رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مستقبل الليبرالية فى العالم العربى 1 ـ 1

علينا أن نعترف أن الليبرالية تعانى إشكاليات كثيرة فى العالم العربى لا تساعد على انتشارها، فالثقافة الشعبية فى المجتمع العربى تحمل انطباعات سلبية عنها إلى الحد الذى جعلها مصطلحا سيئ السمعة ، فهناك ربط فى الوجدان الشعبى بين الليبرالية والانحلال الأخلاقى، وبالتالى بينها وبين التفكك الأسرى والاجتماعى قياسا على ما يحدث فى الغرب، ووصل الأمر لدى البعض إلى المرادفه بينها وبين ازدراء الأديان حتى أن الفرد عندما يوصف بأنه ليبرالى فإن هذا يعنى أنه شخص لا دينى لا يتورع عن السخرية من الأديان وهو أمر يضرب بشدة الوجدان الشعبى العميق التدين.

كذلك تجرى المرادفة بين الليبرالية والفردية الأنانية باعتبار أن الليبرالى في الثقافة الشعبيه فردا مشغولا بمصالحه وبرغباته فقط ولا يعنيه شيء آخر وأنه يتحرك من مكان إلى آخر تحركه فقط مصالحه ورغباته.

تجرى أيضا المرادفة بين الليبرالي وتكديس الثروة دون أية مراعاة للاعتبارات الاجتماعيا، فالليبرالى فى الوجدان الشعبى لا يرى الفقراء ولا يعترف لهم بحقوق، والواقع أن هذه الانطباعات فى الثقافة العربية لها أسبابها ولم تأت من فراغ.

من بين أسباب عدم الانتشار:

1ـ  البعض روّج فى العالم العربى أن الليبرالية فكرة مستوردة من الغرب؛ وتاريخ الغرب مليء بالمرارات نتيجة الغزو الاستعمارى فقد امتدت أحكام الإدانة لتطال الليبرالية نفسها.

2ـ  الكثير فى مصر يربط بين الليبرالية وبرامج الإصلاح الاقتصادى التى نصح بها البنك الدولى وصندوق البنك الدولى، وحيث أن هذه البرامج نفذت دون أى اعتبار للبعد الاجتماعى، فقد أدت إلى ضياع ممتلكات الشعب فى القطاع العام ونهب حقوق العمال لذا حاكم الناس الليبرالية بهذه المثالب وألحقوها بها.

3ـ  الاستبداد السياسي الذي تتصف به النظم السياسية العربية والذى بموجبه تحالف رأس المال مع النخبة الحاكمة، مما جعل المجالس التشريعية التى يسيطر عليها هذا التحالف تسيطر على العملية التشريعية مما يجعلها أسيرة لمصالح هذا التحالف وفى اتجاه مضاد لمصالح الفقراء مما يزيد من الكراهية لرجال الأعمال الذين يمثلوا هذا النموذج الاقتصادى.

 

4ـ الدعوى التى يرفعها منظروا الليبرالية بإلغاء الدعم بحجة أنه لا يصل  إلى مستحقيه، وأنه يدفع الفقراء إلى الكسل ويضيع موارد الدولة متناسين أن انسحاب الدولة هو السبب الرئيسى فى ارتفاع نسبة الفقر وأن دور الدولة محورى لحماية الطبقات المهمشة وأن تدخلها ضرورى لتنظيم السوق وضبط التدفقات المالية ومنع الانحراف وهو ما أثبتته الأزمة المالية الأخيرة.

5ـ  محاولة الليبراليين العرب حصر الدين فى الشعائر التعبدية وإزاحته عن إدارة شئون الحياة هز بعمق الوجدان الشعبى العربى الذى يتعامل بدرجة عالية من التقديس مع الدين ولا يقبل حتى وإن كان فاسقا المساس به وبعض الليبراليين العرب تعاملوا مع الإسلام كما يتعامل الغرب مع المسيحية.

 

6ـ  الليبراليون العرب لم يتعاملوا مع الليبرالية برشد؛ فالنخبة الحاكمة المتحالفة مع رجال الأعمال تريد تطبيق الشق الاقتصادى من الليبرالية دون الشق السياسي، وهذا شيء لم يحدث حتى فى الغرب صاحب النظرية، وحقيقة أن النخبه الحاكمة فى العالم العربى لا تؤمن بالناس وبالتالى فإنها تسعى إلى إبعاد الجماهير عن آليات صنع القرار مما قبح من صورة الليبرالية فى عقول الناس وفى وجدانهم.

7 ـ إن بعض الليبراليين العرب تعاملوا مع الليبرالية بدرجة من التقديس وكأنها أيدلوجية تقبل كلها أو ترفض كلها، ودعا البعض إلى استنساخ التجربة الغربية بحلوها ومرها، وهذا شيء لم يحدث فى الغرب، فالليبرالية جهد بشرى غير معصوم، وعند تطبيقها لا بد من تمصيرها لنرى الممكن تطبيقه فى بلادنا، وتلك هى الحكمة التى افتقدها الليبراليون العرب والتى أدت إلى العداء الموجود للمذهب، فتطبيق الليبراليين العرب أساء إلى الليبرالية نفسها فتحويل الليبرالية إلى أيدلوجيه جعلها تخسر المعركة مبكرا أمام الأيدلوجيات الأخرى الراسخة فى العالم العربى.

 

ولكن لابد أن نفرق بداية بين الليبرالية كمذهب فكرى له تطبيقاته السياسية والاقتصادية والثقافية وبين التطبيق الليبرالى فى العالم العربي.

