رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رغم الإعاقة الكاملة.. أحمد يصوم رمضان

أحمد "17 عاما" رغم إعاقته الشديدة نتيجة شلل دماغي والتي منعته من الالتحاق بأي من المدارس الفكرية وعدم تلقيه لأي من التعاليم الدينية، إلا أنه لديه حكايته الخاصة في رمضان..

بدأت قصته منذ أن أكمل عامه العاشر وقرر صيام الشهر كاملا دون تفويت يوم واحد، ربما لإثبات حبه لربه ولتلبية دعائه المستمر لمن يحبهم، وربما إثباتا لمن حوله أنه شخص عادي لا ينقصه شيء يمنعه من الصوم ولا يختلف عن الآخرين وقد يكون رغبة في إثبات وجوده.

وهذا العام لم يكتف "أحمد" بصوم رمضان فقط؛ بل استقبل الشهر الكريم بصوم أيام من شهري رجب وشعبان أسوة بما سمعه من أحد شيوخ الفضائيات الدينية، ولأنه يعاني من إعاقة شديدة تمنعه من الحركة والجلوس والمشي والكلام أو التحكم في قضاء حاجته، فلا يتمكن من الصلاة طوال العام، إلا أنه في رمضان ومع كل آذان يكتفي بالنظر إلى السماء متذكرا كل شخص عزيز عليه "وهم كثر" ويدعو لهم.. لا أعرف ماذا يدعو، ولكنه دعاء من قلب ناصع البياض إلى ربه، وعند انتهائه من الدعاء يكتفي بالنظر إلى الأرض وكأنه في حالة خشوع تام لعدد من الدقائق مقتنعا أنه بذلك يؤدي ما عليه من صلاة من أجل صيام كامل مكتمل.

طقوس مختلفة في رمضان

ومثله مثل أي شخص طبيعي له طقوسه المختلفة في رمضان، فإذا كان قد اعتاد الجلوس أمام شاشة التلفاز لمتابعة المسلسلات والأفلام، ففي رمضان لا يتابع إلا القنوات الفضائية الدينية بل ويستمع إليها بتركيز تام ويتلذذ بسماع الابتهالات خاصة تلك التي تسبق أذان الفجر.

ولأن الصوم ليس امتناعا فقط عن الطعام والشراب فقد قرر "أحمد" الامتناع عن كل ما يغضب الله في هذا الشهر الكريم، أو بمعنى آخر الامتناع عن بعض العادات المألوفة لديه في الأيام الأخرى وعلى رأسها الاستماع إلى حكايات جيرانه وزوجات أعمامه والاستمتاع بحكاياتهم النسائية والغيبة والنميمة عن الأخريات أثناء جلوسه معهم أمام المنزل على كرسيه المتحرك،

ولم يقاطع الجلوس معهم في رمضان كونه العامل الأساسي في تسليته، ولكن عند تطرقهم لأحاديث الغيبة والنميمة يصدر أصوات عالية تعبر عن رفضه واستيائه لسماع حكايات وأخبار الغير في رمضان، وإن رفضن السكوت يطلب الابتعاد عنهن وتركهن أحرارا فيما يقلن.

وعلى سبيل المداعبة قد تستفزه إحداهن بما يغضبه ولكنه يرد بالصمت، على غير عادته برفع صوته للتعبير عن رفضه لشيء ما، وكأنه في قرارة نفسه يقول "اللهم إني صائم".

ولأنه أخي؛ أعرف جيدا ما يود قوله، والمعني الذي يقصده من أصواته المختلفة، فلما مازحته قائلة: لماذا لا تفطر هذا العام بسبب ارتفاع حرارة الجو ولا تخف فلن يعاقبك الله؟.. ما كان منه إلا أن نظر إلي نظرات كلها حزن وغضب وكأنه يقول لي "كيف أفطر في هذا السن.. ألست مثلكم أم أن ظروفي الخاصة تجعلني مختلفا عنكم؟".

ضرورة الدمج في المجتمع

وفي تعليقها على هذه الحالة تقول دكتورة نهلة نور الدين، أخصائية الطب النفسي والأعصاب: حالات الشلل الدماغي التي تصيب الطفل عند الولادة أو بعد الولادة نتيجة ظروف معينة تصيب مراكز في المخ مسببة الإعاقة الحركية أو إعاقة في النطق أو كليهما معا ولكنه لديه القدرة على التمييز والمعرفة والرغبة في المشاركة في الحياة الاجتماعية لرغبته في الإحساس الطبيعي بأنه ليس أقل من الآخرين.

