رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كتاب حياتى.. يا عين!!


أكتب لكم هذه الكلمات بعد لحظات قليلة.. من دخولى نادى الخمسين.. وهي السن التى يجعل صاحبها اكثر اهتماما بالقبر.. من البحث عن القصر..لانه يعنى باختصار قرب وصول القطار الى محطته الأخيرة.. لم لا وقد قال رسولنا الكريم: أعمار أمتى بين الستين والسبعين.. يعنى باختصار.. علينا ربط الأحزمة.. استعدادا للهبوط الاضطرارى الآمن الى دار البقاء.. والراحة الأبدية!!

فكلنا نولد.. فيستقبلنا الأهل ويضعوننا فى لفافة بيضاء.. ونعيش حياتنا بالطول وبالعرض.. حتى اذا ما حان موعد الرحيل.. نوضع فى لفافة بيضاء أيضاً.. لنستقر فى دار البقاء!!
خمسون عاما.. بالتمام والكمال.. عشتها.. فى طريق طويل محفوف بالنجاح.. والفشل.. تحيط به أشجار خضراء يانعه تسر اعين الناظرين.. وأخرى يابسة.. ميتة تدخل اليأس والقنوط لنفس الانسان.. فقر مدقع.. ويسر معقول.. هو أقرب للستر.. سعادة غامرة.. وحزن يدمى النفس.. خمسون عاما عشتها.. كالطفل الصغير.. كلمة تغضبنى.. وكلمة ترضينى.. أغضب كالثور الهائج.. وتتساقط دموعى.. مع سماع اول كلمات الاعتذار.. بل ان دموعى تنهمر أنهارا لمجرد مشهد انسانى.. فى فيلم أو مسلسل.. حتى إننى اخجل من دموعى المتساقطة.. أمام أولادى.. الذين يضحكون على سذاجة والدهم!!
أعمارنا نقضيها.. ونحن فى صراع مع النفس.. ومع الآخرين.. على مغنم زائل.. قد يكون منصبا يوفر الجاه والسلطان.. أو مالا.. يقينا شر الحاجة.. ويؤمن مستقبل الاولاد..هكذا نتخيل بعقلنا القاصر.. رغم أن الأمان كله بيد الخالق..ولكن الأفضل ان نعلم اولادنا كيف يكونون رجالا.. يعتمدون على انفسهم كما فعلنا نحن.. لكن ذلك لا يعنى ان نسير على مبدأ.. اصرف ما فى اليد.. يأتيك ما في الغيب.. فالحياة أصبحت صعبة للغاية.. وتوفير متطلبات الحياة من شقة..ونفقات زواج وخلافه.. باتت مهمة شبه مستحيلة.. على اى شاب.. فلابد من مساعدة اولادنا.. والوقوف بجانبهم.. تماما كما فعل آباؤنا!!
خمسون عاما.. يشهد الله اننا لم نتاجر بوطن.. أو نحاب أحد.. أو ننافق مخلوقاً.. دائماً.. وأبداً كنا نبحث عن الكمال.. وننشد الصلاح.. حتى اننى افخر دائماً بأنني.. وأنا فى بدايات حياتى..وكنت طفلا صغيرا.. اننى هممت بإرسال.. رسالة الى وزير الصحة.. أشكوا له والدى الذى كان فى الأيام الأخيرة لعمله قبل خروجه للمعاش.. لايذهب لعمله الا ثلاثة.. أو أربعة أيام فى الاسبوع!!
وقد شعرت وقتها بأن والدى يتقاضى مرتبه دون ان يقدم عملا.. ولم اكن استوعب وقتها ان قياداته فى العمل.. كانوا يقدرون مرضه.. فيسمحون له بالغياب يوما.. أو يومين.. رحمة بحاله.. ومرضه..!!
وبمجرد ان علم والدى رحمه الله من صديقى.. بأمر البرقية التى سارع صديقى بتمزيقها.. فحزن -رحمه

الله -حزنا شديداً.. وذهب يشكو لرئيسه.. عقوق ابنه..وكان المدير صديقا له.. وبعد ان قص عليه الحكاية.. فوجئ والدى.. بالمدير يقول له.. والله.. وعرفت تربى.. يا ابو عبيد.. ده اللى حصل المفروض يفرحك..مش يزعلك.. لأنك انجبت ابناً.. الحق عنده.. أولى من أبيه نفسه.. ولم يكتف الرجل بذلك.. وانما ابلغ والدى بأن ﻻبنه هذا مستقبلاً باهراً.. فزال الحزن عن ابى..وسعد بكلمات مديره.. وزادت محبتى فى قلبه.. أكثر من ذى قبل!!
هكذا كنت.. وها أنا أصبحت.. نفس النهج.. ونفس الطريق.. وللأسف فقد جر عليَّ هذا تعبا كثيرا.. بل وعطلنى فى مشواري الصحفى كثيراً.. لأن الاخرين لم يتقبلوا صراحتى.. ولم يغفروا لى جرأتى فى الحق.. كما غفر لى والدى.. حتى قضيت فترة فى حياتى.. أشبه بمن يحارب طواحين الهواء.. حتى إننى كنت أخوض حروبا بلا هوادة مع رؤسائى.. وقادتى.. حتى تعرضت للفصل من عملى اكثر من ثلاث مرات.. حتى ان الشئون القانونية بالوفد.. لم تحقق مع اى صحفى مثلما حققت معى.. وقد فوجئت بأن كل ملف من ملفات زملائى ليس به الا ثلاث وريقات: شهادة المؤهل.. وشهادة الميلاد.. والأخيرة شهادة تأدية الخدمة العسكرية.. إلا ملفى أنا والذى يحتاج لاثنين موظفين لحمله.. ولما تساءلت عن السبب قالوا لى.. هذه هى التحقيقات التى تمت مع سيادتك!!
هذا.. هو حصاد حياتى.. طوال خمسين عاما كاملة.. حصدت فيها الحب والاحترام.. من أعدائى قبل اصدقائى.. ربما لثقتهم فى نبل هدفى.. وسلامة نيتى!!
خمسون عاما قضيتها فى مزيج من النجاح.. والفشل.. كوكتيل من التقدم.. والاخفاق.. والله وحده.. يعلم موعد نهاية الرحلة.. ووصول القطار الى محطة الراحة الأبدية.. اللهم اقبضنا.. وأنت راض عنا.. اللهم آمين