رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الإخوان في الميزان ... (1)

لا شك أن الوضع في مصر صار مخيفاً، إذ تتوالي شواهد ُترجح كفة سيناريو "الفوضى" الذي لوّح به الرئيس المخلوع عشية تنحيه،  ويجب التشديد هنا على أن الخوف ليس – ولا يجب أن يكون - على ذات ولا مكتسبات بقدر ما هو خوف على وطن  من أن ينهار، وعلى حلم من أن يذهب أدراج الرياح .ومن ثم فالتحدي هنا هو في قدرة القوى السياسية علي فرض سيناريو " العبور" عبور المرحلة الانتقالية،وصولا لواقع  الاستقرار "المنشود"، وليس الاستقرار وحسب!

ومع تصدر الإخوان للمشهد، يقع على الجماعة – التي يصعب اختزالها في الحزب السياسي-  عبء قيادة " المركبة" السياسية بحنكة من يدرك أنها - أي هذه المركبة - تحمل أُمةً في حالة " مخاض سياسي" ، وأن هذه الأخيرة بها من الإعياء والألم ونفاذ الصبر ما يكفي لعدم تحمل أي " مطب" ولو بسيط.
وفي سبيل تقييم أداء الجماعة كلاعب سياسي ينبغي التعريج على الميدان، ليس باعتباره ساحة سياسية، بقدر ما هو لاعب سياسي .
الميدان
بدون النزوع للتصنيف أو البحث عن خلفيات – ومع الإقرار بالخلفية غير الإسلامية للميدان – ُينسب للأخير الفضل في تفجير الثورة، وفي الوقت نفسه لا ُينكر دور الشارع - بكافة أطيافه- ثم التيار الإسلامي خاصة شقيه السلفي والاخواني في دعم مسيرة "التحرير".
لقد كان الميدان شعاع الشمس الذي أضاء ظلمة الليل الذي لف به الوطن النظامُ القديم ، وحيث يتكون هذا الشعاع في العلم التطبيقي من أشعة حرارية وضوئية وحيوية، فقد كان الحال نفسه في الثورة المصرية، حيث كانت تحتاج لحرارة تلهب الحراك الثوري، وضوء ينير الطريق ، وقوة تدفع المسير، ولا شك أن هذا كان حال أطياف المجتمع، في لحظة انصهار وطني نادرة،ولكن للأسف لم تدم.
إذ أنه ومع بزوغ فجر الثورة ، ومع بدايات انجلاء غمة النظام القديم، اتجهت التيارات وخاصة الإسلامية لـ "لامتياز" ، فقد حرص الإخوان على الظهور كجماعة منظمة مستقلة – كما هم فعلاً - كما حرص السلف على إبراز ملامحهم كتيار ديني ذي خصوصية فكرية، أكثر منهم كجماعة سياسية ذات خصوصية أيديولوجية.
إن خروج الشريكين الإسلاميين هو أكبر ضربة ُوجهت للثورة، وللأسف من شركاء في الثورة وليس من أعدائها، ذلك أن أيا مما يحيكه أعداء الثورة لكان أخف وطأه لو لم تظهر حالة الامتياز هذه.
إن السبب الرئيسي وراء النزوع للامتياز لدى كل من السلف والإخوان يرتبط بشدة بطبيعة كل منهما، فالإخوان كجماعة سياسية تعلو فيها قيمة "الالتزام" التنظيمي علي قيمة "الالتئام" الوطني ، وحتى وإن حدث  الالتئام فبشرط الامتياز !
إن عقود من معاناة الجماعة في مواجهة أنظمة دكتاتورية ربما تمثل مبررا قويا لهذا التراتب القيمي لدى الجماعة ، أما في مرحلة ما بعد الثورة ، فلا يجد عاقل الأمر سائغا بأي حال.
أما التيار السلفي ، فلا يختلف الأمر كثيرا، حيث عوقب التيار على "إيمانه" بالفكرة الإسلامية أكثر من عقابه على "كفره" بالفكرة السياسية، وفي العقل الجمعي السلفي فالقيمة الدينية تعلو على القيمة الوطنية، ومن ثم فالمسيرة النضالية السلفية كانت لحماية القيمة الدينية، وليس الوطنية، وهو ما يفسره بوضوح دعاوى إسلامية الدولة بعد الثورة ، وهو ما يثير سؤالا موجها للعقل الجمعي السلفي بشأن وعيه بـ "كيان " الدولة التي يستعد للموت من أجل " هويتها"!
إذن انقسم الميدان؟ نعم. ولكن بعد أن فقد الزخم. فبخروج التيار الإسلامي، لم يفقد الميدان بعضا من مكوناته، بقدر ما خسر "الرابط " الذي جمع هذه المكونات، والذي جعل منه" كلاً أكبر كثيرا من مجموع أجزائه".
إن نزوع التيار الإسلامي للتمايز عجل بخروج الميدان من "سكرة" الوطنية،إلى "فكرة" الوظيفية حسب المفهوم الأكاديمي للسياسية who gets what , when and how. ثم والحال كذلك فمن الطبيعي تشظي الميدان وتشرذم القوة الوطنية إلى قوى وتكتلات وائتلافات ، كل منها يبحث عن مسوغ لاختلافه ، ومحدد لامتيازه هو الأخر، حتى أضحى رجل الشارع العادي في حيرة من أمره، والتبس الأمر على العقل الجمعي أيما التباس، وللتدليل فلنسأل البعض عن موقفهم حيال المظاهرات في محيط وزارة الداخلية.!
إن الميدان الآن أشبه بلاعب ملاكمة قوي ولكن في لحظة "انكسار" مدوية فهو يقف في الساحة يستلهم الماضي ، ويستحضر المجد، دون