وتواصل: لهذا لابد أن نشجعه على الصيام، ودمجه في المجتمع، والمساواة بينه وبين الأسوياء، وعدم إشعاره بالاختلاف عنهم، بل علينا تشجيعه على المزيد، ولتقليل الإحساس لديه بأنه أقل من الآخرين والذي غالبا ما يسيطر عليه.

وتنصح نهلة باستخدام كلمات التشجيع ولكن بدون مبالغة مثل "برافو عليك"، والحديث عن إنجازاته وصيامه بشكل غير مبالغ فيه أيضا، كذلك تحذر من الحديث مع هذه الحالات من ذوي الاحتياجات الخاصة بلغة التعاطف

مثل كلمات "يا حرام.. يا عيني.. لست مكلف بالصيام"، وفي زيارة الأهل والمعارف لا مانع من إشراكه في اختيار الهدايا حتى نعزز ثقته بنفسه ويشعر بأنه فرد مشارك كما يعطيه هذا الإحساس مزيد من الراحة النفسية.

وترى نور الدين أن هناك بعض الأسر تنظر للطفل المعاق على أنه مشكلة وتعتبره نقطة خجل وتحاول أن تخفيه عن عيون الناس، ويتربى عند هؤلاء الآباء مشاعر الذنب والإحساس بالتقصير بما يطلق عليه "جرح نرجسية الآباء" وبالتالي يحاولون إخفائه، وهنا نقول لهم بأن هذا هو قضاء المولى وقدره وأنهم ليسوا مسئولين عما حدث له، وبدلا من ذلك عليهم أن ينظروا إلى هذا الطفل ويحاولوا أن يستشعروا إحساسه ويتفهموا مشاعره، ويعملوا على دمجه في المجتمع المحيط به، وفي المناسبات الاجتماعية يفضل أن يتعاملوا معه بشكل طبيعي مع الحفاظ على الرعاية شريطة ألا تكون زائدة عن الحد، وأن يحرصوا على الحديث معه عن الفروض والعبادات لمعرفتها وإدراكها وإشعاره بالمظاهر الدينية.

صوم المعاق في الإسلام

وعن صوم المعاق أو ذوي الاحتياجات الخاصة يقول دكتور محمد الشحات الجندي، أستاذ الشريعة وعضو مجمع البحوث الإسلامية،: بداية يجب أن نعلم أن التكليف بالفرائض والواجبات الشرعية تكون للعاقل أي الذي يتوفر له عقل كامل ويعي الأمور وعيا صحيحا، وكذلك يعي التكاليف الإسلامية والشرعية مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم "رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يعقل" (رواه الإمام احمد في مسنده)، فإذا كانت الإعاقة ذهنية فلا تكليف عليه لأنها تتراوح بين الجنون ونقص العقل كما أنها في كل الأحوال قد تكون حائلا بين الشخص وبين إدراك حقيقة الصيام ولكن إذا ما أمكنه الصيام وحافظ عليه فانه يثاب ثوابا كبيرا ويعد ذلك تقربا في الله في أمر ليس واجبا عليه مثل الآخرين.

وعلى الجانب الآخر يرى دكتور الجندي انه إذا كانت الإعاقة ليست بالدرجة الكبيرة التي تمنعه من الالتزام بتكاليف الصيام وكان يعقل ذلك ويتفهمه فعليه صيام رمضان وإن آثرت أسرته إبعاده عن الصيام تحسبا لظروفه فعليها إطعام مسكين وجبتين كاملتين عن كل يوم.

ويلخص الجندي حكم صيام المعاق فيقول: الأمر يتوقف على درجة الإعاقة ووعي الأسرة بحقيقة الحالة، أي أنها مسالة تقديرية متروكة للأسرة، وهنا لابد من الإشارة إلى دور الأسرة في تقريب المعاق من الله وتعريفه بمعنى الصوم والصلاة ومختلف العبادات والتدريب عليها وصولا إلى درجة الالتزام والقيام بها بتلقائية.

 

** نقلا عن موقع أون إسلام.