العقبات السابق ذكرها تنطبق بدرجة كبيرة على الدول غير الريعية وبدرجة أقل على الدول الريعية أى أن المصدر الرئيسى للدخل لا يأتى  من الصناعة ولكن من الثروات الطبيعية وفى مقدمتها النفط وهنا نأتى إلى مزيد من العوائق منها على سبيل المثال:

1- أن الدولة فى الخليج هى دولة ريعية بالأساس والريع على رأس مصادر دخلها والليبرالية فى تكوينها الفكرى مضادة للريع وبالتالى فإن تفعيل مقومات الليبرالية يبدو أمرا صعبا.

2- أن المجتمع الخليجى بالطبيعة مجتمع محافظ  يتحكم فيه إلى حد كبير منطق القبيلة والعشيرة والدين فيه والمنظومة القيمية لها سلطان كبير وأى انحرافات فيه لا تظهر على السطح بوضوح ولذلك فإن الليبرالية بما عرف عنها من الحريه المبالغ فيها إلى حد التفلت هو أمر غير مقبول فى المجتمع الخليجى حتى أصبحت الليبرالية مرادفة للتحلل الأخلاقى بل والإلحاد.

3- بعض  الليبراليين العرب فى الخليج تعاملو مع الليبرالية وكأنها دين جديد أو أيدلوجيا مما وضعها فى مواجهه خاسره مع الدين وبالتحديد

الإسلام الذى هو فى عرف المسلمين دين يشمل الدنيا والآخره وبالتالى فإن الليبراليين خسروا المعركة من البداية ولو أنهم عرضوها كفكر بشرى قابل للتطويع والتعديل حتى يمكن الاستفادة منه وهو ما يعد مقبولا في الثقافة العربية، فالحكمة ضالة المؤمن ولكن بعض الليبراليين أرادوا أن يضعوا الإسلام محل المقارنه بهذا الجهد البشرى المليء بالقصور مما حفز الناس إلى مقاومتها (اعتبارها تهدد عقيدة الأمة).

3 - النخب الليبرالية فى الخليج ركزت فقط على جانب الحريات وحتى هذا لم توفق فيه فقد كان جل خطابها على تحرير المرأه وإعطائها مزيدا من الحريات، حتى كادوا يعتبروا السفور حقا للمرأة والحجاب تقييدا لحريتها فأصبحت المرأه الليبرالية هى سافرة بالضرورة، وهذا الخطاب أحدث تصادما عنيفا مع المجتمع الخليجى المحافظ بطبيعته.

4- المجتمع الخليجى لا توجد فيه حركات سياسية منظمة أو بمعنى آخر أحزاب ليبرالية، وبالتالى فإن الليبرالية فى الخليج هى حركه فردية وليست حتى حركة نخبوية منظمة والحركة تتحرك أساسا من خلال منابر إعلامية بالأساس، ومعظم هذه الواجهات تعرض خطابا مستفزا للمجتمع والناس بتركيز الحديث عن المرأة بل وفى كثير من الأحيان التطاول على الإسلام واتهام العلماء الذين يتمتعون باحترام وتقدير الناس بالانغلاق، مما يزيد من سخط الناس عليهم ويجعل خطابهم مرفوضا.

5- المجتمع الخليجى بحكم محدودية سكانه تنتشر فيه الأخبار بسرعة وكثير من الليبراليين أساء سلوكهم الشخصى إلى ما يعرضوه من أفكار، لأن الناس عادة وخاصة فى المجتمعات المحافظة لا تفصل بين الأفكار والسلوكيات فمن لا يقبل سلوكه لا يرحب بخطابه.

 

والليبراليين للأسف لم يركزوا على هموم المجتمع الخليجى وتحولوا إلى أمور جزئية لا تحظى باهتمام عموم الناس مما جهلهم يبدون وكأنهم يغنون خارج السرب.

6- المجتمع المدنى العربى ما زال يعانى من نقاط الضعف بينما المجتمع المدنى فى الفكر الليبرالى هو الحارس على شرعية الدولة، لأن الأمة هى مصدر السلطات وهو ليس فقط المعادل الحسابى للمنظمات غير الحكومية، ولكنه المجتمع الذى يتداول قيمة الحرية ويرفض تداول الامتيازات ويرفض تباعا التهميش وغياب الوعى قاد قطاعا رئيسيا من منظمات المجتمع المدنى إلى تصور ترسم به دورها فى مجرد تقديم الإعانات إلى الناس وإلى محاولة لعب دور بديل للدولة، وتصور كهذا يعوق وجود التوازن المطلوب بين الدولة والمجتمع وبدونه تتحول الليبرالية إلى وحش كاسح ويفرد المزايا للقادرين ويسحق الضعفاء وفى المجتمع الخليجى فإن الدور البارز والمشهود به للمنظمات غير الحكومية هو فى الدور الخيرى والإغاثى.

كما أن معظم منظمات المجتمع المدنى فى العالم العربى لم تعط اهتماما كافيا لترسيخ فكرة الحرية لدى الفقراء، فلقد ذهبت إليهم الإعانات باعتبارها منحا وليست حقوقا، وبالتالى فلم تنجح هذه المنظمات فى ترسيخ فكرة الخبز والحرية معا وليس فكرة الخبز أو الحرية.

7 - العوائد النفطية فى معظم دول الخليج وقيام الدولة برعاية مواطنيها بدرجة عالية من الالتزام، بل وفتحها أبواب كثيرة من الرزق أمام المواطن، ومع العدد المحدود للسكان فى معظم الدول الخليجية فإن المواطن يفقد الحافز الداخلى للنضال أو التغيير، وذلك لتوافر الحياة الكريمة للقطاع العريض من الناس ووجود نوع من التوافق والرضى بين الحاكم والمحكوم ومن يعيش فى الخليج يشعر بهذا التراضى بين الحاكم والمحكوم.