أن تحمله قدماه أو  تسعفه قبضتاه في تحقيق نصر في مواجهة عدو ماكر أكثر منه ند حقيقي. إن الدفق الحيوي الذي يحتاج إليه الميدان ليعيد الأمور إلى نصابها مرتهن بدفق حراري وآخر ضوئي يمسك بهما الشريكان الإسلاميان ، وفي انتظار أن يفلتاهما يبقى على العقل الجمعي الثوري
(1)  أن يعي أن:
1- السبب الرئيسي للثورة هو انسلاخ "الإدارة السياسية" عن " الإرادة الشعبية".
2- لا تزال أسباب الثورة – انسلاخ الإرادتين السياسية والشعبية – وشروطها – الوعي الجمعي بالذات وإدراك القدرة على الفعل - ضمانة لاستمرار تجدد الثورة.
3- يعتمد خطاب الإدارة السياسية في الأساس على محورين هامين هما: إلقاء اللوم على " الطرف الثالث " غير المعلوم في معرض تفسير أي خطأ ترتكبه السلطة، ومطالبة الشارع بعدم رفع أية مطالب عامة أو فئوية لحين انتهاء الفترة الانتقالية، وهي مطالبة تعني عدم فهم السلطة لحساسية عنصر الزمن من ناحية ، ولطبيعة المطالب الشعبية والتي تصب جميعها في اتجاه التغيير ولكن من منظور ثوري من ناحية أخرى.
4-  لم تنجح الثورة - قياسا على عنصر الزمن - بسبب إخفاق الشارع في تجديد وتطوير خطابه السياسي، بحيث ينتقل من مرحلة " الشعب يريد إسقاط النظام " إلى مرحلة " الشعب يدير عملية التغيير".

(2) كما أن عليه أن يتحرك في اتجاه..
1- إعادة هيكلة النقاش المجتمعي ليكون حول " الوطن" وليس " الدولة".  فالمعنى الأول غير ُمشكل إطلاقا، كما أنه يبرز مساحات الاتفاق بين الأطياف التي غيبتها حالة الامتياز الايديولويجي المشار إليها. إلى جانب أنه يؤطر الحوار حول الدولة ويسهل التوافق حول الوظائف والأدوار السياسية.
2- إدراك أن " تظاهرات " يناير وما بعده حتى تنحي الرئيس المخلوع كانت الأداة السياسية الأولى للتغيير، تعبيرا عن إرادة الشعب التي ترجمها شعار   " الشعب يريد" ، غير أنه ومع الوقت لم يعد الأمر كذلك ، فعلي النخبة الثورية أن تنتقل للتعبير عن "دور للشعب في عملية التغيير" ، ولكن من غير طريق المطالبة، بل من خلال الطرح، والضغط للتنفيذ. إن خروج بضعة آلاف أو حتى مئات الآلاف سيظل ُينظر إليه على أنها مظاهرات يقوم بها " معارضون" للنظام القائم، حتى يبرهن الشارع الثوري للعامة أن النظام المنشود لما يأت بعد، وعلى الشارع الثوري أن يدرك أن أسبقية التيار الإسلامي كانت بسبب " انتظام" الإخوان، و"التئام" السلف، ولن يكون للشارع دور إلا إذا قام بعملية " اصطفاف" خلف القيمة الوطنية، مع إدراك كامل لمعناها واستحقاقاتها.
3- وجود حزب سياسي قوي ومؤثر مصري الهوية وطني الأيديولوجية هو الأمل الوحيد حيال إحداث توازن في الساحة السياسية بين قوى التيار الإسلامي والقوى غير الإسلامية ، لحين وصول المجتمع لنقطة التلاقي الحتمية بين العقل الشرعي والضمير الجمعي، والتي عندها يتحقق أقصى درجات التوازن السياسي والمجتمعي.