوا الشركة الطرف الثالث، حتى يصدر من القاهرة بدفع مستحقات الشركة القبرصية، اعترافاً منهم بأنها قامت بإصلاح المعدات، رغم أن المعدات المشتراة للداخلية من أوروبا خرجت للتو من مصانعها الشهيرة. يعنى لا

تحتاج لإصلاح أو غيره، ولو كانت هناك حاجة للإصلاح تكون الصفقة فاسدة برمتها، فمن غير المعقول ولا المقبول أن تشترى الداخلية عربات مصفحة سابقة الاستهلاك.
مع خروج الأموال للطرف الثالث من مصر، يصدر أمر لشركة ايرباص فى أوروبا بحاجة الطرف الثالث لشراء طائرة من ألمانيا. ويحدد الطرف الثالث مواصفات الطائرة وطريقة الدفع، وعندما تقبل ايرباص الطلب، يبدأ الطرف الثالث فى تحويل المال من قبرص إلى ألمانيا. مع اللحظات الأولى لانتقال الأموال يصدر أمر من الطرف الثالث إلى أنه عدل عن رغبته فى شراء الطائرة الايرباص ويعلن استعداده لتحمل عبء إلغاء تعاقد الشراء الذى لا يزيد عن 10% من قيمة الصفقة. وبذلك ضمن الطرف الثالث أن ثمن الطائرة الذى يزيد على 200 مليون دولار قد وضع رسمياً فى أكبر البنوك الأوروبية بطريقة مشروعة. لم يخسر الطرف الأول فى القاهرة إلا ثمن تكلفة إنشاء شركة بنظام «أوف شور» التى تشهر فى قبرص مقابل عدة دولارات، من مكتب محام ولها رقم هاتف وفاكس وما دفعه من أموال مقابل إلغاء صفقة فعلية فى أوروبا تضمن له غسيل المال الذى تم عبر القاهرة وقبرص وألمانيا. هذه العملية التى تبدو عجيبة للبعض، هى عمل احترافى لكثير من رجال الأعمال المصريين، الذين ارتبطوا بفساد العهد البائد. وعندما تقدمت للنائب العام السابق، بمستندات تلك القضية لم يتحرك لمناقشتها أى فرد، ولكن علمنا أن نيابة الأموال العامة بدأت مؤخراً فى مناقشة القضية، بعد دمجها فى قضية تهريب جمال مبارك لأموال إلى قبرص.
بالتأكيد هناك مئات، بل آلاف الحالات من عمليات غسيل الأموال التى توجهت إلى قبرص باعتبارها أقل الدول تشدداً فى الرقابة على الأموال الواردة إليها، بل هناك عصابات من المحامين ورجال الأعمال الذين يشاركون المصريين والعرب فى تسهيل نقل الأموال وغسيلها قبل نقلها لوجهتها النهائية. من الغريب أن الصناعة التى احترفها القبارصة كانت وراء الكارثة التى منيت بها بلادهم. فالمال الحرام أتى على كل آمالهم فى اقامة اقتصاد نظيف. وتثبت قبرص للمرة الأولى أن العملة الأوروبية الجيدة تطرد العملة الرديئة، بخلاف ما يراه كبار الاقتصاديين من أن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة. لعل سقوط هذه النظرية الآن بفعل دعوات المصريين الذين كانوا يتضرعون إلى الله بأن يخسف الأرض بكل من خطف أموالهم ويذل من سرق لقمتهم. فالمال الحرام لا يعيش أبدا، ولا ينفع صاحبه. فإذا كانت قبرص تدفع اليوم الثمن فعلينا ألا نسكت على مافات، وأن نطالب بأموالنا المنهوبة، خاصة أن البنك المركزى هناك وضع ضوابط مشددة على خروج الأموال من البنوك، بل وفرض ضرائب باهظة على الودائع ستجعل الهاربين بها من مصر أقرب للفقر بعد أن كانوا يعتقدون أن المال الحرام سيجعلهم دوما فى غنى ورفاهية.
[email protected]